تصف نفسها بأنها صاحبة "إرادة حديدية". وبهذه الإرادة تواجه الأردنية دانا سمبولوغلو مجتمعا محافظا عشائريا، متمسكة بتحقيق حلمها في أن تصبح بطلة عالمية في رياضة كمال الأجسام.

ودانا (25 عاما) مولعة بالرياضة منذ طفولتها. مارست التايكواندو والجمباز والسباحة وكرة القدم وكرة اليد ورقص الباليه، لكنها قررت الاحتراف في كمال الأجسام، الرياضة الذكورية بامتياز في الأردن.

وتقول دانا التي تمارس هذه الرياضة منذ عام 2012 لوكالة فرانس برس "حبي وشغفي بهذه الرياضة لا يمكن وصفه. هي تسري في دمي وتساعدني على التخلص من كل طاقة سلبية في جسدي وتزيد ثقتي بنفسي".

أنهت دراستها الثانوية في تلك السنة وسافرت الى أثينا لدراسة الصحافة. وتقول عن تلك الفترة "قبل دخولي الجامعة وخلال دراستي للغة اليونانية كنت أتردد على صالة رياضة قريبة من الجامعة. هناك رأيت أناسا يمارسون كمال الأجسام فأثار ذلك إعجابي فقررت العودة الى الأردن ودراسة التربية الرياضية في الجامعة الأردنية في عمان والبدء بممارسة هذه الرياضة".

على الرغم من معرفتها بأنها ستكون عرضة لانتقادات كثيرة، لم تتردد دانا في إنشاء صفحة لها على "إنستغرام" تنشر عليها صورها بملابس الرياضة، وهي تتمرن وتبرز عضلاتها وصورا خلال مشاركتها في بطولة في الولايات المتحدة. وبات لها نحو ثمانية آلاف معجب على الصفحة.

تتدرب الشابة البيضاء ذات العينين الخضراوين والقامة المتوسطة (160 سنتم) والمفتولة العضلات نحو أربع ساعات يوميا وبحماس داخل صالة كبيرة في ناد في وسط عمان مجهزة بأحدث المعدات على وقع أغان غربية وتحت أنظار شبان فضوليين. وهي قادرة على رفع 120 كيلوغراما من الأثقال.

ولم يكن خيارها ممارسة هذا النوع من الرياضة قرارا سهلا.

وتقول بعد أحد التمارين والعرق يتصبب من وجهها لوكالة فرانس برس "كان جزء كبير من الأهل ضدي. كان أشخاص يقولون لي: ماذا تفعلين؟ هل تريدين أن تصبحي رجلا؟".

في الشارع، تقول دانا إنها تتعرض ل"نظرات" من البعض "غير بريئة تزعجني وتضايقني كثيرا، وأحيانا أضطر لترك المكان الذي أنا فيه بسبب تلك النظرات".

ذات يوم قالت لها فتاة تعرفها "لو كان عندي مثل جسمك لكنت انتحرت من زمان!".

لكن دانا تقول اليوم "إرادتي حديدية. هذا الكلام لم يعد يؤثر بي إطلاقا. هذه رياضة مثل أي رياضة أخرى. حتى إنني أرى أنها تعطي جسم الإنسان شكلا أحلى وتناسقا".

وترى دانا أن ممارستها لرياضة كمال الأجسام لا يلغي شيئا من أنوثتها، مضيفة باسمة "أنا أواظب على وضع المكياج كأي فتاة".

- لا دعم -

الى جانب هوايتها، تعمل دانا منذ ستة أعوام في مجال تدريب الشابات والنساء في النوادي الرياضية وفي المنازل، وحتى عبر الإنترنت.

وتوضح "هناك فتيات يخجلن من المجيء والتدرب في الصالات، وهناك نساء لديهن أطفال يفضلن التدرب في المنزل، وأخريات لا يرغبن في أن يتدربن بين الناس".

وطرقت دانا أبواب الاتحاد الأردني لكمال الأجسام لرعاية نشاطها، لكنها لم تفلح. فلا مكان للنساء في سجلات الاتحاد. وبالتالي، فإن مشاركاتها في البطولات الخارجية هي مشاركات فردية.

كما أنها غير قادرة على الحصول على أي دعم من أي جهة أو أي شركة راعية. وتشير الى أن "كمال الأجسام من أكثر الرياضات تطلبا للمال" من ناحية الطعام والمكملات الغذائية والملابس والتجهيزات الرياضية الخاصة ونفقات التنقل والسفر للمشاركة في البطولات.

ويقول رئيس الاتحاد الأردني لكمال الأجسام مأمون تيف لوكالة فرانس برس إن "رياضة كمال الأجسام تعد الرياضة الثانية من حيث الشعبية في الأردن بعد كرة القدم، وهناك نحو 400 مركز لكمال الأجسام في عموم المملكة، إلا أن تسجيل النساء لا زال أمرا صعبا جدا بسبب تقاليد وعادات المجتمع الأردني".

- "حلم حياتي" -

لكن كل ذلك لا يحبط دانا التي تقول "حلم حياتي أن أشارك" في أكبر بطولة للمحترفات لكمال الأجسام، وهي "مس أولمبيا" التي تقام سنويا في لاس فيغاس في الولايات المتحدة بمشاركة كل بطلات العالم.

وهي شاركت حتى الآن في بطولتين: الأولى في مسابقة دولية للهواة في كندا في 2018، والثانية في لاس فيغاس في 2019. وتتطلع للثالثة في تورونتو في كندا في أيلول/سبتمبر المقبل.

هذه البطولة يمكن أن تؤهلها للفوز بما يعرف ببطاقة الاحتراف التي يفترض بعدها أن تجمع عددا معينا من النقاط يخولها المشاركة في "مس أولمبيا".

وسيتطلب ذلك منها تدريبا قاسيا يوميا.

وتلقى دانا تشجيعا من صديقاتها. وتؤكد صديقتها روان صالح (35 عاما) التي تعمل في المنظمة الدولية للهجرة إنها تقدر كثيرا "الجهود التي تبذلها دانا من اجل تحقيق الهدف الذي تصبو اليه في حياتها"، ف"هذا الالتزام ليس موجودا عند الكثير من الناس".

لكن في المقابل، كثيرون ينتقدونها مثل أحمد (47 عاما)، وهو موظف حكومي، الذي يقول "يمكن أن أتفهم وأتقبل أن تذهب المرأة وتمارس الرياضة في الجيم كي تنعم برشاقة وصحة جيدة، ولكن أن تمارس رياضة كمال الأجسام فهذا ما لا يمكن أن يتقبله ويتحمله عقلي إطلاقا".

ويضيف "ليس هناك إنسان عاقل يحب أن يرى زوجته أو أخته أو ابنته مفتولة العضلات".

اما رسالة دانا فواضحة "يجب أن تتغير نظرة المجتمع. الشيء المسموح به للشباب يجب ان يكون مسموحا به أيضا للشابات، فالشباب لديهم أحلام وطموحات والفتيات لديهن أحلام وطموحات".

وتختم "رسالتي للنساء هي: إذا كان عندهن حلم، فعليهن أن يعملن ويحاربن من أجل تحقيقه، وأن يتسلحن بالشجاعة الكافية وعدم الخوف".