عانت دورات الألعاب الأولمبية في تاريخها الحديث، من النسخة الأولى عام 1896، من المقاطعة السياسية مرتين (موسكو 1980 ولوس أنجليس 1984)، وشهدت أحداثا أمنية (ميونيخ 1972)، لكن موعدها لم يتم تعديله أي مرة في أيام السلم.

ويشكل إعلان اليابان واللجنة الأولمبية الدولية تأجيل دورة الألعاب الصيفية 2020 التي كانت مقررة في طوكيو بسبب تفشي فيروس كورونا المستجد، سابقة تاريخية، اذ انها المرة الأولى التي يتأثر فيها موعد دورة أولمبية بظروف لا ترتبط بحرب عالمية.

في ما يأتي عرض للنسخ الثلاث من الأولمبياد الصيفي التي تم إلغاؤها بسبب الحروب، وهي برلين 1916، وطوكيو 1940 ولندن 1944.

- برلين 1916 -

في اجتماع للجنة الاولمبية الدولية عقد في ستوكهولم في الرابع من تموز/يوليو، مُنح شرف تنظيم النسخة السادسة من الألعاب الى برلين التي تفوقت على الاسكندرية، أمستردام، بروكسل، بودابست وكليفلاند.

سخّرت ألمانيا كل امكاناتها من خلال إقامة ملعب يتسع لـ33 ألف متفرج في حي غرونيفالد الراقي في برلين الغربية عام 1913، في ذكرى مرور 25 عاما على عهد القيصر فيلهلم الثاني على رأس الرايخ الألماني (الاسم الرسمي لألمانيا بين 1871 و1945).

شيد الملعب في غضون 200 يوم فقط بحسب سجلات اللجنة الأولمبية الألمانية، وتضمن حوض سباحة يبلغ طوله 100 م. شمل البرنامج الرياضي الآتي: ألعاب القوى، المصارعة، المبارزة، الرماية، الخماسي الحديث، الدراجات، الجمباز، السباحة، التجذيف، الهوكي والغولف.

للمرة الأولى، دعيت النساء للمشاركة في منافسات السباحة، الغطس، كرة المضرب وكرة الشبكة، بحسب تأريخ اللجنة الأولمبية لنسخة 1916.

أجرت ألمانيا تجربة للألعاب على مدى يومي 27 و28 حزيران/يونيو 1914 في ملعب برلين. لكن شهد اليوم الثاني من التجارب شهد اغتيال ولي عهد النمسا الأرشيدوق فرانك فرديناند وزوجته في ساراييفو، لتبدأ سلسلة من الأحداث أدت الى اندلاع الحرب العالمية الأولى.

وأصدر مؤسس الألعاب الأولمبية الحديثة البارون الفرنسي بيار دو كوبرتان مرسوما اعتبر فيه أن ألعاب برلين عام 1916 ستعتبر النسخة السادسة من الأولمبياد على رغم انها لم تقم أبدا.

أما الأولمبياد السابع، فمنح تنظيمه الى مدينة أنتويرب البلجيكية إقرار بالتجربة المروعة التي مرت بها بلجيكا خلال الحرب العالمية الاولى.

ورفعت الراية التي تتضمن الحلقات الأولمبية الخمس الشهيرة للمرة الأولى، وأطلق سرب من الحمام في حفل الافتتاح كرمز للسلام في ألعاب استبعدت منها ألمانيا.

- طوكيو 1940 -

تماما كما أطلق المسؤولون اليابانيون على طوكيو 2020 تسمية "ألعاب التعافي" من الزلزال المدمر والتسونامي والكارثة النووية التي ضربت البلاد عام 2011، كانت دورة 1940 المقررة أيضا في العاصمة اليابانية فرصة لإظهار مدى تعافي البلاد من زلزال كارثي عام 1923.

كان ملف الترشيح برئاسة الشخصية اليابانية الأسطورية جيغورو كانو أحد مؤسسي لعبة الجودو في بلاده وأول ياباني عضو في الأولمبية الدولية. ونالت طوكيو الاستضافة بعد مفاوضات شرسة من ضمنها إقناع الزعيم الفاشي الإيطالي بينيتو موسوليني بسحب روما من السباق.

كان من المتوقع ان تحتفل طوكيو في الألعاب بذكرى مرور 2600 سنة على تولي أول امبراطور ياباني (جيمو) العرش، لكن تنظيم الألعاب سحب من طوكيو بسبب اعتداء عسكري ياباني على الصين.

ومع دخول اليابان الحرب مع الصين عام 1937، ازدادت الضغوط عليها للتخلي عن الألعاب الأولمبية، وتساءلت السلطات العسكرية عن جدوى تحويل الموارد المالية من الجهود الحربية لتمويل البنى التحتية الاولمبية.

رضخت اللجنة الأولمبية اليابانية في النهاية وأعلمت اللجنة الأولمبية عام 1938 بأنها لن تستضيف الألعاب، معللة قرارها بـ"مشكلة مع الصين".

كما تخلت اليابان عن استضافة الالعاب الأولمبية الشتوية التي كانت مقررة في مدينة سابورو.

منحت هلسنكي استضافة أولمبياد صيف 1940 بدلا من طوكيو، والشتوي لسانت موريتز السويسرية. لكن المدينتين كانتا ضحيتي الحرب العالمية الثانية وانتظرتا حتى عامي 1952 و1948 تواليا لإقامة الألعاب قبل ان تصبح طوكيو أول مدينة آسيوية تستضيف الألعاب عام 1964.

- لندن 1944 -

على الرغم من الوصف الشهير الذي أطلقه رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشيرشيل عن "العاصفة القادمة" الى أوروبا بسبب المانيا النازية، اجتمعت اللجنة الاولمبية الدولية في لندن في تموز/يوليو 1939 لتحديد المدينة المضيفة لدورة الألعاب الاولمبية عام 1944.

وقع الخيار على لندن التي تفوقت على روما، ديترويت، لوزان وأثينا.

لكن بعد ثلاثة أشهر فقط، اعلنت بريطانيا الحرب على ألمانيا، فألغيت بالتالي ألعاب 1944.

كان مقررا ان تقام الالعاب الاولمبية الشتوية في كورتينا دامبيتسو في إيطاليا لكنها ألغيت بدورها. عادت المدينة الايطالية واستضافت الألعاب الشتوية عام 1956، ومن المنتظر ان تستضيف الألعاب الشتوية مع جارتها ميلانو عام 2026.

وبعد ثلاث سنوات على انتهاء الحرب العالمية الثانية، وبعدما بدأ العالم ينهض من الويلات التي خلفتها، استضافت لندن ألعاب 1948 التي أطلق عليها لقب "ألعاب التقشف". لم يتم دعوة المانيا واليابان للمشاركة.