مينسك (أ ف ب) - سارت بيلاروسيا بعكس التيار برفضها فرض الإغلاق الذي شل الحياة في أوروبا بأكملها نتيجة تفشي فيروس كورونا المستجد، ما جعل بطولتها المحلية المغمورة محط أنظار مشجعي كرة القدم حول العالم بما أنها الحدث الرياضي الكبير الوحيد القائم حاليا في القارة العجوز.

لكن اللاعبين قلقون من المخاطر الصحية، ووحدهم المشجعون المتفانون مستعدون للمخاطرة بحضور المباريات من المدرجات.

ويقر يهور خافانسكي، ابن الـ26 عاما الذي يشجع فريق أف سي سلوتسك، بأنه "خائف بعض الشيء" لكن ذلك لن يمنعه من حضور مباراة عطلة نهاية الأسبوع، مع أخذ كل الاحتياطات اللازمة بارتداء كمامة و"محاولة ألا ألمس أي شيء" حين يحضر الأحد المواجهة ضد بيلشينا بوبرويسك.

وكشف خافانسكي باتصال هاتفي مع وكالة فرانس برس بأن "الملعب يتسع لألفي شخص، لكن 300 فقط حضروا المباراة الاخيرة. يمكنك الجلوس في اي مكان تريده من أجل الحفاظ على مسافة" آمنة لتجنب احتمال الإصابة بفيروس "كوفيد-19".

ويؤكد خافانسكي إنه سيستمر في حضور المباريات بغض النظر عن المخاطر، لأنه، بحسب رأيه، يواجه "نفس احتمالات الإصابة (بالفيروس) في وسائل النقل العام أو في المتاجر".

وسجلت الجمهورية السوفياتية السابقة الواقعة على أبواب الاتحاد الأوروبي والتي يبلغ عدد سكانها قرابة 10 ملايين نسمة، 9590 إصابة بـ"كوفيد-19"، في حين أن عدد الإصابات في جارتها أوكرانيا التي يبلغ عدد سكانها أربعة أضعاف، أقل حتى الآن.

وعلى رغم القيود الواسعة التي تفرضها معظم دول العالم على حركة التنقل والسفر وخروج الناس من منازلهم، رفض رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاتشنكو فرض أي حجر صحي أو عزل على مواطنيه.

ذهب الرئيس المثير للجدل الى أبعد من ذلك، ولم يتردد باعتبار كورونا المستجد "هوسا"، وان "الهلع" منه هو أكثر خطورة من الفيروس نفسه.

وطالب رئيس البلاد مواطنيه بمواصلة أعمالهم، الذهاب الى الحقول وقيادة جراراتهم التي تصنعها بلاده بكثرة، "لأن الجرار يشفي الجميع" بحسب قوله. كما نصح بشرب الفودكا وتكثيف استخدام الحمام البخاري كأفضل دواء لمحاربة فيروس كورونا.

وكرر الرئيس مواقفه الخارجة عن المألوف، بقوله خلال مباراة خيرية للهوكي على الجليد "الموت بكرامة أفضل من العيش خانعين!".

وفي ظل شلل شبه تام في البطولات والمسابقات على امتداد أوروبا والعالم، وعدم يقين شامل بشأن الموعد الذي يمكن فيه استئناف المباريات، يستأثر الدوري البيلاروسي بالاهتمام، وليس لمستواه الكروي: البطولة التي يطلق عليها تسمية "فيسهايا ليغا" باللغة المحلية، تواصل نشاطها.

وسار الاتحاد البيلاروسي لكرة القدم على خطى الحكومة، رافضا توقف المباريات تطبيقا للمبادىء التوجيهية الحالية، حتى أنه أعلن هذا الأسبوع أن دوري السيدات سيبدأ في 30 نيسان/أبريل بعد تأخير لمدة أسبوعين بسبب مخاوف من احتكاك اللاعبات بأشخاص مصابين بالفيروس.

- مساهمة أسترالية -

على الورق، يعتبر قرار السماح بالمباريات بمثابة نعمة كبيرة لهذا الدوري المتواضع، إذ اشترت أكبر شبكة رياضية روسية حقوق نقل المباريات في آذار/مارس، ثم لحقت بها قنوات 11 دولة أخرى، بينها الهند وإسرائيل.

وأطلقت الأندية حسابات تويتر باللغة الإنكليزية لتلبية التدفق الجديد للمتفرجين الدوليين.

ويتساءل مشجعو وإدارة أف سي سلوتسك عما إذا كان الاهتمام الجديد قادرا على إنقاذ النادي الذي يعاني ماليا في ظل تواضع المدخول الرعائي، بما أن الراعي الرئيسي له هو شركة سكر محلية تديرها الدولة.

وأقر رئيس النادي فيتالي بوناس لوكالة فرانس برس بالوضع الصعب الذي يعشيه فريقه جراء تواضع المردود المالي، لأن "صناعة السكر في تراجع".

وبوجود مدير المصنع في السجن بسبب إدانة بالفساد، كشف بوناس أن "الوضع المالي للنادي كارثي".

وفي ظل توقف البطولات المحلية نتيجة تفشي "كوفيد-19"، قرر مشجعون أستراليون مساعدة أف سي سلوتسك بحوالي 4 دولار أميركي من خلال جمع التبرعات، وحتى أنهم أطلقوا صفحة على فايسبوك للمشجعين الجدد من خارج بيلاروسيا، في مبادرة وصفها بوناس بـ "المفاجئة لكنها مرحب بها".

- "الوضع مخيف بعض الشيء" -

ومقابل التشجيع القادم من خارج الحدود، لا يبدو أن المشجعين المحليين مقتنعون بقرار مواصلة اللعب في ظل التهديد الذي يشكله "كوفيد-19"، وقد بلغ إجمالي عدد المتفرجين في مباريات الدوري الثماني نهاية الأسبوع الماضي 2383 شخصا فقط.

وحضر مباراة دينامو مينسك ضد نيمان غرودنو التي أقيمت في نهاية الأسبوع الماضي على أكبر ملعب في البلاد، 317 شخصا فقط.

وفي اواخر آذار/مارس، انتقد مشجعو غرودنو رد الفعل الرسمي على تفشي الوباء و"الأكاذيب"، داعين الاتحاد المحلي للعبة الى أن "يتمتع بالشجاعة الكافية لوقف البطولة".

وأعلنت مجموعات من مشجعي جميع الأندية الكبرى أنها لن تحضر المباريات، وحتى أن العديد من اللاعبين، لاسيما الأجانب، رأوا أن هناك ضرورة لتعليق الدوري، على غرار مهاجم دينامو بريست الأوكراني أرتيم ميليفسكي الذي أقر على إنستاغرام الأسبوع الماضي بعد مباراة لفريقه في فيتيبسك، البلدة التي تعاني من ثاني أكبر عدد من الإصابات في البلاد، بأن "الوضع مخيف بعض الشيء".

وبدوره، تساءل زميله البرازيلي دانيلو لوسائل الإعلام البرازيلية أنه "إذا توقفت البطولات الكبرى، فلماذا لم نفعل؟ علينا أن نفعل الشيء نفسه".

لكن مع اكتساب الدوري اهتماما أكثر من أي وقت مضى، يرى لاعبون آخرون أن هذه هي لحظتهم، على غرار الفرنسي-الأرميني هايك موساخانيان الذي رأى بأن مواصلة الدوري تشكل "إضافة"، مرحبا بالدعاية، لاسيما "إذا لعبنا بشكل جيد".

وأضاف لاعب وسط إنرجيتيك-بي جي يو بأن اللاعبين الشباب "يريدون التباهي"، معتبرا أنه بالنسبة للنجوم الصاعدين، أتاحت جائحة "كوفيد-19" فرصة للتميز، مشددا لوكالة فرانس برس "أنها فرصة".