بيروت: يُعرف عن الجزائريين شغفهم اللامحدود بكرة القدم ويعدّونها واحدة من أشكال النضال، فكان تأهلهم إلى نهائيات كأس العالم حلماً تحقق أربع مرات حتى الآن وتضمن فوزاً تاريخياً على ألمانيا الغربية عام 1982.
في 30 تشرين الأول/أكتوبر 1981 تحقق المُراد. على ملعب مدينة قسنطينة، كرّر "محاربو الصحراء" فوزه على نيجيريا 2-1 (الذهاب 2-صفر في لاغوس) في الدور الأخير للتصفيات الافريقية بفضل الثنائي "التاريخي" لخضر بلومي ورابح ماجر، لتعيش البلاد كلها فرحة غير مسبوقة.
يرى ماجر أن التأهل الى كأس العالم 1982 "يبقى في تاريخ الكرة الجزائرية"، ويضيف في حديث لوكالة فرانس برس "قبل المونديال خضنا تحضيرات ومباريات ودية ضد فرق كبيرة، وتألق الزملاء عزّز آمالنا في التأهل".
كانت النظرة الى الجزائر في المونديال الاسباني بأنه فريق ضعيف وبمثابة "حصّالة" للمنتخبات القوية في المجموعة الثانية الى جانب ألمانيا الغربية المرشحة لنيل اللقب والنمسا وتشيلي، إلا أن المفاجأة كانت مدوية في اللقاء الأول: الجزائر تغلب ألمانيا 2-1.
ملحمة خيخون ومؤامرتها
دخل "دي مانشافت" البطولة مرشحاً فوق العادة، فقال المدرب يوب درفال "لو خسرت سوف أعود في أول قطار إلى ميونيخ"، فضلاً عن اللاعبين إذ قال كارل هاينتس رومينيغه "سنسجل العديد من الاهداف، سنهدي السابع لزوجاتنا والثامن لكلابنا"، أما المدافع مانفريد كالتس فقال "سألعب معهم بملابس السهرة".
لكن على ملعب "إل مولينون" خاض الجزائريون بقيادة المدربين محيي الدين خالف و"الاسطورة" رشيد المخلوفي ملحمة كروية، وتمكنوا من الفوز بهدفي ماجر وبلومي، مقابل هدف رومينيغه.
قلّة الخبرة
يعلّق ماجر "كل الألمان بالغوا في الثقة ولم يحترمونا، لكن الحقيقة كانت في الميدان، أظهرنا روحاً قتالية عالية، وما جرى كان عكس ما قالوه الألمان الذين لن ينسوا هذه المباراة".
وخسر محاربو الصحراء اللقاء الثاني أمام النمسوي بهدفين، وبرر بلومي الهزيمة حينها بـ"قلة الخبرة"، بينما فازت ألمانيا على تشيلي 4-1.
وفي الجولة الثالثة لم تجر المباراتان في التوقيت ذاته، لعبت الجزائر مع تشيلي أولاً وفازت 3-2 بعدما تقدمت بثلاثية نظيفة، وبالتالي فإن ألمانيا كانت تحتاج في مباراتها التالية ضد النمسا الى الفوز بهدف نظيف ليتأهلا معاً وهذا ما جرى فعلاً، افتتح هورست هروبيش التسجيل في الدقيقة العاشرة، ثم تبادل المنتخبان تمرير الكرة في وسط الملعب طيلة الوقت المتبقي ليقصى المنتخب العربي.
الواقعة اثارت حفيظة الجماهير، فألقوا العملات الى أرض الملعب كتعبير عن الغش. وقال المعلق على التلفزيون النمسوي "هذه فضيحة كروية، هذا عار"، ووصفت بعض الصحف الألمانية منتخب بلادها بالمافيا والعصابة. وعدّل الاتحاد الدولي (فيفا) قوانينه حيث تجرى مباراتي الجولة الأخيرة في التوقيت ذاته.
ويقول ماجر "هذا الجيل دخل التاريخ، كل لاعب منا ترك بصمة ايجابية، والشعب الجزائري كان فخوراً بنا، فريقنا كان الأفضل في المونديال".
"أم درمان" تكسر الصيام
في مونديال المكسيك 1986، لم يظهر المنتخب الجزائري القوة التي كان عليها قبل أربع سنوات، بالرغم من حفاظه على غالبية التشكيلة وبقيادة المدرب رابح سعدان. في المباراة الاولى انتزع جمال زيدان التعادل ضد ايرلندا الشمالية 1-1، ثم عانت البرازيل الأمرين قبل ان تفوز بهدف كاريكا. وفي المباراة الأخيرة كانت الخسارة بثلاثية نظيفة أمام اسبانيا.
عاد "الخضر" الى النهائيات بعد 24 عاماً من الغياب بقيادة سعدان أيضاً، إذ تأهل للمشاركة في مونديال جنوب أفريقيا 2010، حيث خرج من الدور الأول بعد تعادل سلبي مع انكلترا وخسارتين امام سلوفينيا صفر-1، والخسارة الثانية كانت أمام منتخب الولايات المتحدة بهدف لاندون دونافان.
القصة الاهم في تلك الفترة كانت التأهل بعد مواجهة فاصلة مشحونة أجريت في ملعب "أم درمان" بالعاصمة السودانية، حسمتها تسديدة عنتر يحيى الصاروخية.
وتفوق المنتخب الجزائري ذهابا في الجزائر العاصمة 3-1، قبل ان يرد المصري اياباً 2-0 في مباراة أجريت في القاهرة سبقها تعرض المشجعين لحافلة المنتخب الجزائري ورشقها بالحجارة، ما أجج الخلافات بين الشعبين وصولاً الى خلاف دبلوماسي، مع شحن إعلامي من الطرفين.
وقال يحيى مستذكراً اللقاء "سيبقى الإنجاز الذي حققناه في السودان راسخا في الأذهان، لأننا أعدنا الكرة الجزائرية الى الواجهة"، ورأى زميله كريم زياني "ما حدث لنا من اعتداءات في مصر أثر فينا، تلك الممارسات جعلتنا نرفع التحدي ونرد على المصريين في المباراة الفاصلة".
التوهج في أرض السامبا
وبقيادة المدرب البوسني وحيد خليلودجيتش، حمل منتخب "ثعالب الصحراء" الآمال العربية في مونديال البرازيل 2014، كونه الممثل الوحيد لهم. دخل الفريق المنافسات بطموحات كبيرة ولا سيما أن القرعة جنبته مواجهات من العيار الثقيل.
واستهل المشاركة بمواجهة نظيره البلجيكي، حيث تقدم سفيان فغولي من ركلة جزاء، قبل ان يقلب "الشياطين الحمر" النتيجة في الدقائق العشرين الاخيرة، عبر مروان فلايني ودريس ميرتنس.
وبالرغم من الهزيمة، إلا أن طموحات الجزائريين استمرت مرتفعة بعدما قدموا أداء قوياً، وتكرس هذا الامر مع تحقيق انتصار عريض على كوريا الجنوبية 4-2. ومهّد فغولي طريق الفوز بعدما افتتح التسجيل في الدقيقة الثانية، واضاف رفيق حليش (28) وعبد المومن جابو (38) وياسين براهيمي (62) الأهداف الثلاثة الاخرى.
ودخل منتخب "الخضر" اللقاء الثالث بأفضلية نقطتين أمام روسيا، وبالتالي كان يكفيه التعادل ليصبح ثالث منتخب عربي يبلغ الدور الثاني بعد المغرب (1986) والسعودية (1994)، وتحقق هذا الامر بعد مباراة بطولية في كوريتيبا. وتقدم الروس أولاً عبر ألكسندر كوكورين في الدقيقة السادسة، إلا أن اسلام سليماني أدرك التعادل برأسه (60) لتضرب الجزائر موعداً مع المانيا في بورتو اليغري، بمثابة لإعادة لمباراتهما في مونديال 1982.
وقدم المنتخب الجزائري "ملحمة" أخرى ضد ألمانيا، إلا أن النتيجة كانت في صالح الـ"مانشافت" بعدما امتدت الى وقت إضافي إثر التعادل سلباً في الوقت الاصلي. وانتظرت المانيا حتى مطلع الشوط الاضافي الاول لتسجل هدف الانقاذ عبر لاعب الوسط البديل اندري شورله ثم الحسم لمسعود اوزيل، قبل ان تقلص الجزائر الفارق عبر عبد المؤمن جابو في الدقيقة 120+1 بعد مباراة مثيرة حصلت فيها الجزائر على افضلية في الشوط الاول والمانيا في الثاني من دون الوصول الى الشباك في الوقت الاصلي.
وكان الفوز الأول لألمانيا في ثلاث مباريات على الجزائر، وتابع "دي مانشافت" طريقه نحو منصة التتويج للمرة الرابعة في تاريخه، بينما كانت هذه المباراة الأخيرة للجزائر في المونديال بغيابها عن نسخة روسيا 2018 والنسخة المقبلة في قطر.
التعليقات