بيروت : كل أربع سنوات، ينتظر جان باسيل بفارغ الصبر كأس العام لكرة القدم، لكن فشل الحكومة اللبنانية العام الحالي بتأمين بث المباريات عبر التلفزيون الرسمي حرمه من متابعة مباريات رياضته المفضلة.

في متجره الصغير لبيع الأجهزة الخلوية شمال بيروت، يقول باسيل (58 عاماً) بغضب "ليس هناك كرة قدم العام الحالي"، مضيفاً "حرموني من الأمر الوحيد الذي استمتع فيه وسط كل الأخبار السيئة من حولنا".

ومنذ العام 2019، يشهد لبنان انهياراً اقتصادياً مزمناً صنّفه البنك الدولي بين الأسوأ في العالم منذ 1850، وفقدت الليرة اللبنانية أكثر من 95 في المئة من قيمتها أمام الدولار، وبات أكثر من ثمانين في المئة من السكان تحت خط الفقر.

وفاقم الشلل السياسي الوضع سوءاً، ويشهد لبنان منذ شهر فراغاً في سدة رئاسة الجمهورية، وتدير البلاد حكومة تصريف أعمال لا يمكنها أن تجتمع سوى في الحالات الطارئة، كما ليس بإمكانها أن تقرّ أي قرارات إصلاحية يضعها المجتمع الدولي شرطاً لدعم لبنان.

وأعاد وزير الاعلام زياد مكاري الأسبوع الماضي عدم بث كرة القدم على تلفزيون لبنان الرسمي إلى عدم انعقاد جلسات الحكومة للبت وتوقيع عقد بكلفة خمسة ملايين دولار مع شركة "بي إن" القطرية، التي تمتلك الحق الحصري لبث كأس العالم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وليس بمقدور كثر الاشتراك مباشرة مع مزود "بي إن" أو حتى مع مزودي الاشتراك بالقنوات الفضائية، فبات كثر يلجأون إلى المقاهي والمطاعم لمتابعة بعض المباريات، فيما يشاهدها آخرون على مواقع قرصنة إلكترونية عبر هواتفهم الجوالة أو حواسيبهم.

ويقول باسيل، الذي بات يكتفي بانتظار خلاصة يوم طويل من المباريات عبر نشرات الأخبار، "لا يمكنني متابعتها على هاتفي، لا أرى سوى بعين واحدة".

ويضيف "طلبنا من الله كثيراً أن يخلصنا منهم (الطبقة السياسية)، لكنه لا يستمع إلينا".

"لا مباريات ولا حكومة"

في منطقة الدكوانة شرق بيروت، وجد سامر إدريس (18 عاماً) في مقهى تزين بأعلام البرازيل وجهته المفضلة لمتابعة المباريات، لعدم قدرته على مشاهدتها من المنزل جراء بطء الانترنت من جهة والانقطاع المتواصل للتيار الكهربائي من جهة ثانية.

ويقول، ملوحاً بعلم البرازيل، "لا نستطيع المشاهدة من المنزل كون تلفزيون لبنان لا يبث المباريات، وعدونا (السلطات) بنقلها، لكنهم للأسف لم ينفذوا"، في وقت يحتاج اللبنانيون، وفق قوله، "إلى الترفيه" بعد ثلاث سنوات من انهيار اقتصادي.

يدفع سامر 250 ألف ليرة لبنانية (ست دولارات) لمتابعة المباريات في مقهى يجد أنه أفضل من غيره كون مؤسسات أخرى تطلب ضعف المبلغ، ما ليس بمقدوره تأمينه.

ويشير إلى أن اقاربه تقاسموا في ما بينهم كلفة الاشتراك لدى أحد مزودي القنوات الفضائية، لمتابعة المباريات من المنزل.

حول طاولة أخرى، تجلس غرازييلا ضيا (26 عاماً) برفقة أصدقائها مرتدية قميص البرازيل أصفر اللون.

وتقول ببساطة "تلفزيون لبنان لا ينقل المباريات، ولا حكومة ولا أموال".

على غرار سامر وغرازيلا، يتابع زين نصرالدين المباريات من مقهى في الحي الذي يقطنه جنوب بيروت.

ويقول "ليس بإمكاني أن أدفع 125 دولاراً للاشتراك مع مزودي القنوات الفضائية، لذلك أتابع المباريات من المقهى مقابل 150 ألف ليرة (3,75 دولار)"، مضيفاً "هذا ما أستطيع تحمله".

وتعج الأرصفة المحيطة بالمقاهي أيضاً بمشجعي الأندية الدولية في شوارع مظلمة تماماً جراء الانقطاع المتواصل للتيار الكهربائي.

فضّل شربل غصوب وشقيقته متابعة المباريات بكل هدوء من المنزل، فتقاسما في ما بينهما كلفة الاشتراك بقيمة تسعين دولاراً لدى أحد مزودي القنوات الفضائية.

ويقول "انتظرنا حتى اللحظة الأخيرة بأمل أن يبث تلفزيون لبنان المباريات، وعندما فقدنا الأمل قررنا الاشتراك" لدى المزود.