...وأنا أفكربالطرق المختلفة لترجمة الشعر، ظهر لي أنّ ترجمةً تحترم قواعد النحو لهي (حتميّا) ترجمة محرفة عن الأصل (مسألة الأصالة سأتطرق إليها فيما بعد) ذلك أن قصيدة - قصيدة حقيقية - هي قصيدة (التكرار هنا متعمد) تتأمل الشعر حالها حال كل القصائد التي تقوم بهذا وهي تتظاهر بأنها تقول شيئا مهما حول الحياة، الحب، الطبيعة، الجنس البشري، الموت، الدين، الواقع أو أي شيء آخر تدعيه... فإن قصيدة حقيقية ndash; بغض النظر عن كونها قديمة، كلاسيكية، رمزية، حديثة، معاصرة، ومهما كانت وجاءت من أجله، هي قصيدة حقيقية لا يمكنها، ولا عليها، ولن تحترم قواعد النحو.
القواعد شرطي الشعر
القواعد مخابرات الشعر
القواعد غستابو الشعر
القواعد أسوأ من معسكر اعتقال
القواعد تحتّم والتحتيم يتواجد كتحكّم
القواعد طاغية الشعر
القواعد تبيد الشعر الحقيقي
القواعد تجبر المترجم على الخضوع إلى قواعد نحو اللغة المستهدفة.
القواعد تدمّر الشعر الحقيقي.
والشعر أصبح عبدا في اليوم الذي تم فيه وضع قواعد النحو واختراعها.
فقط أولئك الشعراء الذين تمردوا على هذه العبودية كتبوا قصائد حقيقية.
وها هو المترجم، حتى ينقل لا قواعد قصيدةٍ حقيقية، عليه أن لا يكون، بل لا يقدر أن يكون، أمينا إلى الأصل، لأن الأمانة بالضرورة سيسرب نحوا إلى داخل النسخة الجديدة مهما كانت اللغة التي يُترجم إليها.
وههنا، بالضبط، يكمن اللُبسُ؛ التباسٌ لا مفر منه ومفارقةُ ترجمةِ قصيدةٍ حقيقية، لأن قصيدة مترجمة ترفض قواعد النحو لا يمكنها أن تكون سوى تحريف عن القصيدة الأصلية... عليها أن تكون ترجمة محرفة مثلما أية ترجمة تحترم قواعد النحو هي ترجمة محرفة.
فقط الأصل يمكنه أن يكون قصيدة حقيقية لكن منذ أن القصائد تستعير دوما أو تسرق من قصائد أخرى إذن الفعل الشعري هو دوما فعل انتحال وبحكم كونها هذا فإن قصيدة حقيقية هي في الحقيقية قصيدة محرّفة.
هذا هو السبب لماذا فعل ترجمة الشعر لهو فعل غير مجد مثلما فعل كتابة الشعر فعل غير مجد منذ أن ليس بمقدور أحد ان يكتب قصيدة حقيقية ndash; فقط القصيدة الأولى كانت حقيقية وسرعان ما ضاعت، ومحيت، ونُسيت بتعاقب قصائد أخرى.
إذن أن تكتب قصيدة هذا يعني أن تتقهقر (سرقت هذا التعبير من صديقي الكاتب الروماني سيوران).
(عندما اخبرني سيوران بهذا أجبته) إذن ما جدوى أن يقتل المرء نفسه بكتابة الشعر منذ أنه دوما يقتل نفسه أجلا ndash; بعبارة أصح لِمَ يكتب المرء ما يريد قوله قبل كل شيء او ما حاوله الآخرون قوله عبثا...
(ترجمة خاصة بإيلاف)
التعليقات