قلَّة الإمكانيات الماديَّة وتنامي القرصنة الإلكترونيَّة، وغياب المؤسسات الإعلاميَّة ثلاثة أسباب إتفق عليها صنَّاع الموسيقى لتبرير إنطفاء وهج الأصوات النسائيَّة المصريَّة.


القاهرة: أنجبت أرض مصر رموزًا لا عد لها ولا حصر في شتى مجالات الحياة، وأثرى أبناؤها الحياة الفنيَّة بصفة خاصَّة، وستظل أعمالهم خالدة تشهد بعبقريتهم ونبوغهم على مر الأجيال، ومن هؤلاء على سبيل المثال سيد درويش، محمد عبد الوهاب، عبد الحليم حافظ، محرم فؤاد، ومن بعدهم هاني شاكر، علي الحجار، محمد الحلو، محمد منير، عمرو دياب، ثم تامر حسني ومحمد حماقي.

وقدَّمت مصر كذلك العديد من الأصوات النسائيَّة، وكان صوت كوكب الشرق أم كلثوم خير شاهد على موهبة وقوَّة أصوات بناتها، لكن يبدو أنَّ الأصوات الأنثويَّة قد قاربتعلى النضوب، حيث اختفت تلك الأصوات وانطفأ وهجها خلال السنوات الماضية،لدرجةأنَّالبعض حذَّر من إنقراض الفناناتالمصريات.

ترى ما هي الأسباب الَّتي أدَّت إلى عدم قدرة الأصوات النسائيَّة المصريَّة على الصمود واللمعان في سماء الغناء، كما هو الحال في عالم الرجال، حيث حصل عمرو دياب مؤخرًا على جائزة أفضل صوت رجال في العالم العربي.

quot;إيلافquot; رصدت الظاهرة، وتحدثت إلى أطراف معنيين في صناعة الغناء في مصر، وهم الملحنون، المنتجون، والفنانات أنفسهن، واتفقوا جميعًا على أنَّ هناك ثلاثة أسباب وراء غياب أو قلَّة لمعان الفناناتالمصريات، وهي قلَّة الإمكانيات الماديَّة، وتنامي ظاهرة القرصنة الإلكترونيَّة، وغياب المؤسسات الإعلاميَّة الَّتي تروج لهن.

ويقول الموسيقار الكبير محمد سلطان، إنَّ هناك حالة تردٍ عامَّة في عالم الغناء في مصر، وأرجع ذلك إلى ماوصفه بـquot;الاستسهال والكسلquot;، وأضاف: quot;الغالبية العظمى من الملحنين والمؤلفين والمنتجين وقعوا في فخ الإستسهال كل في مجاله، فصار المؤلف لا يكلف نفسه عناء إبداع كلمات جديدة، بل يعيد إنتاج أو تدوير الأفكار المتاحة في السوق، ولذلك يشعر المتابع للسَّاحة الغنائيَّة أنَّ هناك تشابه في الكلمات في الغالبية العظمى من الأغاني، كما أنَّ الملحن يستسهل أيضًا، ولا يبدع جملاً موسيقيَّة جديدة، فهل يعقل أنّْ تكون جميع الألحان حاليًا من مقام الكرد؟!، وبناء على ذلك كثرت المحاضر في أقسام الشرطة والدعاوى القضائيَّة بين الملحنين، الذين يتهمون بعضهم البعض بسرقة الألحان، والأمر نفسه ينطبق على المنتج الذي لا يكلف نفسه عناء البحث عن أصوات نسائيَّة جديدة وتقديمها للسَّاحة الغنائيَّة، وأصبحت الشَّركات تحاول السطو على الفنانين اللامعين، عملاً بالمثل القائل quot;شراء الحصان ولا تربيتهquot;، إنَّهم يبحثون عن المكسب السريع، وليذهب الفن للجحيمquot;.

واتهم سلطان الإذاعة والتليفزيون بالتخلي عن دورهما القومي في رعاية المواهب الجديدة ودعمها، وتوفير سبل النجومية لها، وقال: quot;إنَّ كلتا المؤسستين الإعلاميتين إنساقتا وراء الموضة في عالم الغناء، ولم يعد لهما دور في صناعته والحفاظ على الريادة فيه، بل أصبحتا تتلقيان الأغاني المصوَّرةأو الأغنيات لعرضها فقط، وترك هذا الدور لشركات القطاع الخاص الَّتي لا هم لها سوى ربح الملايين من دون تعب أو مجهودquot;.

وفجَّر سلطان مفاجأة بقوله إنَّ غالبية الأصوات النسائيَّة المصرية الموجودة على السَّاحة حاليًا غير جيِّدة ومتشابهة، وليس من بينها صوتًا مميَّزًا، وتابع قائلاً: quot;في الماضي كان المستمع ومازال قادرًا على تمييز أصوات أم كلثوم، نجاة، شادية، هدى سلطان، سعاد حسني، فايزة أحمد، أما الآن فجميع الأصوات متشابهة، باستثناء صوتين أو ثلاثة، وبالتالي فأهم عنصر في النجاح وهو حلاوة الصوت والموهبة وهو غير متوافر، ولذلك تلجأ البعض منهن للرقص للتغطية على ثلاثة كوارث هي ضعف الصوت، وضعف اللحن، وضعف الكلماتquot;.

فيما جاء رأي الموسيقار صلاح الشرنوبي مغايرًا لسلطان، حيث قال إنَّ quot;مصر تزخر بالأصوات النسائيَّة الرائعة، لكنها لا تجد من يتعهدها بالرعاية والدعم، خصوصًا أنَّ صناعة النجم في عالم الغناء مكلفة جدًّا وتحتاج إلى أكثر من مؤسسة للوقوف خلفهquot;، وضرب أمثلة بكل من شيرين عبد الوهاب، أنغام، ريهام عبد الحكيم، مروة ناجي، رحمة، مروة نصر، مشيرًا إلى أنَّ quot;هذه الأصوات باستثناء شيرين عبد الوهاب ليس لديها قوَّة ماديَّة وإعلاميَّة حقيقيَّة تقف وراءها وتدفع بها إلى طريق النجومية المتوهجة وتظل معها حتى تستمر على هذه القمة ولا تسقطquot;، وتابع: quot;شيرين كانت محظوظة بنصر محروس عندما قدَّمها للسَّاحة الغنائيَّة ووقف وراءها بكل قوة، وفي المقابل لم يتوافر هذا الحظ لفنانةرائعة مثل عفاف راضي أو نادية مصطفى، أو غادة رجب، وكانت النتيجة سقوط نجمهن وخفوت الأضواء من حولهن، واختفائهن رويدًا رويدًاquot;.

ويلفت الشرنوبي إلى جانب آخر له تأثير في خفوت وهج ولمعان الفناناتالمصريات ألا وهو عدم تمتعهن بالجمال الصارخ، على حد قوله، مشيرًا إلى أنَّ quot;جمال الصوت يحتاج إلى جمال في الصورة، خصوصًا وأنَّ معايير تقييم الفنانةاختلفت عن الماضي، إذ كان الأمر يقتصر على شرائط الكاسيت، وكانت الفنانةتظهر في الحفلات فقط، أما الآن فالفنانةتظهر في الأغاني مصوَّرة وفي الحفلات وفي المسلسلات، وبالتالي عامل الجمال مهم في صناعة نجوميتهاquot;، وأكَّد الشرنوبي أنَّ quot;العوامل الإقتصاديَّة والقرصنة الإلكترونيَّة من أخطر أسباب غياب الأصوات النسائيَّة المصريَّة اللامعةquot;، وقال إنَّ: quot;تكلفة إنتاج الأغنية قد تصل إلى مليون جنيه، وتشمل الأجور وتكلفة الحفلات والدعاية، وهو ما لايقدر عليه أي منتج مصري، خصوصًا أنَّه لن يستطيع استرداد هذا المبلغ، بسبب القرصنة الإلكترونيَّة، فبمجرد طرح الألبوم أو الأغنية في السوق يتم نشرها على الإنترنت وتحميلها مئات الآلاف من المراتquot;، مشيرًا إلى أنَّه: quot;في المقابل هناك مؤسسات ورجال أعمال يقفون من خلف الفنانات اللبنانيات مثل هيفاء وهبي، وإليسا، ونانسي عجرم، وميريام فارسquot;، داعيًا الإذاعة والتليفزيون إلى القيام بالدور الذي كانت الإذاعة تؤديه في السابق من حيث اكتشاف المواهب ورعايتها.

شركات الإنتاج نفسها لم تسبح خارج التيار، واتفقت مع آراء الموسيقيين في أنَّ المال والإعلام والجمال هي الأسلحة الثلاثة الَّتي ساهمت في لمعان اللبنانيَّات وإنطفاء وهج المصريَّات، وتعتبر شركة quot;مزيكاquot; الممولكة لرجل الأعمال محسن جابر أكبر شركات الإنتاج الموسيقي في مصر، ويقول مستشارها الإعلامي علي عبد الفتاح إنَّ السَّاحة الغنائيَّة تضم العديد من الأصوات النسائيَّة الَّتي تمتلك مواهب مميَّزة، ومنها ريهام عبد الحكيم، آمال ماهر، مي فاروق، مروة ناجي، مشيرًا إلى أنَّ تلك الأصوات تنقصها ثلاثة أمور مهمَّة هي الذكاء الفني والذكاء الإجتماعي، والمال، إضافة إلى الإهتمام بالمظهر، وأضاف عبد الفتاح أنَّ أكثر هذه العوامل تأثيرًا في تحقيق النجومية هو المال، خصوصًا في ظل توافر الموهبة وحلاوة الصوت، منوهًا بأنَّ شركة وحدها لا تستطيع صناعة نجمة فهذا الأمر مكلف جدًّا، ولذلك في لبنان أو الخليج يتكتل مجموعة من رجال الأعمال حول فنانةمعينة يؤمنون بموهبتها، ويقيمون لها الحفلات الغنائيَّة، ويتنجون لها الألبومات، وتتحقق لها النجومية في وقت قياسي، ولفت إلى أنَّ ظاهرة القرصنة الإلكترونيَّة ساهمت بشكل كبير في تضاؤل الإنتاج الموسيقي في مصر، حيث يتعرض المنتجون لخسائر ضخمة، وهو ما إنعكس سلبًا على الأصوات النسائيَّة الَّتي ترتفع تكلفة الإنتاج لها مقارنة بأصوات الرجال.

ولم تذهب الفنانات بعيدًا، وقالت الفنانةمروة نصر: quot;لا شك أنَّ صناعة النجومية تحتاج إلى أموال ضخمة، فلكي تصبح الفنانةنجمة لامعة، تحتاج إلى تقديم ألبومًا واحدًا سنويًّا على الأقل، وتصوير أكثر من كليب من الألبوم، وتمويل الحفلات، وهذا غير متوافر في مصر الَّتي يعاني المنتجون فيها من أزمات إقتصاديَّة بسبب تضاؤل القوة الشرائيَّة للمواطن المصري الذي يعاني بدوره من الغلاء في أسعار السلع الضروريَّة، هذا إضافة إلى تنامي ظاهرة القرصنة الإلكترونيَّة حيث يتم السطو على الألبوم بمجرد طرحه في الأسواق وتحميله على شبكة الإنترنت ملايين المرَّات دون أنّْ يكون للمنتج أي عائد منها، ما يكبده خسائر فادحة، ويصل الأمر في النهاية إلى انخفاض الإنتاج والتركيز على النجوم اللامعين، الذين يحاول المنتج تعويض خسائره من خلال الحصول على نسبة من عائدات حفلاتهمquot;.

وتتفق الفنانةشذى مع سابقيها في أنَّ المال هو السبب في ضعف نجوميَّة المصريات مقارنة باللبنانيَّات، مشيرةً إلى أنَّ النجومية تحتاج إلى حشد أعداد كبيرة من المتخصصين في الدعاية وتنظيم الحفلات والموضة والمكياج والأغاني المصوَّرة، وهذا لا يتوافر في مصر نتيجة ضعف إمكانيات الشركات، وليس هناك من دليل على ذلك من لجوء بعض الفنانين لإنتاج ألبومات أو أغنيات سينغل لأنفسهم.