القاهرة: باتت ظاهرة ما يسمى بquot;تليفزيون الإنترنتquot; تهدد التليفزيون التقليدي، لاسيما بعد إنتشار العديد من البرامج التي ينتجها المواطنون بأنفسهم، ويضعونها على شبكة الإنترنت، وحازت على نسب مشاهدة عالية جداً تقدر بملايين المرات. ومن أشهر تلك البرامج quot;باسم شوquot;، quot;منى توفquot;، quot;قطامش شوquot;، quot;قذافي شبراquot;.
قبل الخامس والعشرين من شهر يناير كانون الثاني الماضي، كان الحكومات العربية والغالبية العظمى من النخبة المثقفة والإعلامية تنظر إلى مواقع التواصل الإجتماعي على شبكة الإنترنت بإعتبارها مضيعة للوقت يمارسها الشباب العربي، الذي لا يعرف أن الوقت من ذهب، ولكن فجأة خرج المارد من تلك المواقع، وإندلعت الثورة المصرية، وقامت مواقع الفايس بوك ويوتيوب بدور القائد أو المنسق لها، عندها فقط أدرك هؤلاء أن الإنترنت هو ما سحر الشعوب للإنقلاب على حكامها الذين ظلوا جاثمين على صدورها لعشرات السنوات.
لعنة الإنترنت
ويبدو أن لعنة الإنترنت لن تكتف بإسقاط الأنظمة السياسية، بل تسعى حالياً، لإسقاط الأنظمة الإعلامية التقليدية التي كانت أخطر الأسلحة القمعية التي تتحكم بها تلك الأنظمة في مصائر الشعوب، حيث ظهرت على الإنترنت، وتحديداً موقع يوتيوب العديد من البرامج الساخرة، أو المعروفة في الإعلام التقليدي بquot;ستاند آب كوميديquot;، وهي حلقات تلفزيونية يصنعها الجمهور بنفسه، ويرفعها على الموقع، وتصبح جاهزة للمشاهدة من قبل جمهور الإنترنت، وقد حازت تلك البرامج على شعبية عالية جداً، وقدر عدد مشاهديها بالملايين، وهو الأمر الذي صار يمثل خطراً على البرامج التليفزيونية التقليدية، وقد تسحب البساط من تحت أقدامها خلال سنوات، أو شهور قليلة.
باسم شو
يعتبر برنامج quot;باسم شوquot; من أشهر برامج ما بات يعرف بquot;تليفزيون الإنترنتquot;، وهي حلقات يقدمها، الطبيب الشاب باسم يوسف، و يسجلها في حجرة مكتبه بالمنزل، ويبثها عبر شبكة الإنترنت من خلال موقعي الفايس بوك واليوتيوب، ولاقت نجاحاً كبيراً، ووصل عدد مشاهدي برنامجه إلى نحو مليون مشاهد خلال فترة لا تزيد على الشهر. استوحى يوسف فكرته من نماذج أمريكية، وبدأ في تنفيذها في أعقاب نجاح الثورة، وحدوث تناقض فاضح في مواقف المؤيدين للنظام السابق. وإعتمد يوسف في برنامجه على نقد الفنانين والإعلاميين والمشاهير الذين أطلق عليهم لقب quot;المتحولونquot;، وهم من كانوا يعادون الثورة المصرية في بداية إندلاعها، ثم تحولوا إلى تأييدها والتغني بها بعد نجاحها في الإطاحة بنظام حكم الرئيس السابق حسني مبارك، و يمزج يوسف بين التعليق بطريقة ساخرة جداً على تصريحات هذه الشخصيات أثناء الثورة، والتي كالوا فيها إتهامات الخيانة والعمالة للمتظاهرين، ويبين عدم منطقيتها، أو عدم معقوليتها، ثم يعرض مقتطفات من تصريحاتهم بعد الثورة، التي يؤكدون فيها أنهم كانوا من أوائل الداعمين لها، بل إنهم كانوا وراء تفجيرها، وأنهم كانوا دائماً في صفوف المعارضين، وأنهم تعرضوا للتنكيل من قبل النظام السابق بسبب مواقفهم المناهضة له. وكان من أشهر الشخصيات التي تعرض لها يوسف بالنقد، عفاف شعيب، التي شنت هجوما على الثورة، لأنها لم تعد قادرة على طلب كباب وريش وبيتزا quot;دليفريquot; من المطاعم، لأنها أغلقت أبوابها بسبب الثورة. طلعت زكريا، الذي قال إن ميدان التحرير تحدث فيه ممارسة جنسية كاملة بين الشباب والفتيات في الخيام المقامة على أرضه. محمد فؤاد الذي قال إنه سوف يتنحر في حالة نجاح الثورة، وإسقاط حكم الرئيس مبارك، سماح أنور التي طالبت بإحراق المتظاهرين المعتصمين بميدان التحرير.
حقق الدكتور باسم يوسف نجاحاً كبيراً خلال فترة وجيزة، وصار حديث الشباب على مواقع التواصل الإجتماعي، وبلغت شهرته إلى حد أنه حل ضيفاً على أشهر برامج التوك شو مثل quot;العاشرة مساءquot; الذي تقدمه الإعلامية منى الشاذلي، وquot;على الهواءquot;الذي يقدمه الإعلامي جمال عنايت.
وفي محاولة من quot;إيلافquot; للوقوف على ملامح تجربة الطبيب باسم يوسف، اتصلت به، ولكن جاء رده غير متوقعاً، حيث رفض الحديث مطلقاً، مبرراً ذلك، بأنه إتخذ قراراً بعدم الحديث لوسائل الإعلام إلا بعد مرور شهر من الآن على الأقل، لأنه quot;رطرطquot; في الإعلام مؤخراًعلى حد قوله.
منى توف
يحتل برنامج quot;منى توفquot; الذي تقدمه الفنانة الشابة منى هلا المركز الثاني من حيث الشعبية ومرات المشاهدة، وتنتهج منى المنهج نفسه الذي يعتمد عليه باسم يوسف في برنامجه quot;باسم شوquot;، وهو من نوعية برامج quot;ستاند آب كوميديquot;، وتلعب على التناقضات في أقوال وأفعال الإعلاميين والفنانين والسياسيين و رموز نظام حكم الرئيس السابق حسني مبارك، وتعلق عليها بطريقة ساخرة جداً، ومن هؤلاء جمال مبارك، صفوت الشريف، أحمد عز، زكريا عزمي، حبيب العادلي، عمرو أديب، عمرو مصطفى، عمرو دياب. وتعرضت منى للعديد من الإنتقادات من جانب جمهور الفنانين العمروين دياب ومصطفى.
وتقول منى هلا إن برنامجها حقق نجاحاً كبيراً، ويشاهده الملايين من مستخدمي شبكة الإنترنت، مشيرة إلى أن الفكرة عرضها عليها المنتج أحمد فهمي، والهدف منها كشف التناقض الواضح في مواقف الكثير من المشاهير سواء في عالم السياسة أو الفن أو الإعلام. وإعتبرت هلا أن الهجوم الذي تتعرض له من قبل بعض الفنانين أو جمهورهم، دليلاً على نجاح البرنامج، ودافعاً لها على مواصلة تقدمه. ونوهت هلا بأن المستقبل لصالح تلك النوعية من البرامج التي تبث عبر شبكة الأنترنت، معتبرة أنها سوف تهدد برامج التليفزيون التقليدية، في القريب العاجل، وقد تسحب منها الإعلانات بعد أن سحبت منها الجمهور.
قطامش شو
عمرو قطامش الشاعر الحلمنتيشي الفائز بجائزة برنامج arabs got talentquot;، يقدم برنامجاً من النوعية نفسها، يسمي quot;قطامش شوquot;، ويعتمد في إظهار التناقضات في مواقف السياسيين أو المشاهير على الشعر الحلمنتيشي، الممزوج ببعض الإستعراضات. كما ينتقد إستغلال البعض الثورة لتحقيق مكاسب مادية. ويقول قطامش إن فكرة البرنامج تعود إلى رئيس تحرير مجلة quot;كلمتناquot;، التي عرضت عليه تقديم البرنامج عبر شبكة الإنترنت، مشيراً إلى أنه حقق نجاحاً لافتاً ووصل عدد مشاهديه إلى نحو نصف مليون مشاهد. وتوقع قطامش أن تستحوذ تلك البرامج على الساحة خلال الفترة القليلة المقبلة، لأن تكلفتها قليلة، فضلاً على أنها متاحة أمام الجمهور في أي وقت، ولا يضطر إلى التسمر أمام الشاشة، إنتظاراً لموعد البث كما هو الحال في برامج التلفزيون.
تبث على شبكة الإنترنت العديد من البرامج الأخرى، لكنها أقل شهرة وجمهوراً ومنها quot;قذافي شبراquot; ويقدمه شاب من منطقة شبرا بالقاهرة، ويتقمص شخصية الرئيس الليبي معمر القذافي، ويقوم بنقد الأوضاع في مصر والعالم العربي على طريقة القذافي.
لا خطورة
كان للإعلامي جمال عنايت مقدم برنامج quot;على الهواءquot; على شاشة أوربت، قصب السبق في الإحتفاء ببرامج تليفزيون الإنترنت، حيث استضاف باسم يوسف مقدم برنامج quot;باسم شوquot;، ولكنه لا يرى في تلك النوعية من البرامج خطورة على برامج التوك شو، وقال لquot;إيلافquot; أنها تفتقد إلى الإحترافية، فهي برامج يقدمها هواة، ولا تحكمها أية ضوابط، وليس لها حظ في الإستمرارية، وأضاف عنايت أن تلك البرامج لن تستطيع سحب الإعلانات من التليفزيون التقليدي بأي حال من الأحوال، لأن حصيلة الإعلانات سوف تذهب إلى الموقع الذي يتم تحميلها عليه، وليس إليها مباشرة، رافضاً وصفها بتلفزيون المواطن مقارنة بما يطلق عليه حالياً صحافة المواطن، وأوضح أن برامج التوك شو التي تعرض على شاشة التليفزيون التقليدي تقدم أيضاً إعلام المواطن، حيث تعرض ما يصلها من فيديوهات يلتقطها المواطنون بكاميراتهم أو موبايلاتهم الخاصة، بعد التحقق من مصداقيتها. في حين أنه من الصعب التحقق من مصداقية برامج توك شو الإنترنت.
تهديد حقيقي
على النقيض من رأي الإعلامي جمال عنايت، يأتي رأي الدكتور محمود علم الدين أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، حيث يقول إن ظاهرة تليفزيون الإنترنت أصبحت تهدد التلفزيون التقليدي و لا سيما برامج التوك شو، وأوضح لquot;إيلافquot;: تلك البرامج تتوافر فيها العديد من المميزات غير المتوافرة في التليفزيون التقليدي منها: التفاعلية الفورية، إذا بإمكان المشاهد أن يسجل رأيه بعد الإنتهاء من مشاهدتها فوراً، بعكس البرامج العادية التي لا يستطيع المشاهد التفاعل معها بسهولة، إذ عليه أن يمر على الكنترول، ولكل قناة سياسة وخطوط حمراء خاصة بها تضعها وفقاً لمصالح إدارتها. بالإضافة إلى مواكبة برامج تليفزيون الإنترنت لروح عصر السرعة، فمدتها لا تتجاوز عشرة دقائق، في حين أن برامج التليفزيون التقليدي تتراوح ما بين ساعة و ثلاث ساعات. ويزيد من تهديدها للتلفزيون التقليدي أن التليفون المحمول يقف إلى جانب الإنترنت، حيث بإمكان أي شخص الآن الدخول إلى شبكة الأنترنت ومشاهدة أو تحميل المحتوى الذي يريده وقتما يشاء.
سحب الجمهور والإعلانات
وتوقع علم الدين أن يسحب تليفزيون الإنترنت الإعلانات من برامج التوك شو العادية، كما بدأ في سحب الجمهور منها. وتابع قائلاً: إن شبكة الإنترنت غيرت الكثير من المباديء التقليدية، في عالم الإعلام عموماً، فقد أثرت بالسلب على الصحف الورقية، مما أدى إلى إنخفاض أرقام توزيعها، وإنخفاض أرقام الإعلانات، وإستحوذت مواقع الإنترنت الإخبارية على نسبة كبيرة من حصة الإعلانات في السوق، ولأول مرة تتجاوز حصيلة إعلانات مواقع الإنترنت الإخبارية الأمريكية الصحف الورقية خلال العام المنصرم، مما يعتبر تهديداً حقيقياً للصحافة الورقية في العالم. وينسحب الأمر نفسه على التلفزيون أيضاً، ولا سيما البرامج ونشرات الأخبار، حيث صارت لا تجذب الجمهور العادي، لأن مواقع الإنترنت صارت الأسرع، بعد ظهور صحافة الفيديو، التي تبث الأخبار من موقع الحدث فور وقوعها، وقد ظهر ذلك جلياً أثناء الثورة المصرية.
وتوقع علم الدين أن يساهم تليفزيون الإنترنت في إعادة ترتيب الأدوار و الأولويات بين وسائل الإعلام التقليدية والإنترنت، بحيث يصعد الأخير للمقدمة، ويكون هناك مسافات شاسعة بينه وبين وسائل الإعلام التقليدية، وكله في النهاية لصالح المتلقي. مشدداً على ضرورة أن يبحث التليفزيون عن إبتكارات جديدة لتدعيم موقفه في مواجهة تلك المنافسة الشرسة.
سلبيات و إيجابيات
فيما تنظر الدكتورة ليلى عبد المجيد الأستاذ بكلية الإعلام جامعة القاهرة إلى تليفزيون الإنترنت على أنه ضمن الظاهرة الجديدة المسماه بquot;إعلام المواطنquot;، وأوضحت لquot;إيلافquot; أن هذا النوع من الإعلام له جوانب إيجابية وأخرى سلبية، وقالت: تتمثل الجوانب الإيجابية في أنه يساهم في إكتشاف المواهب وتسليط الأضواء عليها، ويجب على الإعلام التقليدي الإستفادة بها، وتطعيم كوادره البشرية بتلك المواهب، أما الجوانب السلبية، فتتمثل في عدم وجود ضوابط لها، حيث بإمكان أي فرد أن يسجل أي محتوى إعلامي ويقوم ببثه عبر شبكة الإنترنت، مما قد يسيء إلى الآخرين، أو يهدم قواعد المجتمع، فضلاً على أنه عادة يكون بلا هدف تنويري ، بل الهدف منه السخرية أو الإضحاك، وشددت على ضرورة أن يعود الإعلام سواء الإنترنت أو التقليدية إلى دوره التنويري الحقيقي، لاسيما أننا في مرحلة جديدة من تاريخ مصر والعالم العربي، نحتاج فيها إلى العمل الجاد والنقد الهادف وليس النقد لمجرد النقد أو للإضحاك.
التعليقات