* 1200 شكوى سنوية ضد الأطباء.. والمسلسل مستمر

أشرف أبوجلالة من القاهرة: مسلسل لا ينتهي .. ذلك المتعلق بقضايا الإهمال الطبي في مصر. فمع تزايد وتكرار حدوثها بصورة تدعو لكثير من التساؤلات، بات الطريق مفتوحاً أمام كثيرين للجوء إلى ساحات القضاء، في تجسيد واضح لمدى التخبط الذي يهيمن على المشهد الطبي في البلاد.

وبعد أن بدأ يتزايد النقاش في الأوساط الطبية حول المسؤولية المدنية التي تُلقى على كاهل الأطباء المعالجين، بات من الضروري توفير أقصى درجة ممكنة من الحماية للمرضى وضمان توفير العناية اللازمة. والعمل في الوقت ذاته كذلك على توفير الحرية اللازمة للأطباء في معالجة مرضاهم، وذلك من منطلق أن عمل الطبيب لابد وأن يتم في جو من الثقة والطمأنينة والحرص في الوقت ذاته على سلامة المرضى.
وبحسب آخر الإحصاءات المعلنة، طبقاً لمراجع مختلفة، فإن وزارة الصحة المصرية تتلقى 1200 شكوى سنوياً ضد أطباء تسبب إهمالهم بحالات شلل أو وفاة. وأصدرت الوزارة في الوقت ذاته قرارات بإغلاق 2134 مستشفى وعيادة ومركز علاج طبيعي بسبب الإهمال الطبي داخل هذه المنشآت وعدم مطابقتها للمواصفات الطبية.

وفي هذا السياق، تتناول quot;إيلافquot; حالة فتاة تدعى م.ص دخلت لإحدى العيادات الخاصة قبل بضعة أشهر من أجل الخضوع لجراحة الزائدة الدودية، وفور مغادرتها العيادة، بدأت تشعر بآلام حادة ومتواصلة في منطقة البطن. وبعد مرور عدة أيام قليلة، بادر ذويها بإخضاعها لفحوصات وتحاليل، وتبين أنها تعاني من صديد، ناجم عن عدم اعتماد الطبيب أو معاونيه على معايير التعقيم والتطهير المطلوبة.
وهناك حالة أخرى شهيرة تناولتها وسائل الإعلام، وهي المتعلقة بتفاصيل مأساة طفل رضيع ( 13 شهراً ) دخل العام الماضي أحد مستشفيات القاهرة مصاباً ببلغم في الصدر وقرر الأطباء حينها إجراء عملية شق حنجرة لشفط البلغم. لكن فور انتهاء الأطباء من إجراء العملية، اكتشف والدي الطفل أنه أصيب بضمور في خلايا المخ، بعد أن تسبب خطأ طبي في عدم وصول الأكسجين إلى الطفل بشكل سليم أثناء العملية.
ومن أشهر أنواع الأخطاء التي تقع في مصر نسيان أدوات جراحية داخل بطن المريض، وكذلك التلوث الناجم عن عدم تعقيم غرف العمليات.

الشق القانوني

وفي ما يتعلق بالجانب القانوني الذي يعني بحماية المتضرر من الأخطاء الطبية، يؤكد أ. هشام عبد العزيز، المحامي بمركز العدالة، في تصريحات خاصة لـ quot;إيلافquot;، على أن الناحية القانونية تنقسم هنا إلى شقين: شق طبي، وآخر جنائي. ويتابع في هذا السياق بقوله quot;الشق الطبي هو الخاص بقانون الأطباء أو قانون نقابة الأطباء، التي تعني بوضع شروط لمزاولة مهنة الطب، وقبل إصدار هذا القانون، كان هناك القانون المدني، الذي يهتم بمنح التعويضات للمرضى الذين تلحق بهم أضرار نتيجة لأخطاء الأطباء. وبموجب القانون الخاص بالأطباء، فإن هناك شرطين، أولهما خاص بضرورة أن يكون الطبيب ممارساً لمهنة الطب، وحينها سيخضع عند وقوعه في خطأ للوائح المعمول في بها في قانون النقابة وكذلك القانون المدني. أما إذا لم يكن حاملاً لتلك الصفة وينتحل وظيفة الطبيب، فحينها سيقع تحت طائلة قانون العقوباتquot;.
وأضاف :quot; وإذا ما حدث خطأ، ولحق بالمريض أي ضرر، فإن النقابة تبدأ من جانبها أولاً بفتح تحقيق من أجل الوقوف على ملابسات الواقعة، ومن ثم تُصدِر قرارها، إما بالوقف عن العمل في حالة جسامة الخطأ، أو الاكتفاء بالتحذير أو توجيه اللوم إذا كان الخطأ بسيطاً. وفي حالات القتل عن طريق الخطأ، فإن العقوبة التي تطال الطبيب قد تتراوح ما بين 3 و 7 سنوات. أما إذا تبين من خلال تحقيقات الشرطة أو أدلة البحث الجنائي أن هناك تعمد يقيني ( بسبب وجود رغبة للانتقام من المريض على سبيل المثال )، فإن العقوبة قد تصل حينها إلى المؤبد أو الإعدام، لأن الجريمة التي سيتم توجيهها إلى الطبيب في تلك الحالة هي القتل مع سبق الإصرار والترصدquot; .

وفي ذات الوقت، يشير مسؤولون بوزارة الصحة إلى أنهم كجهة منوطة بشؤون الأطباء والمرضى على حد سواء، فإنهم يقومون بفحص ما يتلقونه من شكاوى من قِبل المواطنين، ولا يترددوا، إذا أُدين الطبيب، في أن يحيلوه إلى لجنة التأديب بنقابة الأطباء، وقد يتم إيقافه عن مزاولة المهنة مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد عن سنة، وبعد انتهاء المدة لا يعود إلى العمل إلا بقرار من الوزير وبعد تأهيله من خلال المجلس الطبي بالوزارة، وفى حالة الشطب من النقابة لا يتم إعادته لمزاولة المهنة مرة أخرى.

كما تشير بعض المصادر إلى أن نقابة الأطباء في مصر تقوم بإعداد مشروع قانون جديد ضد الأخطاء الطبية، وهو القانون الذي ينص على تشكيل لجنة فنية عليا بجميع المحافظات والمحاكم الابتدائية للتحقيق في الأخطاء الطبية المنسوبة للأطباء في مصر.

وسبق لعدد من المحامين عام 2003 أن قاموا بتدشين جمعية لمناهضة إهمال الأطباء هدفها quot;البحث عن حقوق الضعفاء ممن جنى عليهم إهمال الأطباءquot;. وتلقت الجمعية العديد من الملفات لضحايا قرروا الكشف عن إعاقاتهم المستديمة نتيجة أخطاء، وبحوزتهم من التقارير الطبية ما يؤكد صحة كلامهم ليعلم الآخرون تفاصيل مأساتهم quot;ليس لطلب التعاطف والمشاركة في الأحزان، بل لكي لا يكون هناك ضحايا جددquot;.
وعلى صعيد متصل، أجمع عدد من الأطباء على ضرورة أن يقوم ضحايا الإهمال الطبي، أو أي من ذويهم، بالتوجه إلى نقابة الأطباء للتقدم بشكوى تفصيلية عن ما تعرضوا له من إهمال من البداية حتى النهاية. وفي ذات الوقت، أرجع أطباء آخرون أخطاء الأطباء إلى عدة أسباب منها جهل الطبيب، وافتقاد الخبرة والكفاءة، وعدم التخصص، والمخاطرة بالتدخلات الجراحية دون تأهيل أو تدريب على ذلك، بالإضافة لقلة الإمكانات.

وانتقد فريق آخر من الأطباء الدور الذي تقوم به الجهات الحكومية. وقال في هذا الشأن د. أسامة عبد السلام ضمن تصريحات أدلى بها لـ quot;إيلافquot;، إن المشكلة باتت تكمن أيضاً في تراجع دور الدولة، بعد أن بدأت ترفع يدها عن الكثير من المرافق الحيوية للمواطن، مثل المرفق الصحي، وهو ما يتجلى بوضوح في ما يتردد عن دراسة الدولة مثلاً لإلغاء قرارات العلاج على نفقتها، أو ما يتردد عن رغبتها في إلغاء نظام التأمين الصحي.