اثارت دعوة حميد شباط عمدة فاس الى جعل المدينة خالية من المشروبات الكحولية جدلا سياسيا واجتماعيا وصحيا في المغرب. وفيما تصر بعض التيارات المحافظة على التطبيق الصارم لقانون منع بيع الخمر، يرى العلمانيون في ذلك مسا بالحريات الفردية.

الدار البيضاء: عاد الجدل حول الكحول ليحتدم مجددا في المغرب، ليس فقط على المستوى الاجتماعي فقط أو الصحي، بل حتى على المستوى السياسي، خاصة بعد التصريح الأخير لحميد شباط عمدة فاس الذي قال إنه سيعلن المدينة quot; بدون خمورquot;.

الزوبعة التي أثارها القيادي الاستقلالي، يرى فيها مراقبون بأنها quot;لا تعدو أن تكون سوى مناورة سياسية لها أهداف غير واضحة حالياquot;، فيما بات البعض يطرح السؤال هل رأس كأس الخمر مطلوب في المملكة؟.

غير أن هذا النقاش السياسي، لم يغيب الحراك الساخن الدائر باستمرار بين المؤيدين والمعارضين لبيع الخمر من المسلمين المغاربة.

ويمنع القانون المغربي، في المادة 28 من الظهير الملكي بالمغرب الصادر في يوليو1967 quot;استغلالا أو بيعا أو منحا مجانا للمشروبات الكحولية للمسلمين المغاربةquot;.

كما يتضمن القانون أيضا جنحة السكر العلني التي يعاقب عليها بالحبس، غير أن ذلك لا يمنع المغاربة من التعايش بشكل يومي مع المشروبات الكحولية، التي يبلغ استهلاكها الوطني حوالي 85 في المائة من إجمالي الإنتاج.

جدل بين المحافظين والعلمانيين

تصر بعض التيارات المحافظة في المغرب، على تطبيق صارم لقانون منع بيع الخمور، بينما يرى العلمانيون في ذلك مسا بالحريات الفردية.

وفي هذا الإطار، قالت خديجة الرياضي، رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، quot;سبق أن عبرنا عن رأينا بخصوص هذا الموضوع في عدد من المناسبات. ونحن نرى أن الخمر، سواء شراءه أو تناوله أو عدم تناوله، يدخل في إطار الحريات الفرديةquot;، مشددة على ضرورة أن quot;تكون القوانين ملائمة لحقوق الإنسان، بمعنى يجب أن يجري تقنين شراء الخمر أو تناوله، بما يحترم حريات الآخرينquot;.

فمثلا، تضيف خديجة الرياضي في تصريح لـ quot;إيلافquot;، quot;يجب عدم تناول الخمر عند القيادة، لأن ذلك يشكل تهديدا لسلامة الآخرين، إلى جانب مجموعة من الأمور الأخرى، منها عدم الترخيص لأقل من هم 15 سنة بتناول الخمرquot;.

وأكدت القيادية الحقوقية على ضرورة quot;احترام الحريات الفردية، بما يضمن عدم المس بحريات الآخرينquot;.

بدوره يقول عبد الباري الزمزمي، رجل الدين الأكثر جدلا في المغرب، وأحد أبرز علماء المنهج الوسطي في المغرب العربي، ورئيس الجمعية المغربية للدراسات والبحوث في فقه النوازل، وعضو مؤسس في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، quot;ليس وحده الخمر محرما ويتعاطاه الناس، بل إن الربا أعظم من الخمر، ورغم ذلك يتعاطاها المواطنون بكثافة. فالدولة شكلا إسلامية، لكنها عمليا علمانية، إذ أن الخمر حرام شكلا ويعاقب عليه القانون، لكن على أرض الواقع هناك حقيقة أخرىquot;.

وأضاف عبد الباري الزمزمي، الذي يشغل أيضا منصب عضو مجلس النواب، في تصريح لـ quot;إيلافquot;، quot;ليس هناك احترام لمحرمات الإسلام. فمسألة بيع الخمر للمسلمين محرمة، لأن البيع هو الأصل في انتشاره بين الناس، إذ أن نسبة مهمة من الآفات أسبابها الخمر، والآلاف يموتون سنوياquot;.

وطالب رجل الدين المغربي quot;بمنع بيع الخمر، وإنزال الغرامات والعقوبات بحق المتعاطينquot;، مشيرا إلى أن quot;القانون موجود حاليا، لكن التطبيق غير موجودquot;.

وحول ما أعلن شباط بخصوص مدينة فاس، رد الزمزمي بالقول quot; لا يمكن الثقة بمواقف السياسيين، هناك من يقول إن هذه الخطوة لها أهداف سياسية، وليست جديةquot;.

ووسط هذا الجدل، يجمع الأطباء على أن للخمر أضرارا بليغة على صحة الإنسان، قد تؤدي في بعض الحالات إلى الموت.

تأثيرات الخمر على الصحة

للخمر تأثيرات صحية كبيرة على الجهاز العصبي، والقلب، والأوعية والدم، والجهاز الهضمي، وغيرها.

وقال الدكتور بنحيون محمد كمال، أخصائي في أمراض الجهاز الهضمي والكبد، إن quot;الخمر ليس له أي منافع، سواء على الصحة بصفة عامة، أو على الجهاز الهضمي بصفة خاصةquot;.

وأوضح الدكتور بنحيون محمد، في تصريح لـ quot;إيلافquot;، أن quot;تناول الخمور له تأثيرات كثيرة على الجهاز الهضمي، إذ أن كل عضو من هذا الجهاز يتأثر بتناولهاquot;.

وإذا أخذنا الجهاز الهضمي، يشرح الأخصائي المغربي، فإن التأثير quot;يبدأ من البلعوم إلى المعدة فالأمعاء ثم البواسيرquot;، مضيفا أن quot;الكحول يمكن أن تؤثر على أمراض تكون في المعدة والأمعاء، كما يمكن أن تتسبب بأمراض البواسير، إذا ألمت بالمريض لأول مرة، أما إذا كان مصابا بها فقد يؤدي ذلك إلى تعرضه إلى مرض حاد جدا في البواسيرquot;.

أما بالنسبة للمعدة، فيقول الدكتور بنحيون، انه يمكن أن يتسبب في التهاب حاد في المعدة، ما قد يؤدي إلى الإصابة بأمراض خطيرة. والتهاب المعدة يمكن أن يؤدي مع الوقت إلى أمراض سرطانية.

وفي ما يخص أمراض الكبد، يؤكد بنحيون، ان للخمر تأثيرين مهمين وواضحين، الأول يتمثل في التسبب في تكوين الشحوم في الكبد أما الثاني فيتجلى في تشمع الكبد، الذي يمكن أن يتسبب فيه الخمر لوحده، وإذا كان الكبد مريضا بفيروس (ب) أو (س)، وصاحبه يتناول الخمر، فإن تأثيره يكون مضاعفا.

وكان جدل قد تفجر في المغرب بعد أن أصدر الشيخ أحمد الريسوني، القريب من حزب العدالة والتنمية، ذو التوجه الإسلامي المعارض والممثل في البرلمان، رأيا دينيا وصفه البعض بـquot;الفتوىquot;، دعا فيه الى مقاطعة المتاجر الكبرى التي تبيع الخمور.

وردا على هذه الفتوى، دعت جمعية quot;بيت الحكمةquot; ذات التوجه العلماني القريبة من حزب الأصالة والمعاصرة المعارض في البرلمان، إلى إصدار بيان يدعو إلى إلغاء قانون حظر بيع الكحول على اعتبار أنه يبيح بيع الخمور للأجانب فقط دون غيرهم من المغاربة، وهو أمر quot;يعارض الدستور الذي يضمن الحريات الفردية الأساسيةquot;.

يشار إلى أن في المغرب 12 ألف هكتار من الكروم تعتمد في إنتاج الخمور، كما ينتج المغرب ما بين 30 و40 مليون لتر من المشروبات الكحولية.