بعد مرور عشرة اعوام تبقى حصيلة الادوية الجديدة لمشروع الجينوم البشري ضئيلة نسبيًا.


أشرف أبوجلالة من القاهرة: يعكف العلماء في مختبر الأدوية الأميركي ميرك، بمساعدة الروبوتات والآلات المعقدة الأخرى، على دراسة ما يحدث للخلايا عند توقف كل من الجينات البشرية التي يبلغ عددها 22 ألف جين تقريبًا. وهم يأملون من وراء ذلك أن يعثروا على الجينات المسؤولة عن الأمراض المختلفة، وهي النقطة التي يمكنهم الانطلاق من خلالها لتطوير الأدوية.

وفي حديث مطول لها حول هذا السياق، تقول صحيفة النيويورك تايمز الأميركية إن تلك العملية عبارة عن دمج للبيولوجيا المتطورة والقوة الغاشمة، وأن هذا الدمج قد أصبح ممكنًا فقط لأن مشروع الجينوم البشري قدَّم هوية جميع الجينات البشرية. لكن، ومع وجود الكثير من الأمور الأخرى التي انبثقت من مشروع الجينوم البشري، فإن العملية تعد أيضًا مغامرة مُكلِّفة، ولا يمكن ضمان نجاحها. وفي هذا الإطار، تنقل الصحيفة عن ميشيل كليري، المدير الأول لقسم التكنولوجيا الحيوية الآلية في مختبر ميرك، قولها :quot; هل يمكنني أن أشير إلى دواء واحد الآن ساهم في تطويره ذلك الجهد البحثي الجديد ؟ - لا، لأننا ما زلنا في أولى المراحل. وهناك معلومات تقوم الآن بتغذية تلك المراحل التي سنرى ثمارها في ما هو آتٍ من سنواتquot;.

ثم تشير الصحيفة إلى أنه وبعد مرور عشرة أعوام على إعلان الرئيس الأميركي الأسبق، بيل كلينتون، على إكمال أول مسودة لمشروع الجينوم البشري، في حزيران/ يونيو عام 2000، ما زال استخدامه في تطوير العقاقير عملا ً يشهد حالة من التقدم في أحسن الأحوال. لكن في الوقت الذي يقول فيه العديد من علماء الوراثة الذين يعملون خارج صناعة الأدوية إن المشروع يحظى بفوائد طبية قليلة، يطالب باحثو الصناعة بالتريث لرؤية النتائج.

ومع هذا، تلفت الصحيفة إلى أن بعضًا من العقاقير الأولى التي ترتكز في تطويرها على الدراسات الجينية بدأت تصل إلى الأسواق. وتبين أن العديد من الأدوية الجديدة التي تستهدف السرطان، على سبيل المثال، تتصدى لآثار التشوهات الجينية التي تحفز نمو الأورام. كما تمت المصادقة قبل أسبوعين على عقار أنتجته شركة quot;أمغينquot; العملاقة لمعالجة مرض الهشاشة. كما تقدمت الأسبوع الماضي شركة quot;علوم الجينوم البشريquot; لتطوير الأدوية بطلب للحصول على موافقة لعقار يدعى quot;بينليستاquot;، الذي قد يصبح أول عقار جديد يتم تصنيعه على مدار عقود لمعالجة داء الذئبة.

إلى هنا، تؤكد الصحيفة عدم وجود ما يضاهي نجاح مشروع الجينوم البشري في أن يساهم في تطوير عدد كبير من الأدوية الجديدة، بحسب تنبؤات بعض الخبراء. وتشير في هذا الجانب إلى أن شركات الأدوية كانت تقوم قبل عشرة أعوام بإنفاق مليارات الدولارات لتجهيز أنفسها من أجل تسخير أسرار البيولوجيا البشرية التي تم الكشف عنها حديثًا. وفي الوقت الذي تبين فيه أن quot;فقاعة الجينومquot; قد انفجرت منذ مدة طويلة، يشير بعض الخبراء إلى أن مشروع الجينوم البشري ربما تسبب بشكل موقت على الأقل في تعطيل مسيرة صناعة الأدوية نتيجة لحمل المعلومات الزائد.

وهو ما سبق أن انتقده عام 2000 رئيس قسم التجارة الدوائية في شركة نوفارتيس، حيث قال :quot; أعتقد أن البيانات موجودة ومنتشرة في كل مكان، لكن بلا تصنيع دواء واحدquot;. ثم تمضي الصحيفة لتقول إنه وعلى الرغم من أن الإنفاق على البحث والتطوير من قِبل شركات الأدوية الكبرى قد تضاعف تقريبًا منذ اكتمال مشروع الجينوم إلى حد كبير، حيث وصل إلى 46 مليار دولار العام الماضي، فقد ظل عدد الأدوية الجديدة التي يُصادَق عليها كل عام عند العدد نفسه تقريبًا. وقد كان هناك 25 دواء ًً في 2009.

وبالتزامن مع الآثار الإيجابية البطيئة التي تتمخض عن مشروع الجينوم البشري، يؤكد مسؤولو الصناعة الدوائية أن المسألة تحتاج فقط لبعض الوقت كي يتمكن الناس من تلمس مردود المشروع. وأضافوا بقولهم quot; نظرًا لأن عملية الانتقال من اكتشاف أساسي إلى مرحلة ترويج عقار دوائي في الأسواق تستغرق ما يقرب من خمسة عشر عامًا أو أكثر، فإنه من السابق لأوانه تمامًا أن نتوقع الحصول على موافقات لعقاقير دوائية جديدة. وحتى إن لم تتواجد أعداد كبيرة من الأدوية، فإن مشروع الجينوم قد قام بتحويل الطريقة التي تجرى من خلالها الدراسات البحثيةquot;.

ثم تنقل الصحيفة عن مارك تيسييه لافين، نائب الرئيس التنفيذي للأبحاث في جينيتك، تلك الوحدة التابعة لشركة روش، قوله :quot; عن طريق الحصول على تسلسل الجينوم، سيكون بمقدورك تصنيع عقاقير ذات جودة أفضل، وعقاقير أكثر تحديدًا. ففي السابق، لم يكن بإمكانك سوى الكشف عن الآثار الجانبية في مرحلة متأخرة من عملية التصنيع، وبالتالي القضاء على العقار قبل أن يخرج إلى النورquot;. وتلفت الصحيفة في الختام إلى أن كثيرا من شركات الأدوية تقوم الآن بتجميع وتحليل الحمض النووي للمرضى في تجارب سريرية، على أمل العثور على توقيعات جينية سوف تسمح للعقاقير بأن يتم تطويرها بصورة أفضل لمرضى بعينهم. في حين ما زال يرى بعض المسؤولين أن مشروع الجينوم لم يرق بعد إلى مستوى التوقعات، وربما جعل الحياة أكثر صعوبة بالنسبة إلى شركات الأدوية في بعض النواحي.