تعتبر البيئة قضية الجميع وليس فقط مسألة تخص الخبراء وأصحاب القرار وحدهم ، فإنّ التكفل بمشاكلها وتأمينها ضدّ الكوارث، يقتضي بمنظار جزائري تعميم التربية البيئية، في حراك نموذجي لإنقاذ الطبيعة يبرزه فاعلون تحدثوا لـquot;إيلافquot;.

كامل الشيرازي من الجزائر: تشهد الجزائر حراكا لتفعيل التربية البيئية في الوسط المحلي لا سيما المدرسي، وهي عملية تستهدف قرابة ثمانية ملايين تلميذ في البلاد، بعد وصول المنظومة البيئية هناك إلى وضع كارثي تطبعه مظاهر زوال الغطاء النباتي وما ينجم عنه من تهديدات كخطر انقراض الحيوانات والطيور والممارسات الإنسانية الخاطئة التي حولت السهوب الجزائرية إلى مناطق حساسة للتصحر كالرعي الفوضوي والحرث العشوائي والاعتداء على الأشجار والاستغلال المفرط للموارد البيئية.
وفي حراك بديل، استفادت المؤسسات التربوية في الجزائر من دعائم لتنمية الحس البيئي لدى الناشئة، وتفعيل عمل النوادي الخضراء وتكوين مكونين يتولون غرس ثقافة التربية البيئية على الصعيد المحلي، بهذا الصدد، يلح الوزير الجزائري للبيئة وتهيئة الإقليم quot;شريف رحمانيquot; على كون المدرسة هي الإطار النموذجي لترسيخ القيم البيئية في حياة مواطنيه، في ظل مختلف الأخطار التي تهدد المحيط المحلي والعالمي، مضيفا أنّ التلاميذ في مختلف الأطوار الدراسية سيتمكنون بفضل البرامج والأدوات والبيداغوجية المعدة من لدن الخبراء، من اكتساب معارف ومهارات علمية أكاديمية تسمح لهم بأن يكونوا في مستوى التحديات والرهانات المستقبلية.
ويكشف الأستاذ quot;سالم سعودquot; عن خطة لتعميم التربية البيئية في الجزائر، من خلال إنشاء ما يُعرف بـquot;النوادي الخضراءquot; وإثراء مكتبات المدارس وسائر الفضاءات المحلية بمراجع علمية ووسائط معلوماتية متخصصة في البيئة، تتناول بإسهاب مواضيع النفايات والتصحر والتلوث والتنوع البيولوجي.
ويحيل أ/سالم على تعزيز المؤسسات التربوية في بلاده، بمشاتل نموذجية متنقلة عبارة عن مجموعة هياكل معدنية مغطاة بشبكة بلاستيكية تحتوي على وسائل للغرس والسقي والحمالات وحاويات النفايات، إلى جانب توفير وسائل إيضاح لتفعيل نشاط التوعية والتحسيس البيئي، فضلا عن استكشاف الموروث الإيكولوجي عبر المناطق الرطبة والمعالم السياحية وما يتصل بالموارد الطبيعية النباتية والحيوانية.
ويجري تعميم التربية البيئية بكامل المؤسسات التعليمية من أجل تنمية مستدامة، ويعتبر quot;خليفة بن عليquot; مفتش التربية والتعليم، أنّ مشروع تعميم التربية البيئية في الوسط المدرسي يمثل طريقة منهجية في عملية التوعية والتحسيس، تبعا لاعتمادها على إشراك الأطفال في اكتشاف المشاكل البيئية والتعرف على أسبابها والعمل على معالجتها بأنفسهم لتنمية ميولاتهم تجاه محيطهم البيئي والعناية به، في مشهد راهن يتسم بتداخل حاصل بين المشاكل البيئية كالاحتباس الحراري والتغيرات المناخية والتلوث بمختلف أنواعه، وهي محاذير لا يمكن فصلها عن بعضها، أو مواجهتها منفصلة.
ويركّز الأستاذ quot;أحمد قطوشquot; على اتجاه لتكريس التعليم البيئي الذي يعتبر نشاطا مستمرا ينمي الحس البيئي لدى الأطفال ويدفعهم للإسهام في الحفاظ على الموارد الطبيعية وحماية التوازن الإيكولوجي ورعاية العناصر المشكلة للكون كالإنسان والحيوان والبيئة والكائنات البرية والبحرية وغيرها، كحماية الأروية والغزلان والحبارى إلى جانب تنظيم استغلال المراعي وإنشاء المحميات لتوفير مناخ ملائم لتجدد النباتات كالحلفاء والشيح والرثم والسدر.
بدوره، يثمّن quot;جمال قرميquot; استعانة أخصائيي البيداغوجيا بـquot;المسرح البيئيquot; لما ينطوي عليه الأخير من أهمية على صعيد نقل رسائل مكمّلة للتلقين البيئي العادي، ناهيك عما يتيحه المسرح المذكور من تواصل وتبادل للأفكار بين طلائع الجيل الجديد، علما أنّ المسرح إياه يرفع شعار quot;رعاية البيئة بين أيديكم بالأمس واليوم وغداquot;.
وترى التلميذة quot;أمينة جبارquot; (14 سنة) التي تحصلت على المرتبة الأولى في مسابقة الرسم البيئي، أنّ النادي الأخضر الذي تنتمي إليه، يلعب دورا كبيرا في التحسيس والتعليم والتوعية لتفادي التدهور البيئي وتصحيح الممارسات السلبية المضرة بالبيئة، وهو ما تؤيده زميلتها quot;نصيرة حجرةquot; التي تلاحظ بافتخار أنّ مؤطري النوادي الخضراء يساهمون في غرس أخلاق نبيلة لإيقاف النزيف البيئي، وتشير إلى تعلم كثير من زملائها وزميلاتها لكيفيات حفظ التربة وصيانتها والاعتناء بالتشجير وإعادة غرس الأصناف الأصيلة وحماية الموجود منها كالصنوبر الحلبي والعرعار والسنديان والبطم الأطلسي والحور والطرفاء والعريش.
بالتزامن، يشدّد خبراء على أنّ التربية البيئية ينبغي أن تنطلق من المنزل والعائلة لتمتد بعدها إلى كامل فضاءات المجتمع حيث يتطلب ذلك توعية منذ الصغر، ويشير quot;علي محموديquot; محافظ الحظيرة المحلية بقوراية، إلى أنّ الجزائر كانت سبّاقة على صعيد بعث الفعل التربوي البيئي من خلال تشجيعها على اكتساب التربية البيئية في الوسط الريفي.
وتتوفر مختلف الحظائر الطبيعية في الجزائر على التجهيزات اللازمة من أجل القيام بعمليات تربوية بيئية، بهذا الشأن، ترى quot;صليحة فرطاسquot; أنّ التكوين والتحسيس الدائم والإتقان هي مهام يتعين تجسيدها باستمرار من أجل بلوغ الأهداف المسطرة في هذا المجال الحيوي الذي لا يزال بحسب quot;فوزي معموريquot; مدير المكتب التونسي للصندوق العالمي للطبيعة، محدودا في المنطقة المغاربية ككل رغم الشروع فيها قبل عشر سنوات، ملفتا إلى أنّ التربية البيئية تخص المدرسة، لكن يتعين أيضا إقحام العوائل وعموم تشكيلات المجتمع المدني.