باريس: تبدأ نحو 200 دولة مفاوضات عبر الإنترنت للمصادقة على تقرير علمي للأمم المتّحدة سيؤسّس لقمم مرتقبة خلال الخريف تُعنى بمهمة تجنيب العالم كارثة مناخيّة على نطاق الكوكب.

وفي ظلّ موجات حرّ وجفاف قياسيّة وفيضانات اجتاحت ثلاث قارّات في الأسابيع الأخيرة وفاقمها الإحترار العالمي، يأتي تقييم الهيئة الحكوميّة الدوليّة المعنيّة بتغيّر المناخ في الوقت المناسب.

وقال مؤسّس "وحدة استخبارات الطاقة والمناخ" في لندن والخبير البارز فيها رتشارد بلاك "لا شكّ في أنّ (الإجتماع) سيكون بمثابة جرس إنذار".

وأشار إلى أنّ التقرير يأتي قبل أسبوعين فقط من انعقاد الجمعية العامّة للأمم المتحدة وقمة لمجموعة العشرين و"المؤتمر الـ26 للأطراف في اتفاقيّة الأمم المتحدة الإطاريّة بشأن تغيّر المناخ" الذي تشارك فيه 197 دولة في غلاسكو.


(صورة التُقِطت من الجو في بروميلين بهولندا المنطقة التي غمرتها الفيضانات حول نهر الميز بعد كسر سد قناة جوليانا في 16 تموز/يوليو 2021)


تغيّرات مناخيّة

وتغيّر العالم منذ آخر تقييم شامل صدر عن الهيئة الحكوميّة الدوليّة المعنيّة بتغيّر المناخ عام 2014 بشأن الإحترار العالمي في الماضي والمستقبل.

وفي ظلّ موجات الحرّ والحرائق، تبدّدت الشكوك التي كانت سائدة في أنّ الإحترار يتسارع أو في أنّ المصدر بشري بالكامل تقريبًا إضافة إلى المفهوم الذي يعطي تطمينات زائفة بأنّ تداعيات المناخ هي مشكلات الغد.

وفي عتبة أخرى منذ التقرير الأخير للهيئة الحكوميّة الدوليّة المعنيّة بتغيّر المناخ، تم تبنّي عام 2015 اتفاق باريس الذي حدّد هدفًا جماعيًّا يقضي بالحد من درجة حرارة الأرض لتكون عند مستوى يتجاوز مستويات أواخر القرن التاسع عشر بـ"أقلّ بكثير" من درجتين مئويّتين.

ورفع التلوث الكربوني الناجم عن إحراق الوقود الأحفوري وتسرّب الميثان والزراعة الحرارة بـ1,1 درجة مئوية حتى الآن فيما تزداد الإنبعاثات مجددًا بعدما توقّفت لمدّة وجيزة على خلفية تدابير الإغلاق التي فرضها كوفيد، بحسب الوكالة الدولية للطاقة.

تقارير

كما وضعت معاهدة 2015 حدًّا طموحًا بلغ 1,5 درجة مئوية، فيما افترضت العديد من الجهات المشاركة في المحادثات بأنّه سيبقى مجرّد هدف طموح وبالتالي سيكون من السهل تنحيته جانبًا.

وكشف تقرير خاص للهيئة الحكوميّة الدوليّة المعنيّة بتغيّر المناخ عام 2018 عن مستوى الدمار الذي قد يتسبّب به ارتفاع درجة حرارة الأرض بدرجتين مئويتين بالنسبة للبشرية والكوكب.

وقال الأستاذ في جامعة ماينوث بيتر ثورن الذي كان من أبرز الشخصيات التي صاغت تقرير الهيئة الحكوميّة الدوليّة المعنيّة بتغيّر المناخ، لفرانس برس أنّ 1,5 درجة مئوية "باتت الهدف بحكم الأمر الواقع" ودليل على تأثير الهيئة الحكوميّة الدوليّة المعنيّة بتغيّر المناخ على تشكيل السياسة العالميّة في هذا الصدد.

ووفق حسابات العلماء، يتعيّن خفض انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 50 في المئة بحلول العام 2030 وأن تنتهي تمامًا بحلول 2050 لتبقى درجة حرارة الأرض ضمن نطاق 1,5 درجة مئوية.

كما أنّ العلم نفسه شهد تغييرات في السنوات السبع الأخيرة.

وقال خبير المناخ روبرت فاوتارد، الكاتب البارز أيضًا لتقرير الهيئة الحكوميّة الدوليّة المعنيّة بتغيّر المناخ ومدير معهد بيار-سيمون لابلاس، "لدينا اليوم نماذج أفضل للتوقّعات المناخيّة وعمليّات رصد أطول مع مؤشر أوضح بكثير على التغيّر المناخي".

ولعلّ الإختراق الأكبر هو ما يعرف بدراسات الإسناد التي تسمح لأول مرّة للعلماء بتحديد سريع لمدى تكثيف التغيّر المناخي حدثًا شديدًا في الطقس أو إمكان حصوله.

على سبيل المثال، تمكّن تجمّع "إسناد الأحوال الجويّة العالميّة" بعد أيّام قليلة من موجة الحر الشديدة التي اجتاحت كندا وغرب الولايات المتحدة الشهر الماضي، من التوصل حسابيًّا إلى أنّ حدوثها كان أمرًا مستحيلًا تقريبًا لولا الإحترار الذي تسبّب به الإنسان.

لكن التحليل بعد الوقائع مختلف عن التوقعات المسبقة فيما تعرّضت الهيئة الحكوميّة الدوليّة المعنيّة بتغيّر المناخ التي تأسّست عام 1988 لتوفير المعلومات الضروريّة للمفاوضات المرتبطة بالمناخ في الأمم المتحدة، إلى انتقادات من قبل بعض الجهات التي اعتبرت أنّها قلّلت من أهميّة الخطر، وهو نمط اعتبرت مؤرّخة العلوم في جامعة هارفارد نعومي أوريسكيس أنّه يهدف للبقاء في الجانب "الأقلّ دراماتيكيّة" للأحداث.

ملخّصًا لصنّاع القرارات

اعتبارًا من الإثنين، سينقّح ممثلو 195 بلدًا بمساعدة علماء "ملخّصًا لصنّاع القرارات" مكوّنًا من حوالى 20 إلى 30 صفحة، سطرًا سطرًا وكلمةً كلمةً.

سيستغرق الإجتماع الإفتراضي المخصّص للجزء الأول (المعني بالعلوم الفيزيائية) من التقرير المكوَّن من ثلاثة أجزاء، أسبوعين بدلًا من أسبوع كما جرت العادة، فيما يتوقّع نشر الوثيقة في التاسع من آب/أغسطس.

ويغطّي الجزء الثاني من التقرير الذي سيتم نشره في شباط/فبراير 2022، التداعيات.

وحذّرت مسوّدة تمّ تسريبها واطّلعت عليها فرانس برس من أنّ التغيّر المناخي سيعيد تشكيل الحياة على الأرض في العقود المقبلة وإن تمّت السيطرة على التلوّث الكربوني المسبّب للإحترار، ودعت إلى "تغيير جذري" لتجنيب الأجيال المقبلة مواجهة وضع أسوأ بكثير.

أما الجزء الثالث، الذي سيكشف عنه الشهر التالي، فيدرس الحلول لخفض الانبعاثات.

وبناء على أبحاث منشورة، قد يتوقّع التقرير الذي تجري مراجعته الأسبوع الحالي (حتى وفق السيناريوهات المتفائلة) "تجاوزًا" موقتًا لهدف 1,5 درجة مئوية.

كما سيكون هناك تركيز على أحداث بـ"احتمال ضئيل وخطر كبير" مثل ذوبان الصفائح الجليدية التي قد ترفع منسوب مياه البحار بأمتار وتآكل التربة الصقيعيّة المحمّلة بغازات الدّفيئة.

وقال مدير معهد الأنظمة العالميّة في جامعة إكستر تيم لنتون أنّ "التفاعلات التي تضخّم التغيير أقوى ممّا اعتقدنا ولربما نقترب من نقطة تحول ما".