باريس: رغم عقود من الأبحاث، ما زال العلماء بعيدين عن إيجاد علاج يشفي مرض ألزهايمر. لكن طبيب الأمراض العصبية برونو دوبوا أوضح لوكالة فرانس برس أن ثمة أمل في تحقيق تقدم هائل في السنوات المقبلة من خلال العمل على "تشخيص في أبكر مرحلة ممكنة".

سؤال: إلى أين وصل البحث عن علاج ضد ألزهايمر؟

ثمة توجه نحو الإجماع على فكرة تشخيص في أبكر وقت ممكن. ونحن بصدد الاستعداد لهذه الضرورة إذ صرنا على ثقة تقريبا بأن لدينا أدوية ستزداد فاعلية عند وصفها في مراحل مبكرة.

وهذه الأدوية فعالة في معالجة الإصابات الرضحيّة، لكنها لا تؤثر على الأعراض لدى المرضى في حالات متقدمة من الإصابة لأنه يتم وصفها بعد فوات الأوان. حين تظهر الأعراض، تكون الإصابة بلغت مستوى متقدما. كيف يمكن العودة إلى الخلف؟ لا أمل في ذلك للأسف.

سؤال: كيف يمكن رصد المرض قبل ظهوره؟

من الأسباب التي قد تسمح بالمضي إلى تشخيص مبكر، إشكالية الواصمات البيولوجية، وهي التوقيع البيولوجي للإصابة الرضحيّة الناتجة عن المرض.

فتم تحقيق تقدم كبير خلال السنوات الأخيرة. كان (رصدها) من قبل يتطلب فحوصا بالتصوير العصبي في غاية التطور أو تحليل نخاع العظم.

أما اليوم، فنبدأ برؤية نتائج مثيرة للاهتمام انطلاقا من عينات من الدم، ولو أن هذه الفحوص لا تزال غير موثوقة على المستوى الفردي.

إننا أمام احتمال رصد أشخاص معرضين للإصابة ما زالوا سالمين، غير أنهم يعانون من إصابات رضحيّة. لكن هذا يبقى في مجال البحث.

سؤال: هل أن تشخيص مرض ألزهايمر بهذه الوسيلة وحدها أمر موثوق الآن؟

الواصمات البيولوجية

لا، لسنا جاهزين إطلاقا للقيام بذلك اليوم في ممارساتنا السريرية! أعارض حاليا إجراء دراسة للواصمات البيولوجية لدى أشخاص طبيعيين. فبقدر ما يكون من الممكن تبرير ذلك لدى الأشخاص الذين يعانون أعراضا، يكون من الخطأ تطبيقه على أشخاص لا يظهرون أعراضا.

وجود إصابات رضحيّة لا يسمح بالتأكيد بأن الشخص سيطور مرض ألزهايمر. هناك إذا خطر في اعتبار كل المرضى الذين يعانون من إصابات رضحيّة بمثابة مرضى محتملين.

وسيكون لذلك وطأة شديدة: سنعرّض أشخاصا لأدوية قد تكون خطيرة لمنع إصابتهم بمرض قد لا يصابون به إطلاقا. لا يمكن وقف زخم الحياة لدى أشخاص نبلّغهم بأنهم سيطورون مرض ألزهايمر، في حين ليس هناك على الإطلاق ما يؤكد أنهم سيصابون بهذا المرض.

فإن جئتني بشخص مسنّ عمره 75 عاما على سبيل المثال، يعاني من اضطرابات في الذاكرة أشخّصها بواسطة اختبارات، يجد صعوبة في تحديد موقعه في الزمن أو في حيّ جديد، لا يذكر الأحداث التي وقعت مؤخرا، عندها أجري له فحصا بيولوجيا سيؤكد أن فرضيتي صحيحة فعلا. إنه تشخيص سريري-بيولوجي، ينبغي اعتماد المقاربتين معا.

بصيص أمل بمشروع دواء

لا يزال من المبكر جدّا إبداء أمل مفرط، غير أن مشروع دواء لمكافحة ألزهايمر سجل نتائج واعدة قد تشكل تقدما بارزا وسط تعثر الجهود المبذولة منذ حوالى عشرين عاما بحثا عن علاج لهذا المرض.

وأعلنت رئيسة الشركة الناشئة "إيه سي إيميون" التي تطور علاجا ضد ألزهايمر بالاشتراك مع فرع لمجموعة الأدوية العملاقة السويسرية "روش"، متحدثة لوكالة فرانس برس أن "هذه النتائج ... مشجعة بصورة خاصة وتمثل سابقة على أكثر من صعيد".

وتعمل المجموعتان على تقييم فعالية ما توصلت إليه أبحاثهما، بعدما أعلنتا في نهاية آب/أغسطس عن نتائج أولية إيجابية ما زال يتعين نشرها بالتفصيل ومراجعتها بشكل مستقل.

وإن كان الإعلان مثيرا للاهتمام، فلأن الجزيئة "سيمورينماب" موضع الأبحاث تتبع خيطا قلّما تم تقصيه في سياق البحث عن علاج لمرض ألزهايمر، وهو مجال تتعاقب فيه المحاولات الفاشلة منذ نحو عشرين عاما.

فيتركز عمل هذه الجزيئة على القضاء على لويحات تشكلها بعض البروتينات المعروفة بـ"أميلويد بيتا" في دماغ المصابين، وهي واحد من العاملين الأساسيين لمرض ألزهايمر إذ تضغط على الخلايا العصبية.

لكن هذا الخيط من الأبحاث قلما أعطى نتائج حتى الآن، باستثناء علاج توصلت إليه شركة بايوجين المتخصصة في معالجة الأمراض العصبية، وأذنت به السلطات الصحية الأميركية هذه السنة من غير أن يكون هناك إجماع حول فائدته العلاجية.

شذوذ بروتينات تاو

ويتركز اهتمام العديد من المختبرات منذ عدة سنوات على معالجة العامل الثاني المسبب لمرض ألزهايمر، وهو السلوك الشاذ لبروتينات أخرى تعرف ببروتينات "تاو" موجودة في الخلايا العصبية، حيث تتكتل لدى مرضى ألزهايمر إلى أن تؤدي إلى موت الخلية.

وأعطي هذا العلاج لمدة عام تقريبا لمصابين في حالة متقدمة نسبيا من مرض ألزهايمر. وفي نهاية المرحلة، أفادت المجموعتان أن تراجع القدرات الإدراكية لدى الذين تلقوا العلاج كان أقل بالنصف تقريبا من الذين تلقوا دواء وهميا.

وهي أول مرة يتم الإعلان فيها عن مثل هذه النتيجة الإيجابية لمشروع علاج يستهدف بروتينة "تاو"، بعد سلسلة من التجارب الفاشلة من ضمنها مشروع آخر لمجموعة بايوجين هذه السنة.

لكن عالم البيولوجيا العصبية لوك بويه المتخصص في الأمراض المرتبطة ببروتينات "تاو"، علق متحدثا لوكالة فرانس برس "من الواجب لزوم حذر شديد، من الواضح أن هناك جانب إعلامي، رغبة في إصدار إعلان طنان" ولو أنه "قد يكون هناك حقا أمر" إيجابي.

فالأبحاث لا تزال مجرّد تجربة مبكرة في المرحلة الثانية ولا تشمل سوى عدد محدود من المرضى. ولتأكيد مفاعيل العلاج، ينبغي الانتقال إلى المرحلة الثالثة مع احتمال إجراء الاختبار على آلاف الأشخاص.

ويوضح بويه مبررا تحفظه أن العديد من المشاريع التي تركزت على بروتينات "أميلويد بيتا" أعطت نتائج جيدة في المرحلة الثانية، قبل أن تخيب الآمال في المرحلة التالية.

لكن السبب الأساسي لتحفظه هو أن نتائج عقار "سيمورينماب" تبقى متباينة. فالاختبارات الإدراكية أفضل لدى المرضى الذين تلقوا الدواء، لكن هناك تفاوت في ما يتعلق بالسلوك في الحياة الحقيقية، أو ما يعرف بتدهور القدرات الوظيفية.

ولخصت عالمة البيولوجيا العصبية فلورنس كلافاغيرا الوضع لوكالة فرانس برس بالقول "هذا واعد وبصراحة إيجابي، لكنه لم يصل إلى مستوى العلاج".

وفي ما يتعلق بكيفية تفسير هذا التباين في النتائج، ذكرت كلافاغيرا على غرار "إيه سي إيميون" نظرية تقول إن تراجع القدرات الوظيفية يستغرق وقتا حتى تظهر مفاعيله، مشيرة إلى أنه قد يتم إحداث فرق بعد بضعة أشهر على ضوء تواصل التجارب للعلاج.

لكن ليس هناك في الوقت الحاضر ما يؤكد على ذلك. وحتى لو أثبت علاج "سيمورينماب" فاعليته، من غير الواقعي أن نأمل بظهور علاج عجائبي يشفي بمفرده المصابين بألزهايمر.

وحذرت كلافاغيرا "ينبغي مستقبلا المزاوجة بين المقاربتين، علاج مضاد لتاو وعلاج مضاد لبيتا" مضيفة "في جميع حالات الإصابة بألزهايمر، نجد البروتينتين المسببتين للمرض".