فصل ساحر من فصول تاريخ الأرض الموغل في القدم كشفت عنه صخور أحد الشواطئ في ويلز في المملكة المتحدة قبل مدة، حيث قاد الفضول فتاة صغيرة في الرابعة من عمرها إلى اكتشاف آثار أقدام ديناصورات مرت في المكان قبل 215 مليون سنة. هذا الشاطئ الساحر، الذي كان في زمن سابق ملعباً هادئاً لهواة الشاطئ، بات في نظر المجتمع العلمي الآن كبسولة زمنية بامتياز، قادرة على نقل العلماء والجمهور على حد سواء إلى حقبة زمنية سحيقة، عندما كانت الزواحف الهائلة تجوب الكوكب الأزرق.

في ويلز، بدأ الاكتشاف بنظرة فضولية ألقتها المستكشفة الصغيرة، ليتيح لنا اكتشافها إلقاء نظرة غير مسبوقة على فصل مثير من فصول الحياة القديمة. فآثار أقدام الديناصورات المحفوظة جيدًا في الصخور، كصدى غامض من الماضي البعيد، تقدم لوحة رائعة لزمن كانت فيه ويلز منطقة مختلفة تماماً عما هي عليه الآن. لقد كانت الكائنات العملاقة التي نعرفها جيداً من أفلام الخيال العلمي تجوب هذه المنطقة بشكل روتيني واعتيادي، وتمشي على حافة الماء تاركة وراءها آثارًا ستبقى عبر العصور.

في المملكة المتحدة، قام المجتمع العلمي، بعد فحص الاكتشاف، بالتأكيد أن آثار أقدام الديناصورات هذه تعود إلى كائنات العصر الجوراسي المبكر، مما يوفر رؤى قيمة حول النظم البيئية المتنوعة التي ازدهرت منذ عشرات ملايين السنين في هذه المنطقة. ولا تتيح دراسة هذه الآثار توسيعاً لفهمنا لسلوك الديناصورات وتشريحها فحسب، بل تسلط الضوء أيضاً على التحولات الجيولوجية التي شكلت الأرض على مر العصور.

يقف الشاطئ الويلزي، الذي كان معروفًا بجماله الهادئ، الآن كمتحف حي، جسراً يربط بين الحاضر والماضي البدائي. وتعمل آثار الأقدام هذه كرابط بين الحاضر والماضي، مشكلة دعوة إلى التأمل في الزمن الجيولوجي وتعايش الحياة القديمة مع العناصر الطبيعية. وفور شيوع الخبر، أصبح الشاطئ محطة للاستكشاف العلمي، وتهافت عليه الزوار، صغارًا وكبارًا، يتجولون على الرمال بإجلال، مفتونين بالصلة الملموسة التي تربطهم بعالم ما قبل التاريخ.

يحيلنا دائماً هذا النوع من الاكتشافات إلى السؤال التالي: كم من الكنوز مخبوءة تحت أراضي بلداننا العربية؟ وكم حجم الجهد العلمي الذي يجب بذله للإضاءة على هذه الكنوز، وهي بالتأكيد لا تخص شعوبنا فحسب، بل كل أبناء المعمورة، فضلاً عن جهد آخر ينبغي بذله لحفظ هذه الكنوز من الضياع متى وُجدت. ولا ننسى أن لبنان شهد قبل شهور حادثة فريدة، حين قام أحد المتعهدين بجرف صخور عليها آثار أقدام ديناصورات جابت لبنان قبل عشرات ملايين السنين، ليقيم فوقها منزلاً! ولولا تدخل بعض جمعيات العناية بالبيئة، لكانت هذه الصخور قد صارت أثراً بعد عين. وفي شمال سوريا وفي العراق وسواهما من البلدان العربية، حدث ولا حرج عن ضياع وتدمير الشواهد والآثار ذات القيمة العلمية والأثرية بصورة منهجية منتظمة.

إن دلت حادثة ويلز على شيء، فإنَّما على أهمية كل زاوية من زوايا عالمنا، حيث تنتظر الكشوفات غير المتوقعة أولئك الذين يتركون لفضولهم أن يقودهم إلى الكشف عن الأسرار المدفونة تحت طبقات الزمن.