إيلاف من سان فرانسيسكو: من كان يتصور أن نحل المدينة قد يصبح عنصرًا أساسيًا في مراقبة التلوث البيئي؟ في تجربة غير مسبوقة تشهدها مونتريال، بدأ علماء البيئة في استخدام خلايا النحل المنتشرة داخل المدينة كأداة تقنية فعّالة لرصد جودة الهواء، في مشروع يجمع بين الطبيعة والتكنولوجيا في تناغم ذكي.

تعتمد الفكرة على قدرة النحل على جمع جزيئات صغيرة من الهواء والتربة أثناء رحلاته اليومية لتلقيح الأزهار. هذه الجزيئات، التي تتراكم لاحقًا في العسل والشمع، تمثل مرآة دقيقة لمستوى التلوث في كل حي. عبر تحليل تلك العينات في المختبر باستخدام أدوات متقدمة مثل التحليل الطيفي الكتلي (ICP-MS)، يتمكن الباحثون من تحديد تركيزات المعادن الثقيلة مثل الرصاص والزنك، بل وتتبّع مصدرها المحتمل.

الأمر لا يتوقف عند التحليل الكيميائي، فقد تم تطوير تقنيات تحليل ذكية تربط بين تركيز هذه الملوثات وموقع خلايا النحل، ما يسمح ببناء خريطة حرارية تفاعلية توضّح أكثر المناطق تلوثًا في المدينة. وفي بعض التجارب الأحدث، يجري العمل على ربط حساسات دقيقة بمدخل الخلية لقياس عدد مرات الدخول والخروج، بل وحتى تحليل أصوات النحل كبصمة لحالة البيئة المحيطة.

هذا الاستخدام الذكي للنحل كمجسّ بيولوجي يقدّم بديلاً منخفض التكلفة لمحطات الرصد التقليدية التي تتطلب تجهيزات ثقيلة وكوادر بشرية متخصصة. كما أنه يتيح تغطية مساحات أوسع داخل المدينة بدقة متجددة ودورية.

لكن كما هو الحال مع أي تقنية ناشئة، لا تخلو التجربة من بعض التحديات. فالعوامل البيئية المتغيرة قد تؤثر على سلوك النحل وكمية الجزيئات التي يجمعها، ما قد ينعكس على دقة النتائج. كما أن النتائج التحليلية، رغم دقتها، تحتاج دومًا إلى تفسير علمي عميق وخبرة مختبرية عالية.

ورغم هذه القيود، يُنظر إلى التجربة في مونتريال على أنها واحدة من أكثر المبادرات ابتكارًا في مجال مراقبة البيئة العمرانية. فهي تقدم نموذجًا يُحتذى به في مدن أخرى تسعى إلى مواجهة التلوث بأدوات غير تقليدية، وتفتح الباب أمام استخدام تقنيات مشابهة في العالم العربي حيث لا تزال التحديات البيئية قائمة وتحتاج إلى حلول مستدامة ومنخفضة التكاليف.

فالتكنولوجيا اليوم لا تقتصر على الأقمار الصناعية أو الحساسات الدقيقة وحدها… بل تمتد لتشمل كائنات طبيعية مثل النحل، الذي قد يكون أحد أكثر شركائنا إخلاصًا في مراقبة صحة كوكبنا، إذا ما أحسنا استثمار قدراته.