إيلاف من دبي: تحت وهج شمس جامايكا الحارقة، وعلى امتداد الأراضي الرطبة التي تومض بالحياة، يتحرك كائن ما قبل التاريخ في صمت... تمساح أمريكيّ مهدّد بالانقراض، يُعرف علميًا باسم Crocodylus acutus، يعيش آخر فصول معركته من أجل البقاء.

رغم انتشار نحو 28 نوعًا من التماسيح في المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية عالميًا، فإن هذا النوع هو الوحيد الذي يسكن جامايكا، وتحديدًا على الشريط الساحلي الجنوبي الممتد من سانت توماس إلى ويستمورلاند. كان هذا التمساح يومًا رمزًا للخوف والهيبة، يسيطر على مستنقعات المانغروف وبحيرات السواحل، لكنه الآن في مواجهة مصير قاتم فرضته ممارسات الإنسان.

الصيد غير القانوني، تدمير المواطن الطبيعية، التلوث البلاستيكي، وخوف الأهالي... كلها عوامل أدت إلى تقهقر أعداده. أمام هذا المشهد، وقف لورانس هنريكس، الذي بات يُعرف بلقب "حارس التماسيح"، متحديًا التيار.

يقع ملجأ "خليج هولاند" للتماسيح عند حافة مستنقع في جنوب شرق الجزيرة، ويُعتبر اليوم واحدًا من آخر مواطن هذه الزواحف على التراب الجامايكي. منذ أربعة عقود، اختار هنريكس أن يُكرّس حياته لهذا الكائن الذي استحوذ على قلبه منذ الطفولة.

نشأ في كينغستون في ستينيات القرن الماضي، وكان مولعًا بالعناكب والثعابين والعقارب، غير أنّ التماسيح كانت شغفه الأول. روى في حديث لشبكة CNN: "كنت أُربّي نصف دزينة من التماسيح الصغيرة في غرفتي". ومع مرور الوقت، تحوّل هذا الشغف إلى رسالة بيئية.

بعد دراسات علمية ومهام ميدانية في أميركا الوسطى، عاد هنريكس إلى جامايكا عام 1980 ليصطدم بواقع محبط: "لم يكن هناك من يعرف الزواحف أو يهتم بها، رغم أن القانون الجامايكي صنّف التمساح الأمريكي كنوع مهدد بالانقراض منذ عام 1971"، وفق ما أكّده.

بدأ هنريكس متطوعًا بإنقاذ التماسيح المصابة وإعادة تأهيلها، بالتوازي مع عمله في قطاع الحمضيات. ثم أسّس بعد عودته من لندن عام 2010 ملجأ "هولاند باي"، ليصبح المشروع حجر الأساس في جهود المحافظة على هذا النوع في الجزيرة.

في هذا الملاذ، تتم تربية 18 تمساحًا صغيرًا قبل إطلاقها مجددًا في البرية، بينما يُحتفظ بـ27 تمساحًا بالغًا أنقِذت من ظروف صعبة. وقد أُطلق نحو 90 تمساحًا إلى البرّ خلال السنوات الثلاث الأخيرة.

تُخبر سافانا بوان، ممثلة منظمة "غيتورلاند غلوبال" التي تدعم المشروع: "لورانس يُنقذ التماسيح بموارد محدودة للغاية، ويحقق معجزات". واستشهدت بحالة "زينا"، تمساحة اكتُشفت في مكب نفايات مع جلد لزج وأسنان رمادية من التلوث. اليوم، استعادت صحتها وتكاثرت في الحماية.

لكن رغم الحماية القانونية، لا تزال التماسيح في مرمى السوق السوداء. يؤكد ضباط من "وكالة البيئة والتخطيط الوطنية" NEPA أن "الصيد غير المشروع مدفوع بالخوف الشعبي وطلب السوق على لحم التمساح"، الذي يُباع بأسعار تصل إلى عشرة أضعاف سعر الدجاج، وسط مزاعم عن فوائده الجنسية.

ويحذر داماني كالدر، أحد مسؤولي NEPA، من تزايد الحوادث حيث تُحتجز التماسيح كحيوانات أليفة، أو تُستخدم في طقوس محلية مثل "الأوبيا"، مشيرًا إلى اكتشاف تمساح حيّ داخل ثلّاجة مكسورة.

في المقابل، تفرض القوانين عقوبات قد تصل إلى غرامة مالية كبيرة أو السجن، غير أن إنفاذ القانون يبقى تحديًا في ظل ضعف الإمكانات.

أزمة التماسيح ليست فقط قضية بيئية، بل انعكاس مباشر لتغير أولويات التنمية في جامايكا. إزالة المستنقعات لصالح المشاريع السياحية والسكنية تقلص من المرونة البيئية للبلاد، وتزيد من تماسّ هذه الكائنات مع البشر.

يحذر هنريكس قائلاً: "نحن من اقتحم مواطنهم، ولم يقتحموا مدننا". ويرى أنّ التماسيح تلعب دورًا بيئيًا حيويًا، فهي "مهندسو النظام البيئي" الذين يحفرون القنوات وينظمون أعداد الأسماك ويحافظون على صحة المستنقعات.

ولعل أبرز مثال على رمزية هذا الحيوان، ظهوره على شعار النبالة الجامايكي، جالسًا فوق خوذة ملكية، كإشارة إلى فرادة الحياة البرية في الجزيرة.

في مواجهة هذا الواقع، أطلق هنريكس بالتعاون مع NEPA برامج توعية في المدارس والمجتمعات المتاخمة للمستنقعات. إحدى هذه المبادرات انطلقت بعدما أثار وجود تمساح قرب مدرسة حالة من الهلع، فاستُغل الحدث لتعريف الطلاب بطبيعة التمساح وتفادي الهجوم عليه.

رغم التهديدات، لا يزال الأمل قائماً في عيون "حارس التماسيح". لكن مستقبل هذه الكائنات يبقى معلّقًا بخيط من الدعم الشعبي والرسمي... خيط إن انقطع، قد يشهد نهاية أحد أقدم سكان جامايكا.