يشكل آرت دبي 2022 منصة فنية عالمية، يقدم فيها فنانون من أصقاع الدنيا حلولًا مبتكرة لمشكلات البيئة التي تهدد بزوال المسكونة. إنه أكثر من معرض، إنه "خيال فني هادف"

إيلاف من دبي: في خضم المشكلات الكبيرة التي يعيشها العالم اليوم، وأشدها خطرًا مسألة الاحتباس الحراري والاستدامة إعادة التدوير وتدبير القمامة التي تنهش جسد البيئة، الكل مطالب بموقف وبفعل يعزز الوعي البيئي بين البشر، عليهم يتنبهون إلى مخاطر تهدد البشرية جمعاء.

من هذا المنطلق، يرفع معرض "آرت دبي" بنسخته لهذا العام الصوت، في رسالة فنية عالية النبرة من خلال أعمال ومشاهد تتوسّل التقنيات الحديثة لمقاربة المسألة البيئية بحلول مبتكرة. وهو يجمع في أرجائه 100 عارض من 44 بلداً، بينهم نحو 30 عارضاً تمثل مساهماتهم هنا فاتحة مسيرتهم الفنية، ليكون المعرض الفني الأهم فنياً وبيئياً إن جاز التعبير في هذا العام.

من معروضات آرت دبي نظارة The Bad Bug من تصميم سايروس كابيرو

في جولتها على المعرض في تحضيراته الأخيرة قبل انطلاقه منتصف مارس الجاري، التقت كاثرين غوردن، مراسلة How To Spend It Arabic، مديرة آرت دبي بنيديتا غيون، التي وصفت المعرض في هذا العام بكلمات قليلة ومعبرة قائلة: "إنه أكثر من معرض، إنه خيال فني هادف"، وهي تأمل في أن يتمكّن الفنانون المشاركون من فرض إرادة التغيير على مستوى بيئة العالم.

مسؤوليتنا أن نعي الخطر
تضيف غيون: "تعد المسألة البيئية اليوم من أهم قضايا عصرنا، ومسؤوليتنا أن نعي الخطر الذي يهدّدنا، وأن نستمر في التزامنا المجتمعات التي نخدمها. فمنذ اليوم الأول، أصبحنا في آرت دبي جزءاً لا يتجزأ من مساعي تطوير منظومتنا البيئية الثقافية المحلية والإقليمية وإنضاج أفكارها، لنعزز الوعي البيئي العام"، من خلال سياسة صديقة للبيئة.

بأنوار رقمية مبتكرة، ينذر الفنان جيمس كلار الناس بأن ثمة ما يتغير في المناخ، وعليهم أن يعوا أخطار ذلك

إنه معرض لا طباعة فيه، تقول غيون، وتعمل مبادراته وندواته كلها متوافقة مع أقل الممارسات الصناعية تأثيراً في البيئة، وبرنامجه واسع ومتنوع. ومن الفنانين المشاركين في نسخة هذا العام من المعرض فنان الأنوار الرقمية الفيليبيني الأميركي جيمس كلار، "بغلاف جوي مركب تقنياً على مفهوم cloud seeding، إنه شكل من أشكال تغيير المناخ بالتعبير التقني، وبمحاكاة رقمية لمختلف الأحوال الجوية"، كما تقول غوردن. مضيفة: "وضعني كلار، من دون أن أدري، في مواجهة مباشرة مع البيئة بتقنيات حديثة بالغة التعقيد، مستلهماً آليات الاستمطار لتحسين مصطنع لقدرة السحاب على الإمطار، وببرمجية تغمر الإنسان بمطر وضباب مصطنعين".

مشهد فني بعنوان Rhizome من تصميم ليديا أورحمان من معرضها Barzakh

يقول كلار لمجلة How To Spend It Arabic إنه لا يخبر الناس "أننا في خطر، بل أخبرهم أن الأشياء تتغير، وعليهم التنبّه"، فالفن برأيه اجتراحٌ لطرق مبتكرة "لعرض ما وصلت إليه حالنا، فهذا يساعدنا على التكيّف مع التغيرات المستمرة".

من القمامة.. عمل فني
يقارب الفنان الكيني سايروس كابيرو الاستدامة من منظور تعليمي أكثر حركيةً على المستوى الإنساني، في ورشة عمل فنية بالتعاون مع برنامج A.R.M. Holding Children المخصص للأطفال بين خمسة أعوام و17 عاماً. فهو يدعو الأطفال إلى جمع المواد القابلة لإعادة التدوير لتحويلها إلى عمل فني يكون ملكهم، "وقد وجدنا أن ذلك نقطة انطلاق مهمة لنبلغ منها مسألة الاستدامة بين الشباب"، بحسب غيون.

تتخطى أعمال كابيرو ومنحوتاته المعقدة حدود الحرف اليدوية التقليدية والنحت والتصوير والتصميم والأزياء. يقول: "أعمل بالقمامة، وأنا مؤمنٌ بضرورة منح القمامة فرصة ثانية. فالإبداع قادر على الاستفادة من الركام، ومن النفايات حتى".

معرض 1957 في آرت دبي

تنقل كاتبة التقرير مشاهدات أخرى، مثل Cosmo Dreams لمارينا فيدوروفا، "وهو مشهد فني تفاعلي يستكشف أثر التطورات التقنية في حياتنا، ويحاول إعادة إحياء مفهوم الاستدامة، مستدركاً أثر التطورات التقنية في البيئة"؛ ومشهد Sand Flow للفنان فرناندو غارسيا-دوري ضمن مشروع Inland، وهو يشكل تمثيلاً لا بدّ منه لماضي دبي وحاضرها ومستقبلها، يتفحّص الاستدامة والتقانة بعدسة التعددية الثقافية وبناء المجتمعات المحلية.

مشهد من ضمن مشروع Inland للفنان فرناندو غارسيا-دوري

يرى المشاركون في معرض هذا العام أنه يطلق حركة فنية "تتخيل مستقبلاً أفضل للبشرية، تفضل ألا تصور الغد كارثياً، إنما تقارب المسألة مقاربة أشد تفاؤلاً تستنبطها من الواقع المعيش، استناداً إلى وعي إنساني لأهمية إعادة التدوير والاستدامة والحد من التغير المناخي، ويواكب الاتجاهات المعاصرة بمبادراته وبرامجه غير التجارية، بل يتقدم عليها، مبرزاً فناً ملتزماً مشكلات العالم، يقدمه فنانون مبدعون من أصقاع الدنيا، يأتون خصوصاً من جنوب الأرض، "هذا الجنوب الذي يتوقع الخبراء أن يعاني أكثر من غيره تداعيات التطور السريع"، وفقاً لغيون التي لا تخفي حماستها لما تنتظره من تفاعل مع الرسالة السامية التي يطلقها المعرض في هذا العام.