بعد عام على توليه رئاسة البلاد، رات صحيفة كريستيان ساينس مونيتور الأميركية في تقرير موسع استعرضت فيه ولاية اوباما الاولى، انه رغم ان باراك أوباما يعد أقل أيديولوجية من بوش، إلا أنه يسير على نهج أوضح من الناحية التقليدية عن نهج سابقه في ما يتعلق بشؤون السياسة الخارجية.

في تقرير لها تحت عنوان quot;أوباما في عامه الرئاسي الأول: واقعية جديدة في السياسة الخارجيةquot;، تفرد صحيفة كريستيان ساينس مونيتور الأميركية تقريراً مطولا ً تقدم فيه تقييما ً للعام الأول للرئيس باراك أوباما في البيت الأبيض، فتستهل حديثها بعقد مقارنة بينه وبين سابقه جورج بوش، وتقول إنه في الوقت الذي يعد فيه أوباما أقل أيديولوجية من بوش، إلا أنه يسير على نهج أوضح من الناحية التقليدية عن نهج سابقه في ما يتعلق بشؤون السياسة الخارجية، ويتسم بتعريف أضيق للمصالح الأميركية.

بعدها، تمضي الصحيفة لتبزر العديد من الوقائع التي تعكس حقيقة الأوجه التي ميزت أوباما على صعيد إدارته لشؤون واشنطن المتعلقة بالسياسة الخارجية طيلة العام المنقضي، وتلفت هنا إلى الطريقة التي تفاعل من خلالها مع قضية مقتل الشابة الإيرانية ندا أغا سلطان، بعد أن لاقت حتفها على يد القوات الحكومية أثناء فترة التظاهرات التي نشبت في أعقاب الانتخابات الرئاسية الأخيرة بأحد شوارع العاصمة، طهران. فصحيح أنه قام في نهاية المطاف بتوجيه انتقاداته إلى طهران نتيجة لرد فعلها القمعي تجاه التظاهرات، وأقدم على تكرار اعترافه الصامت بالمعارضة الإيرانية في ظل استمرار التظاهرات خلال العام الجاري، إلا أن لهجته الأولية كانت لهجة شخص مثالي مازالت تراوده الرغبة في التوصل إلى حوار مع طهران، التي تمثل الغنيمة الأكبر في رؤية الرئيس المتعلقة بإجراء الدبلوماسية مع خصوم أميركا.

ثم تنتقل الصحيفة في ذات السياق لتقول إنه وبعد مرور عام كامل على تولي أوباما مقاليد الحكم بصورة رسمية في البلاد منذ نهاية شهر كانون الثاني/ يناير عام 2009، يبقى ذلك التوتر بين الواقع الذي يجب التعامل معه، وبين المُثل التي يُسعى من أجلها، أمرا ً قائما ً على أساس وجهة النظر العالمية الخاصة بأوباما. فهذه رؤية خاصة بالصقور على نحو مستغرب في بعض النواحي، في صورة الديمقراطيين مثل فرانكلين روزفلت ndash; الذي حارب وفاز في حرب عالمية مروعة، ثم قام بتأسيس الأمم المتحدة. لكنها رؤية أممية ومتعددة الأطراف أيضا ً، مثل رؤية جورج بوش ( الأب ) - وليس الابن ndash; كما أنها واقعية مثل ريتشارد نيكسون، الذي أخفت حدة حرباً لا تحظى بشعبية وتجرأ على التواصل مع ما كان يسمى آنذاك بالصين الشعبية.

أما وجهة نظر أوباما فهي لعالم مكون من حربين، قرر التصعيد في أحدهما، رغم أمله في أن يتم ذلك لمدة محدودة. إنه ذلك العالم الذي ستخوض فيه أميركا معركة مع خصم عنيف يفتقد للهوية ولا يخضع للحوار والتفاوض، رغم أن ذلك سيتم بصورة متقطعة وأقل أيديولوجية مقارنة ً بالطريقة التي كان ينتهجها سابقه. وفي ما يتعلق بطريقة تعامله مع محاولة تفجير الشاب النيجيري عمر فاروق عبد المطلب طائرة أميركية أثناء رحلة إلى ديترويت في عيد الميلاد الماضي، فقالت الصحيفة إنها بدت كمعركة متعددة الأوجه للأمن القومي أكثر منها حربا ً على الإرهاب، وأن تلك المعركة تتوقف الآن على المعلومات الاستخباراتية، والتعاون العالمي، وعمل الشرطة.

وتمضي الصحيفة لتقول إنه في الوقت الذي سيتعين فيه على أوباما أن يقضي على العالم المكون من أنظمة تلهث وراء الأسلحة النووية، فإنه يواجه هذا كله بداخل واقع يرى فيه صورة أميركا بوسائل محدودة وقوة مازالت فريدة من نوعها، رغم تراجعها - وبالتالي تلك البلاد الأميركية التي ستضطر للاعتماد بشكل أكبر على القيادة بالقدوة بدلا ً من الفرض. وهنا، تنقل الصحيفة عن تشارلز كوبشان، خبير السياسة الخارجية في مجلس العلاقات الخارجية بواشنطن، قوله :quot; هذا رئيس ومعه طاقم يعمل بالسياسة الخارجية يتميزون جميعا ً بمزاولة مهامهم بصورة عملية للغاية، مدفوعين بالحاجة إلى حل المشكلات، وبالتالي لا يبحثون عن قالب جديد لتوجيه الولايات المتحدةquot;.

ثم تقول الصحيفة إن أي تقدير لعام أوباما الرئاسي الأول، يجب أن يتم من منظور المقارنة بينه وبين سابقه، جورج بوش الابن، الذي بدأ رؤيته الخاصة بتحويل منطقة الشرق الأوسط بـ quot;تغيير إحدى الأنظمة الكائنة هناكquot;، ومن ثم فرض حالة من الديمقراطية. وفي الوقت الذي غالبا ً ما كانت تستمد فيه عملية اتخاذ بوش للقرارات من اليقين الأيديولوجي والحدس الرئاسي، يُنظر إلى أوباما على أنه تداولي ndash; أو كما يصفه البعض بـ ( كثير التداول ) ndash; وهو ما يتجلى بوضوح من خلال الاجتماعات العشر التي عقدها مع الأطقم المتخصصة في الأمن القومي للبلاد على مدار ما يقرب من ثلاثة أسابيع قبل أن يتخذ قراره الخاص بزيادة عدد القوات المشاركة في حرب أفغانستان.

ومع بدء دخول أوباما عامه الرئاسي الثاني، يستمر ظهور عناصر النهج المحدد لإدارة شؤون السياسة الخارجية. فطبقا ً للصحيفة، تشتمل تلك العناصر على تقييم واقعي للموارد المتاحة عند التعهد بالتزامات جديدة، والاعتراف بوجود تحول متسارع الخطى في توزيع القوة العالمية ndash; يتم معظمه لصالح القارة الآسيوية ndash; وكذلك اعتراف متلازم بحدود القوة الأميركية. وتنقل هنا الصحيفة عن ريتشارد فونتين، الزميل البارز بمركز الأمن الأميركي الجديد ( وهو معهد بحثي في واشنطن)، قوله :quot; تتمخض طريقة اوباما في إدارة الشؤون الدولية عن تعريف مفسر على نحو أكثر ضيقا ً للمصالح القومية الأميركية. وفي خطابه عن الإستراتيجية الأميركية الجديدة بأفغانستان، أقدم أوباما على حصر نطاق المهمة العسكرية لقواته هناك على إلحاق الهزيمة بتنظيم القاعدة، ولا أعتقد أنه تلفظ بكلمة الديمقراطية مرة واحدةquot;.

وفي الختام، تنقل الصحيفة عن هيثر هارلبيرت، كاتبة الخطابات السابق للرئيس كلينتون ومادلين أولبرايت، والمديرة التنفيذية الحالية لشبكة الأمن القومي في واشنطن، قوله :quot; لقد عدنا إلى الوراء في بعض النواحي تحت مظلة الرئيس باراك أوباما إلى انتهاج سياسة خاصة بتسيير شؤون أميركا الدولية بصورة أكثر تقليدية عن تلك السياسة التي سبق وأن انتهجها الرئيس جورج بوش الابن. لكن هناك فارقا ً في القرن الحادي والعشرين يشكل جزءاً كبيرا ً مما يفعله أوباما. ويشتمل هذا الفارق على نشر القوة العالمية بين قائمة طويلة من الأطراف، أو الدول التي من بينها الصين والبرازيل والهندquot;. وحول تأثير الخطابات الاستثنائية التي سبق لأوباما أن ألقاها على مدار العام المنقضي في عدد من العواصم الأجنبية، ودورها في إظهار الجانب التعاوني للولايات المتحدة مرة أخرى، تنقل الصحيفة عن دبلوماسي أوروبي بارز في واشنطن، قوله :quot; إن أكثر ما أبرزته تلك الخطابات هي الطريقة التي نجح من خلالها هذا الرئيس في تغيير صورة أميركا بجميع بلداننا. وقد شاهدنا ذلك في أفغانستان. وشاهدناه أيضاً في خطاباته، مثل هذا الذي ألقاه في القاهرةquot;.