على الرغم من الإجراءات المتبعة من قبل أفراد الشرطة التابعة للحكومة المقالة، إلاّ أنّ عدد تجار المخدرات ومتعاطيها في قطاع غزة إرتفع، ويعترف جهاز مكافحة المخدرات أن وظيفته تقتضي ضبط التّجار والمتعاطين، نافياً صلتهبأي إجراءات تتعلّق بمن توقفه النيابة أو تفرج عنه بكفالة مالية أو غيره.

غزة (صور خاصة بإيلاف): حضرت quot;إيلافquot; مجموعة من الندوات وورش العمل التي ناقشت الموضوع والتقت بالمعنيين وأصحاب القرار وكذلك الشباب الفلسطينيين، ومنهم quot;أُمنيةquot; طالبة في جامعة الأزهر بغزة والتي تتحدث عن رأيها حول ظاهرة تعاطي المخدرات فتقول: quot;ظاهرة منتشرة بكثرة في قطاع غزة، ولكن لكوني بنت لا أعرف كثيرا عما يتناوله الشباب لأن مثل هذه الأشياء تحدث في الخفاء، ولكن نصف الشعب يتعاطى المخدرات وحبوب الترامال المهدئة للأعصاب والتي أدمن عليه كافة الشباب في قطاع غزةquot;.

وأرجعت quot;أُمنيةquot; مشكلة تزايد أعداد متعاطي المخدرات إلى الأحداث الجارية على الساحة الفلسطينية، فتوضح: quot;منذ عام 1948 لم نسمع بقضية إدمان الشعب الفلسطيني، وبدأت تتردد أسماء الحبوب المهدئة وأنواع المخدرات بيننا وبين أطفالنا منذ أن بدأ الإنقسام الفلسطيني فقط، بسبب إغلاق المعابر، وتم فتح الأنفاق وهي غير مراقبة، والمسؤولين عنها غير مهتمين بالشعب الفلسطيني ويسعون وراء المال، وليس لهم دخل ماذا يدخل عبر النفقquot;.

وتحمّل التجار مسؤولية جلب المخدرات إلى غزة فتقول: quot;طالما أنهم دفعوا مبالغ مالية هائلة فبالتأكيد سيتاجروا بالمخدرات بدلا من الشيبسي والكولا ذات المرابح الزهيدة، ومن يحرس النفق غير مبالي، ولا يوجد رقابة مصرية ولا إسرائيلية كما كان في السابق، وأصبح البديل هو الأنفاق التي من خلالها تدخل المخدراتquot;.

وتضرب مثالا على حجم انتشار ظاهرة المخدرات فتشير: quot;أخي وزوجته يعملون في مجال الصيدلة، وقد منعها مؤخرا من العمل داخل الصيدلية من غرابة أشكال الناس التي تدخل وتحكي قصة طويلة لتطلب في النهاية بعض العقارات، لذلك أصبح من الصعب وضع بنت داخل الصيدليةquot;.

وعن تداول عقار الترامال بين صفوف الطلاب والطالبات تؤكد quot;أُمنيةquot;: quot;البنات تتعاطين هذا العقار. وبما أن المهدءات والمخدرات وصلت إلى البنات فيجب أن نعرف أنه استفحل بين الشباب، وعندما يصل إلى حد الأطفال فبالتأكيد يكون قد انتشر بين الكبار، ومن أدمن على المخدرات فلا يستطيع التخلص منها، أما الأمل فهو في الأجيال القادمة بأن لا تدمن عليهquot;.

وتتحدث quot;أُمنيةquot; عن مدى انتشار المخدرات ومستقبل الشباب فتقول: quot;ستنتشر المخدرات أكثر من ذلك، ولن تنتهي لأنها إدمان، ولماذا تتوقف أصلا طالما أن الوضع سيء وهناك نفق ويجوز لي إدخال أي شيء من خلاله، ولماذا يتوقف الشباب عن تعاطيه طالما أن هناك يأس بينهم والقيادات الفلسطينية تسعى إلى المكاسب الشخصيةquot;.

وتضيف: quot;لا يوجد حل لأن الطلاب ليس لديهم وعي كاف بخطورة المخدرات، وأيضا الوضع النفسي للشباب يزداد سوءا، ونزداد كرها للحياة، لذلك سنبقى نتعاطى الحبوب المهدئةquot;.

نحمل المخدرات في جيوبنا
quot;شاديquot; 23 عاما، يرى أن إقدام الشباب على تناول المخدرات هو لأسباب تتعلق بالوضع الراهن فيقول: quot;كل شخص فينا يفكر في مستقبله وحلمه، ويسعى للحصول على وظيفة ويرغب بالزواج وهذه أشياء لا نستطيع الحصول عليها بسبب البطالة المنتشرة بالبلد وقلة فرص العمل، وبالتالي نلجأ للمخدرات كي لا نفكر بمثل هذه الموضوعاتquot;.

ويؤكد quot;شاديquot; أن غالبية الشباب يعلموا أن المخدرات تضر بهم ولكنه يوضح: quot;نقدم على تناول العقاقير المخدرة، بل ونزيد من جرعاتها لنخرج من الأجواء التي نعيشها ولننسى ما يدور حولنا quot;.

ويبين أن هناك ازدياد كبير في أعداد الشباب الذين يتناولون المخدرات فيقول: quot;لا يقتصر تناول المواد المخدرة على فئة الشباب فقط، بل البنات أيضا، وقد انتشرت بشكل كبير في الجامعات، وأصبح الشباب يحملوها في جيوبهم بشكل يوميquot;.

رضوان: هناك صعوبة في السيطرة على مادة الحشيش
المقدم محمد رضوان وفي معرض حديثه عن المخدرات أشار إلى أنواعها الموجودة في قطع غزة فقال: quot;أولا هناك الماريجوانا أو كما يقال عنها البانغو، وهي مادة تم القضاء عليها بنسبة 95 بالمئة لأن تلك المادة كانت موجودة في مناطق المستوطنات والمناطق الحدودية، أما اليوم فلا يوجد مستوطنات وبالنسبة للمناطق الحدودية فنداهمها ولو بالشكل البسيط ويتم قلع أشتال البانغو، وكذلك فقد تم ضبط عدة كيلوات من هذه المادة عند محاولة تهريبها عبر الأنفاقquot;.

ويضيف رضوان: quot;بالنسبة لمادة الحشيش فيمكننا القول أن هناك شبه سيطرة على هذه المادة، وقمنا بضبط كميات كبيرة منها، وجميعها يأتي عبر الأنفاق التي تعتبر المصدر الأساسي لتهريب هذه المادة، ومع ذلك فهناك صعوبة جدا للسيطرة عليها، فعلى سبيل المثال تم تهريب تلك المادة في جبنة الكيري، وعبر الأجهزة الكهربائية، وداخل أسطوانات الغاز، فقد دخل إلى غزة 460 فرش حشيش، وتم ضبط 400 منها داخل القطاع، و60 تم ترويجها، وأيضا من خلال غرام واحد من الحشيش وصلنا إلى 200 فرش وتم ضبطهاquot;.


المقدم محمد رضوان

ويتطرق رضوان للحديث عن أبرز ظاهرة في قطاع غزة ألا وهي الترامال فيقول: quot;هي ظاهرة منتشرة على مستوى العالم، وجميع دول العالم تشكوى منها، وهو عقار طبي وأنتج في عام 1997، وهناك فرق بين العقار المنتج في المستودعات الفلسطينية والعقار الذي يتم تهريبه عبر الأنفاق، ونحن لا نعرف ما هي تركيبته ولا مكان صناعته، ولدينا في قطاع غزة بعض الحالات التي أدمنت على هذا العقار، فعندما يقوم الطلبة والمراكز والمكانات الإجتماعية بتعاطي هذا العقار فنستطيع القول أنه خرج عن السيطرة، فهناك على سبيل المثال مهندسين يتعاطوه، ومحامين يقومون بترويجه وأيضا أطباء وطلاب وطالباتquot;.

وعن سهولة الحصول عليه يقول رضوان: quot;الترامال سهل شراءه، فيمكن من خلال أي سوبرماركت الحصول على حبة أو أكثر، أما بالنسبة لفرش الحشيش والذي يساوي 100 غرام فهو غالي الثمن ويبلغ 3500 شيكل أي ما يعادل 1000 $ ، أما إذا تم تقطيعه إلى غرامات صغيرة، فالقطعة الصغيرة قد تكلف 20 شيكل، ويشترك فيها من 3 أو 4 أشخاص ويقوموا بتدخينها سوياquot;.

ويعزو أسباب انتشار إلى المخدرات في المجتمع الفلسطيني للوضع المعيشي الصعب وقلة فرص العمل فيقول: quot;ثبت من خلال تحقيقاتنا أن ذهاب المتعاطين إلى هذه المادة والجنوح في مستنقع المخدرات هو بسبب الوضع الإقتصادي الصعب الذي يعيشه قطاع غزة، فكثير من المسحوقين والعاطلين عن العمل يجد ضالته في هذه المادة غالباquot;.

أما البدائل والحلول التي يمكن أن يضعها جهاز الشرطة لوضع حدا لإنتشار المخدرات في قطاع غزة فيقول رضوان: quot;لو استطعنا القضاء على المواد المخدرة داخل غزة، فالأولى أن تقضي عليها أميركا ولديها كل الإمكانيات البشرية والمادية، لأننا في القطاع أيضا ينقصنا الإمكانيات والكادر البشريquot;.

وينهي رضوان حديثه بالقول: quot;القانون لا يلبي طموحات ولا مجهودات رجال المكافحة الذين لا يتجاوز عددهم 300 شخص على مستوى قطاع غزة، ويعملون ليل نهار للحد من هذه الظاهرة لأنه لا يستطيع أحد في العالم القضاء عليهاquot;.

مروجو المخدرات نجحوا في اختراق فئة الشباب والأطفال
صلاح عبد العاطي، الحقوقي في الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، اعتبر أن المجرم هو من يروج لهذه الظاهرة وليس الطفل الضحية الذي يتم تضليله ويضيف قائلا: quot;نجح مروجو المخدرات أ ن يخترقوا فئة الشباب والأطفال وفي الجامعات، والمشكلة أن بعض المظاهر لا تظهر آثارها، ولا يستطيع الأب أو الأم اكتشافها أو ملاحظتها على أبنائهم وبالتالي تكون الكارثة أكبرquot;.


الحقوقي صلاح عبد العاطي بالهيئة المستقلة لحقوق الإنسان

وأشار عبد العاطي إلى احصائية لعام 2007 تقول أن هناك 55 ألف متعاطي مخدرات في فلسطين، ومع ذلك يؤكد: quot;لا يوجد احصائيات واضحة ولا إعلان عن حجم هذه الظاهرة، ولكننا نلحظ من خلال متابعاتنا أن هناك ارتفاع في نسب متعاطي المخدرات بسبب الأزمات الاقتصادية والسياسية رغم الاتفاقيات التي نظمت الإطار الخاص بمنع المواد المخدرة، وبالتالي يجب أن نقر أننا ضعفاء وليس لدينا خبرة في مكافحة هذه الظواهر وخاصة أجهزتنا الأمنيةquot;.

أما عن الأسباب الرئيسية التي أدت إلى انتشار هذه الظاهرة فيوضح عبد العاطي: quot;الأنفاق سبب رئيسي في ظل غياب الرقابة عليها، وكذلك الإنقسام والاحباط واليأس والفقر والبطالة وعدم وجود فرص عمل أدت إلى زيادتها، وهذا يؤدي إلى الإحباط وارتفاع نسب الجريمة والانحراف في المجتمع، وأضف إلى ذلك أنه لا يوجد لدينا مراكز للعلاج والتأهيل، وإذا كان هناك مدمنين فعلاجهم الوحيد هو السجن وفق ما هو متوفرquot;.

ويطالب بعدم الإساءة لضحايا المخدرات فيقول: quot;يكفي الضحية أنه تاجر مخدرات، لذلك لا يجوز ضربه أو شبحه خارج إطار القانون، أو دفعه للاعتراف على أحد تحت التعذيب لأننا في النهاية لا نصل إلى نتيجة، وبالتالي لا بد من تحسين المعاملة مع تجار المخدرات والأهالي والمراكز الصحيةquot;.

ويتحدث عن الحلول التي يمكن أن تحد من ظاهرة المخدرات فيذكر: quot;يجب إطلاق حملات وقائية من قبل رجال مكافحة المخدرات في الجامعات والمدارس للتوعية بخطورة الأمر، وكذلك نحتاج إلى تدريب عالي المستوى لجهاز الشرطة لأن عقلية تجار المخدرات مختلفة، فهم مصاصو دماء، وأيضا أدعو إلى مراقبة الأنفاق التي باتت خطرا تتهدد مجتمعنا الفلسطيني، والتي تمثل ملاذا ومرتعا للثراء الفرديquot;.