مراسل إيلاف من الشيخ رائد صلاح

قال الشيخ رائد صلاح في حوار مع quot;إيلافquot; ان الإسرائيليين يعتزمون بناء الهيكل الثالث يوم السادس عشر من الشهر الجاري، وفيما ينتظر صلاح بت المحكمة العليا في الاستئناف الذي قدمه ضد الحكم بسجنه لمدة تسعة شهور، اعلن استعداده لدفع ثمن مواقفه من القدس والأقصى.

حاوره نضال وتد من أم الفحم: دعا الشيخ رائد صلاح، رئيس الحركة الإسلامية في إسرائيل، العالمين العربي والإسلامي إلى تغيير موقفهما من قضية القدس والأقصى والتأكيد على كون هذه القضية قضية إسلامية وعربية وليست فقط فلسطينية وبالتالي الانتقال إلى ما أسماه الشيخ رائد صلاح إلى المواجهة المباشرة مع الممارسات الإسرائيلية في القدس والأقصى. وحذر الشيخ رائد صلاح من أن إسرائيل ومؤسسات يهودية إسرائيلية وغير إسرائيلية حددت السادس عشر من آذار الجاري موعدا لإطلاق عمليات بناء الهيكل الثالث. واعتبر صلاح في المقابلة التي تنشرها إيلاف أن ضعف قوة الردع الفلسطينية والعربية هي التي جعلت إسرائيل تتصرف في القدس وفي محيط الأقصى انطلاقا من اعتقادها أن الأقصى والقدس أصبحا مستباحين.

ينتظر الشيخ رائد صلاح بت المحكمة العليا في الاستئناف الذي قدمه ضد الحكم بالسجن عليه لمدة تسعة شهور، ولكنه يعلن استعداده لدفع الثمن، ثمن مواقفه من القدس والأقصى معترفا أن لقاءات عديدة جمعته بعيدا عن الأضواء مع الراحل عرفات، ومؤكدا أن التنسيق الحالي بينه وبين أبو علاء، عن فتح وقيادات في السلطة يتمحور حول قضية القدس والأقصى. يرفض الشيخ رائد صلاح اقتراحات التبادل السكاني مؤكدا أن أصل الفكرة جاء من أطروحات حزب العمل الإسرائيلي وليس من خيال ليبرمان، وهو يرى أن التبادل يعني في واقع الحال نقل سكان المثلث من واقع يحكمه الجهاز المدني الإسرائيلي إلى واقع ( لواء محافظة جنين) يحكمه الجهاز العسكري والاحتلال الإسرائيلي معتبرا أن هويته الزرقاء (الجنسية الإسرائيلية) شكلت عائقا في عمله من أجل الأقصى ولم تكن جواز سفر لحرية العمل والبناء. وفيما يلي نص الحوار مع الرجل الذي صبغ مدينة أم الفحم بالرايات الخضراء بعد أن كانت لعقود طويلة قلعة للحزب الشيوعي والجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة:-

إيلاف: أنت مقبل على السجن لمدة تسعة شهور، إذا رفض الاستئناف الذي قدمته ضد قرار المحكمة، إلى جانب أربع ملفات قضائية لا تزال مفتوحة ضدك، وكلها على خلفية نشاطك في محور الدفاع عن القدس والأقصى، وقد رفعت لسنين شعار الأقصى في خطر، وكان هناك، من استغرب الشعار لأن الأقصى والقدس واقعان تحت الاحتلال مباشرة، واليوم تحول هذا الشعار إلى واقع، في ظل الممارسات الإسرائيلية المتصاعدة إلى أي حد ترى اليوم هذا الخطر المحيط بالمسجد الأقصى كبناية، والحرم القدسي بأكمله؟

الشيخ رائد صلاح: أنا على قناعة مرة ومؤلمة أن عام 2010 م بات عاما مصيرا في حسابات الاحتلال الإسرائيلي بالنسبة للقدس والمسجد الأقصى المحتلين. وكل القرائن التي بدأت تزداد حتى هذه اللحظات تبين أن الاحتلال الإسرائيلي يطمع في هذا العام أن يحسم الموقف من هاتين القضيتين، بمعنى أن يحسم قضية تهويد القدس، وأن يحسم طمعه الأسود بالسيطرة الكلية على المسجد الأقصى والتي يظن الاحتلال أنه سيتوجها ببناء ما يسميه الهيكل الأسطوري الثالث على حساب المسجد الأقصى. من هنا نلاحظ أن الاعتداءات بدأت تزداد بشكل جنوني وهيستيري من قبل الاحتلال الإسرائيلي على القدس عامة وعلى المسجد الأقصى خاصة لا بل بدأت تتكشف جرائم مدمرة جدا ما كنا نعرف عنها للأسف وبدأت تظهر الآن لكل الناس، كشبكات الأنفاق المرعبة التي تمتد الآن تحت مساحات واسعة من القدس المحتلة بما في ذلك القدس القديمة وحي سلوان والمسجد الأقصى.
إيلاف: أنت تقول إن العام 2010 عام مصيري ، ما الذي يدفعك إلى هذا القول مع أنم القدس محتلة، أو القسم الشرقي من المدينة منذ أربعين عاما، وكانت دائما هناك جماعات يهودية محلية وجماعات يهودية أمريكية، وأخى يهودية مسيحانية وهي تعمل منذ عشرات السنين لماذا الآن بالذات؟
الشيخ رائد صلاح: لأن الاحتلال الإسرائيلي أو القرائن التي وقعت أو التي يهدد الاحتلال الإسرائيلي بتنفيذها خلال هذا العام، تؤكد لي أن هذا العام هو في حسابات الاحتلال الإسرائيلي هو عام مصيري. وأضرب لك عدة أمثلة: فقد بدا الاحتلال الإسرائيلي يحدد له موعدا هو 16/ 3 /2010 كيوم عالمي كما يسميه هو لمشروع ما يسميه ببناء الهيكل الأسطوري الثالث..

إيلاف: لكن الحديث هو عن جماعات يهودية غير رسمية؟

الشيخ رائد صلاح: هذا القول بأن هذه الجماعات غير رسمية هو قول بات مكشوفا وبات عاريا عن الصحة لأن هذه الجماعات غير الرسمية هي التي تحظى بالحماية الأمنية والعسكرية والسياسية الكاملة من قبل الاحتلال الإسرائيلي وهي التي تحظى بالدعم المالي أو الدعم الهندسي والتخطيط من قبل الاحتلال الإسرائيلي. لبلدية القدس دور مدمر في هذا الاتجاه وهي التي تحظى بالتغطية الكاملة من الاحتلال الإسرائيلي ولكن هناك مؤسسات ذات صبغة خاصة ، تحظى هي أيضا بالتغطية الكاملة من الاحتلال الإسرائيلي مثل quot;عطيرات كوهنيم ( مدرسة دينية يهودية تستوطن في عقبة الخالدية داخل أسوار القدس) وجمعية quot;إلعادquot; وهي في الظاهر مؤسسات مستقلة خاصة، لكننا إذا نظرنا إلى أعمالها لوجدنا أنها أصبحت بمثابة الذراع التنفيذي المدمر لكل مخططات الاحتلال الإسرائيلي بما يتعلق بحفر الأنفاق تحت سلوان وتحت البلدة القديمة والأقصى، وهي التي أصبحت تمارس قرصنة البيوت وطرد أهلها منها أو قرصنة الأرض ووضع اليد عليها بقوة السلاح ، مستفيدة من الحماية العسكرية للاحتلال الإسرائيلي. وهي التي بدأت تنفذ ما أسميته أنا quot;المشاريع المصيريةquot; في حسابات الاحتلال الإسرائيلي بما يتعلق بالقدس والأقصى هذا العام. الاحتلال أعلن عن السادس عشر من الشهر الجاري يوما عالميا لهذا المخططhellip;

إيلاف: متى كان هذا الإعلان ، لم يكن هناك إعلان رسمي للحكومة الإسرائيلية؟

الشيخ رائد صلاح: هذا الإعلان جاء من أكثر من جهة هناك جهات تظهر كمؤسسات خاصة مثل إلعاد أو عطيرات كوهنيم، ولكن أيضا هذا الإعلان يأخذ طابع الإعلان الرسمي من قبل الاحتلال الإسرائيلي . المهم أن نعرف من وراء هذا الإعلان، ولكن من الضروري أيضا أن نعرف ما هي مدلولات هذا الإعلان الذي سيكون في السادس عشر من آذار الجاري. وهم يطالبون من خلال هذا الإعلام أن يقوم كل من ينتمي للمشروع الصهيوني في العالم بتنفيذ نشاطات في هذا اليوم، في كافة أنحاء العالم وتطالب بأن يتم بناء الهيكل الثالث الأسطوري على حساب المسجد الأقصى. أيضا في هذا التاريخ أعلن الاحتلال أنه سيكون يوم افتتاح ما يسميه بكنيس الخراب، الذي تم بنائه على بعد أمتار من الحائط الغربي من المسجد الأقصى. وفي هذا التاريخ أعلنت بعض الجهات في الاحتلال الإسرائيلي أن هذا التاريخ سيكون بمثابة افتتاح كنيس الخراب، وسيكون بنفس الوقت البداية المباشرة لبناء ما يسمونه بالهيكل الأسطوري الثالث. هذه الأحداث مجتمعة مخطط لها إما أن يتم تنفيذها أو البدء بمرحلة جديدة منها في التاريخ المذكور.

إيلاف: يعني هذا ما تقوله أنت وتعلنه باستمرار. وسؤالي هو أين العالم العربي والإسلامي ، خاصة وأن لك شبكة علاقات لا بأس بها في العالم الإسلامي، مع علماء ومع جهات مختلفة أيضا، ماذا تقول كل هذه الجهات في التحذيرات التي تقوم أنت بتكرارها باستمرار بموازة استمرار الاستفزازات الإسرائيلية في القدس؟

الشيخ رائد صلاح: نحن لا زلنا، لغاية الآن نتواصل مع أوسع العناوين في العالم العربي على صعيد منظمة المؤتمر الإسلامي، وجامعة الدول العربية وقيادات علمية وإعلامية وسياسية وعلى صعيد بعض الشخص الرسمية، ولا زلنا نجتهد أن ننقل لهم هذه الأخطار التي تزداد بشكل متواصل . ونح ووفقا لما نلاحظه لغاية الآن، نقول مع شديد الأسف إن رد الفعل لا يرتقي إلى مستوى خطرة الحدث الذي وقع حتى الآن أو الذي سيقع في الأيام القادمة.
العالم العربي والإسلامي هو اليوم بحاجة فورية لأن يشطب خطابه التقليد حول القدس والأقصى . فالعالم العربي والإسلامي، كانفي الماضي يعتبر أن الشعب الفلسطيني هو الذي يواجه مباشرة الاحتلال الإسرائيلي، بينما يقف العالم العربي والإسلامي من ورائه موقف المؤيد. وبنظري فقد آن الأوان لأن يشطب هذا الخطاب، وآن الأوان لأن يعلم العالم العربي والإسلامي أنه مطالب اليوم بأن يقوم هو بدور المواجهة المباشرة مع الاحتلال الإسرائيلي وليكن الشعب الفلسطيني جزء من هذه الدائرة العربية والإسلامية المطالبة بمواجهة مباشرة مع الاحتلال الإسرائيلي.

إيلاف: ما تقول به عمليا اليوم هو إعادة الصبغة الإسلامية والبعد الديني لملف القدس والأقصى باعتبارهما أولى القبلتين أولا وقبل كل شيء ومصدر قوة =عل إسرائيل مؤخرا تحذر ، ومعها بعض السياسيين العرب في الداخل والخارج، من تحويل الصراع من صراع قومي وطني إلى صراع ديني؟

الشيخ رائد صلاح: هذا أمر بديهي جدا، أن القدس ومقدساتها، سواء كانت إسلامية أو مسيحية، ويتقدمها المسجد الأقصى ليست قضية فلسطينية بالمفهوم الضيق. بل هي قضية عربية إسلامية لأنها حق إسلامي عربي فلسطيني ومن الخطأ الكبير أن يحاول البعض حصر الصراع من قبل الاحتلال الإسرائيلي حول القدس والمسجد الأقصى ومقدسات القدس كأنه صراع فقط مع الشعب الفلسطيني. فمصدر القوة الإيجابية في هذا الموضوع تحديدا هو أن يفهم الجميع، بما فيه الاحتلال الإسرائيلي أنه يوم أن يحتل القدس ومقدساتها والمسجد الأقصى فهو يصر على إعلان حرب على كل العالم العربي والإسلامي وليس فقط الفلسطيني. أنا لا أدعو إلى حرب دينية. أصلا الحرب الدينية معلنة من قبل الاحتلال الإسرائيلي منذ اللحظة الأولى التي احتل فيها القدس والمسجد الأقصى.

إيلاف: ما تقوله هو إن الأصول الدينية للصراع موجودة ولكن المشكلة في الجانب العربي والإسلامي أن هناك من يغيب هذا البعد الديني في الصراع ويريد التركيز على الصراع الوطني والقومي وهذا يضعف القوة في الدفاع عن الأقصى!

الشيخ رائد صلاح: نحن نعتقد أنه من الواجب الدمج بين كل هذه الأبعاد في الموقف الواحد. أي أن هذه القضية بما أنها تقوم في الأساس على حق إسلامي عربي فلسطيني فيجب أن ندمج كل مصادر القوة التي يجب أن تنتصر لهذه القضية: إن كان المصدر الوطني أو المصدر القومي أو المصدر العالمي الإسلامي يجب أن تدمج في موقف واحد لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي مواجهة مباشرة وليس كما كان في الماضي وحتى هذه اللحظات وهو التأييد من بعيد فقط.

إيلاف: ماذا تعني بالمواجهة المباشرة؟

الشيخ رائد صلاح: عندما أقول ذلك فإنني أعني إن العالم الإسلامي والعربي مطالب بمواجهة مباشرة، لا أدعو إلى رفع شعار بهذه الكلمات البراقة وانتهى الأمر. فموقف المواجهة المباشرة له تبعات يجب أن يقوم بها العالم الإسلامي والعربي جنبا إلى جنب مع الدور الفلسطيني القائم أصلا. أعني بذلك وفي الأساس ، بعيدا عن التفاصيل، أنه عندما يكون الموقف الإسلامي والعربي واضحا ويقول بلا تلعثم ولا ردد إنك أيها الاحتلال الإسرائيلي ما دمت تواصل احتلال القدس والمسجد الأقصى فإنك تعلن حربا علينا وعلى سيادتنا الإسلامية الفلسطينية في القدس والأقصى وأن من حقنا الكامل أن ننتصر لهذه السيادة وأن ندافع عنها، فأنا في تصوري أنه يوم أن يكون هذا الخطاب بهذا الوضوع وبهذه الرسالة الواضحة، فسيتغير في تصوري الشيء الكثير في نظرة الاحتلال الإسرائيلي للطرف الذي يواجهه. فالاحتلال الإسرائيلي يحاول اليوم أن يقول إن قضية القدس والمسجد الأقصى هي قضية فلسطينية يمكن أن نتفاهم حولها مع الطرف الفلسطيني. وأكثر من ذلك فإن الاحتلال الإسرائيلي يحاول اليوم تقزيم القضية أكثر من ذلك وأن يقول إن الوضع في القدس والأقصى مستقر ومن يقوم بمواجهة الاحتلال هي أطراف تريد إثارة الشغب ليس إلا.


إيلاف: أنت تذكرني بالورقة الإسلامية التي لوح بها الرئيس الفلسطيني الراحل أبو عمار عندما حاولت إسرائيل الضغط عليه في ملف القدس فأعاد الملف إلى العالم العربي والإسلامي وكانت النتيجة حصار شديد فرض عليه، وما تقوله أنت اليوم للعالمين العربي والإسلامي: القدس والأقصى هما مسئوليتكم وليس فقط مسئولية الفلسطينيين، وهو قوله ستكون له تبعات من الجانب الإسرائيلي بدأت بوادره بمحاولة إبعادك، خلف القضبان، بعيدا عن المشهد الفلسطيني والإسلامي في إسرائيل إلى السجن!

الشيخ رائد صلاح: أوافقك على هذا التحليل وأقول نعم هذا الأمر ستكون له تبعات وقد يدفع البعض من وراء ذلك ثمن معين، وأنا مستعد ذلك بلا تردد وأقولها بافتخار وليس بندم ولذلك دعني أوضح الفكرة أكثر حتى أطمئن أنني واضح في موقفي من خلال المثال كالآتي: لو تصورنا الفرضية القادمة، والتي أعوذ بالله أن تقع، فلو تصرفنا أن الاحتلال الإسرائيلي باحتلال مكة المكرمة والكعبة المشرفة، ماذا سيكون الرد العربي والإسلامي، هل سيقولون إنها قضية سعودية أما أنها باتت قضية الأمة العربية والإسلامية. وأقول لك إن الجواب واضح وسيقوله الجميع بلسان واضح دون تردد بأنها قضية كل الأمة الإسلامية والعالم العربي وليست قضية سعودية فقط. وبناء على هذا الإجماع فسينطلقون جميعا معتبرين أنفسهم في المواجهة المباشرة للاحتلال الإسرائيلي وليس السعودي فقط، وهذا يعني ما يعنيه في موازين الرد والقوة السياسية ، والمواجهة على مستوى إقليمي أو عاملي. وأنا أقول إنه بما أنه لا فرق بين القدس ومكة المكرمة وبين المسجد الأقصى والكعبة المشرفة من حيث كونها قضية تدرك من ناحية دينية بأنها ذات أبعاد دينية تاريخية حضارية إسلامية عربية فلسطينية، كما تُعامل مكة والكعبة المشرفة يجب أن تعامل القدس والأقصى. لا يمكن لي أن أفهم أي موقف لحاكم مسلم أو عربي لا يعتبر علانية ولا يصرح علانية بهذا الخطاب المطلوب الآن، باعتبارها قضيته المباشرة وليس مجرد قضية يؤيدها من بعيد.

إيلاف: لننتقل الآن من ملف القدس والأقصى لأعود غلى البدايات، فأنت بدأت مشروعك الإسلامي في بلدية أم الفحم عام 1988، ثم استقلت من منصبك، وعلى مدار هذا المشوار، عملت بشكل متوازي في عدة جبهات: بناء ما أسميته أنت quot;مشروع المجتمع العصاميquot;، ترميم وإصلاح واسترداد ما أمكن من المقدسات الإسلامية في إسرائيل quot;مسجد صرفند ومسجد سيدنا علي، ومقبرة القسام في حيفا، وإحياء شد الرحال إلى المسجد الأقصى..ماذا أردت من كل هذا المشوار..بدات في مجال الخدمات البلدية، ورفضت يومها الخوض في السياسة ولا حتى مع وسائل الإعلام، وإذ بك اليوم على رأس خط المواجهة في ملف القدس والأقصى. عشرون عاما من العمل البلدي وصولا إلى أكثر الملفات سخونة الأقصى؟

الشيخ رائد صلاح: دعني أقول لك. لقد قضيت في بلدية أم الفحم فترة طويلة، 12 عاما ولا شك أنني استفدت من هذه التجربة الطويلة ومن أهم ما استفدته أننا لا يمكننا أن نفصل أي دور نريد أن نخدم فيه مجتمعنا في الداخل الفلسطيني أو نريد من وراءه أن نتحقق في الحصول على حقوقنا أن نفصل هذا الدور عن البعد السياسي إن كان محليا أو على صعيد أوسع. أنا وصلت إلى قناعة، ولا شك أن كثيرين غيري، وصولا أيضا إليها، تقول بأن الظلم الإسرائيلي والعنصرية الإسرائيلية، مثلا عندما لا تزال تمنع بلدية أم الفحم من حقها الطبيعي من التوسع في أراضيها ليس لسبب فني محض أو هندسي محض بل لأن هناك سبب سياسي في ذهن المؤسسة السياسية يدفعها لهذا التصرف. وأيضا عندما تقوم المؤسسة الإسرائيلية بممارسة التمييز العنصري ضدنا وتصادر حقوقنا اليومية في مختلف المجالات، فهي لا تقوم بذلك لقلة الإمكانيات وإنما من منطلق ذهنية سياسية ..لذلك عندما عشت في بلدية أم الفحم وصلت غلى هذه القناعة بأن المؤسسة الإسرائيلية تتعامل معنا في الداخل الفلسطيني على اعتبار أن وجودنا مؤقت في حساباتها وهو وجود الغريب وليس وجود الإنسان صاحب الحق الشرعي في بيته وأرضه ومقدساته. من هنا بدأت تترسخ عندي قناعة بأن تعامل المؤسسة الإسرائيلية معنا على المستوى الاستراتيجي البعيد المدى هو تعامل من يعمل بصمت للوصول إلى ترحيلنا عن أرضنا وبيوتنا ومقدساتنا تكرار لمشهد النكبة الفلسطينية.

إيلاف: أنت تتحدث عن قناعات تبلورت وترسخت وأنا أتساءل عن هذه القناعات إزاء الأسس العقائدية البديهية عند رجل في قامتك وإدراكك ووعيك بالإسلام التي يفترض أن تجعل هذه القناعات عندك بديهية على اعتبار أننا في دولة غير إسلامية وتحت حكم غير إسلامي بل إن أقل ما يقال فيه إنه يعادي كل ما يتعلق بالحركات الإسلامية فلماذا كانت هناك حاجة لك بالتجربة لبلورة هذه القناعات بينما كان يفترض فيها أن تكون بديهية؟

الشيخ رائد صلاح: كانت هناك حاجة لقناعات لأن التجربة الميدانية لم تكن عندي على الإطلاق. فكما هو معلوم أنني أنهيت دراستي للشريعة في الخليل، وفور إنهاء تعليمي دخلت السجن، كان ذلك في العام 79-80 وبعد خروجي من السجن كنت في وضع عادي أجتهد أن أقوم بواجباتي الدينية ومهماتي الدعوة، كإنسان من الحركة الإسلامية ، واجتهدت بشكل طبيعي أن يكون لي بيت وأسرة، وحتى تلك اللحظات لم تكن لي تجربة مع المؤسسة الإسرائيلية بهذا البعد الشامل والعميق. وعندما دخلت بلدية أم الفحم وبدأت الخوض في كل ما هو مطلوب مني في كافة المجالات من التعليم إلى الصحة والتخطيط الهندسي إلخ بدأت أصطدم بنفس السبب الذي يواجهنا في كل الدوائر ويمنع منا الحصول على حقوقنا ويكرس اضطهادنا على الأساس الديني أو القومي أو مصادرة حقوق مع سبق إصرار وترصد. بدأ هذا يتكرر معي في كل اللقاءات التي بدأت أعيشها. أبعد من ذلك أنا من الناس الذين بدأ يتضح لي أن مقولة وجود معسكر يمين ومعسكر يسار في المجتمع الإسرائيلي هي مقولة تميل إلى الكذب أكثر منها إلى الواقع وهي مضخمة ولا يوجد لها رصيد في الواقع إلا في بعض الرتوش الإعلامية.
هذه القناعات تزداد عندي يوما بعد يوم، لا أقول من خلال قراءة الكتب وإنما من خلال تجربة بدأت أعيشها، وأنا بدأت أواجه هذا الظلم إما على جلدي وإما حقوقي وحقوق كل مجتمعنا الفلسطيني في كل ما هو يعانيه من ظلم.

إيلاف: وبناء على هذه القناعات، وقفت ضد خوض الحركة الإسلامية لانتخابات الكنيست عام 1996، وقد قال لنا النائب مسعود غايم ( عن الحركة الإسلامية الجنوبية) إن قراركم لم يكن ناتجا بالضرورة عن موقف عقائدي مبدئي بقدر ما كان مبنيا على حسابات الربح والخسارة!

الشيخ رائد صلاح: في تصوري يدمج في هذه القضية الفهم الواقعي لخلفية الكنيست مع الفهم الشرعي الذي أتبناه كمسلم لأن فهم الشرع يعتمد في كثير من الحالات على فهم الواقع، لأن النظرة الشرعية تعتمد في كثير من الحالات على إدارك الواقع الذي نعيشه بمعنى أننا عندما بدأنا ننظر إلى الكنيست ما هي، وجدنا أنها أولا إفراز من الإفرازات الصهيونية، ثانيا عندما نظرنا إلى تجربة أعضاء الكنيست العرب على مداها الطويل وجدنا أن وضعية الكنيست، منعت أي عضو كنيست عربي من القيام بدور حقيقي مؤثر في خدمة مجتمعنا الفلسطيني في الداخل الفلسطيني. وقلت ولا أزال أقول إن هذا الفهم لم يكن في يوم من الأيام اتهام شخصي لأعضاء الكنيست العرب. نحن ما زلنا نقول إنهم حاولوا ويحاولون بذل الجهود ولكن وضعية الكنيست كما رسمت سلفا حتى تكون بالنسبة للمجتمع الفلسطيني في الداخل الفلسطيني منبر احتجاجي ليس إلا.
وهناك أبعاد أخرى وجدنا من خلال دراستنا للكنيست كتجربة وكمشروع من إفرازات المشروع الفلسطيني أننا في نهاية المطاف ما دمنا نعتبر أنها من إفرازات المشروع الصهيوني وما دمنا نعتقد أن تجربة أعضاء الكنيست العرب على مدار كل السنين، وجميع أشخاصهم لم يستطيعوا أن يقدموا شيئا للمجتمع الفلسطيني وكانت الكنيست مجرد احتجاجي، لا سيما وأنا وجدنا أيضا أن الخطاب الصهيوني في العالم يحاول أن يدعي أنه خطاب ديموقراطي اعتمادا على وجود بعضنا في الكنيست علما أن هذا الوجود ليس سوى وجود احتجاجي ليس أكثر، مما يعني من حيث لا نقصد، تجميل وجه الخطاب الصهيوني في العالم على حساب استمرار الظلم ضدنا. اعتمادا على كل هذه الإشكاليات وصلنا إلى قناعة شرعية تعتمد على فهم الواقع والمصلحة، ودراسة التجربة، تقول بأنه لا يجوز إطلاقا المشاركة في انتخابات الكنيست؟

إيلاف: لكنك مع ذلك لم تدع إلى مقاطعة انتخابات الكنيست ووضعت سلسلة مقالات تحت عنوان لا إكراه في الكنيست؟
الشيخ رائد صلاح: صحيح، فقد حاولت أن أثير التساؤلات التي أعتقد أنها يجب أن تثور في داخل ضمير لدى كل واحد منا.

إيلاف: ولكن لماذا أحجمت عن إصدار دعوة صريحة ضد الانتخابات برغم وزنك وثقلك في المجتمع الفلسطيني في إسرائيل؟

الشيخ رائد صلاح: نحن ندرك أننا في وضع نحاول أن نحرص فيه على عناوين أوسع وأشمل للتلاحم بيننا مثل لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، فهي الأساس في نظرنا لجهودنا وتطلعاتنا، وحرصنا على المحافظة على وحدة هذه اللجنة وأداء دورها وتحسينه، لذلك وجدنا من المناسب في خطابنا حول الكنيست أن نكتفي بعرض تقييمنا وعرض تساؤلاتنا وترك كل شعبنا الفلسطيني في الداخل أن يدرك هذه الأبعاد وأن يختار بنفسه الموقف الفردي الأخير لم نشأ القيام بدور يفهم الآخرون بأنه محاولة لفرض موقف على الجميع. وما أردنا بصراحة الدخول في مواجهة مع المكونات السياسية لشعبنا الفلسطيني في الداخل حتى لا يؤثر ذلك سلبا على مسيرتنا التي نطمح فيها في يوم من الأيام أن نحسن دور لجنة المتابعة وصولا إلى انتخاب لجنة المتابعة من كل الجماهير الفلسطينية في الداخل الفلسطيني لذلك تبنينا هذا الخطاب ولا زلنا نؤكد في بياننا الرسمي بأننا كحركة إسلامية لا نشارك في انتخابات الكنيست وأن الحركة تدعو أحبابها وأعضائها أن يتخذوا موقفهم بناء على فهمهم العقائدي وحسهم الوطني اليقظ.

إيلاف: ما هو موقفكم من طروحات أيالون وليبرمان quot;بالتبادل السكانيquot; وإعادة المثلث مثلا غلى الدولة الفلسطينية ؟

الشيخ رائد صلاح: دعني أصحح هذا الأمر وأقول إنه ن الخطأ تداول هذه الفكرة وكأنها فكرة ليبرمان. هذه ليست فكرة ليبرمان ليبرمان هو بوق أعلن عن الفكرة، ولكن هذه الفكرة لها جذور قديمة في المؤسسة الإسرائيلية، وأول من صرح بها كان رعنان كوهين، سكرتير عام حزب العمل سابقا، الذي يمثل كما كنا نتوهم quot;هذا الجسم ألحمائمي اليساريquot; كما كان يُعرف في السابق. هناك فرق كبير بين طرحها كفكرة لشخص وبين كونها فكرة تمثل مؤسسة إسرائيلية رسمية تتبناها كإستراتيجية تحاول أن تصل في التعامل معنا في نهاية المطاف إلى هذه الإستراتيجية. ففهم هذا الأمر بهذه الصورة، يوضح لنا حقيقة أن الحديث عن quot; تبادلquot;هو المسمى الجميل للعملية لكنهم يقصدون من وراء هذا التعبير ترحيلنا.
إيلاف: ولكن أن تكون أم الفحم تابعة للواء جنين بدلا من لواء حيفا أليس ذلك افضل؟

الشيخ رائد صلاح: يعني دعني أتناول هذا الطرح بمفهومه الرسمي، أي ضم أم الفحم مثلا لمحافظة جنين، دعني أسأل سؤال : ما هي مكانة محافظة جنين في الواقع السياسي،؟ محافظة جنين تخضع للاحتلال الإسرائيلي. لغاية الآن فإن الضفة الغربية برمتها تخضع للاحتلال الإسرائيلي ماذا يعني ذلك؟ هذا يعني أن ضم أم الفحم غلى محافظة جنين هو ضم أم الفحم من واقع إسرائيلي إلى واقع إسرائيلي. من واقع إسرائيل يعرف هنا بأنه مبني على نظام مدني غلى واقع إسرائيلي آخر مبني على نظام عسكري احتلالي هذه هي المحصلة النهائية. ألا يصر مثلا الاحتلال الإسرائيلي على تهويد الضفة الغربية والقدس وغيره هذا يعني أن الاحتلال يواصل تهويد الضفة الغربية وبالتالي فإن هذا المشروع عندما يطرح وكأن المقصود هو ضم أم الفحم أو المثلث إلى الدولة الفلسطينية هو كذبة كبيرة، حقيقة جوهرها هو احتل ليس إلا.