عادت أزمة الخطوط الجوية الكويتية ndash; العراقية إلى الواجهة بعد عشرين عاما وذلك عند حجز طائرة عراقية في لندن بناء على حكم قضائي لصالح الخطوط الكويتية. وعلى الأثر استصرحت إيلاف عددا من المراقبين للوقوف عند رأيهم فكان إجماع على ضرورة المعالجة بعقلانية من قبل حكومتي البلدين.

تفجرت مجددا هذا الأسبوع أزمة بين الخطوط الجوية الكويتية ونظيرتها العراقية بعد مرور 20 عاما تقريبا، وذلك بسبب خلاف مالي مع الخطوط الكويتية يعود الى استيلاء النظام العراقي حينها على سبعة عشر طائرة تملكها الخطوط الجوية الكويتية التي تطالب العراق بدفع 1.2 مليار دولار.
وقد تفجرت الأزمة يوم الأحد الماضي عندما بدأت أول رحلة للخطوط العراقية لتدشين خط لندن، وبمجرد هبوط الطائرة في مطار لندن كان في إنتظارها حكم قضائي صادر من محكمة لندن يقضي باحتجاز الطائرة العراقية، وذلك بناء على دعوى قضائية تقدمت بها شركة الخطوط الجوية الكويتية ضد نظيرتها العراقية تداولتها المحاكم البريطانية خلال السنوات الماضية.
وقد طالبت الشركة الكويتية يوم الجمعة الماضي أمام محكمة لندن العليا بتسديد مبلغ 1,2 مليار دولار، واتهم محامي الخطوط الكويتية ديفيد سكوري الخطوط العراقية برفض الايفاء بالتزاماتها وquot;بالحنث بالقسم والاحتيال وتضليل القضاءquot;.

ولكن للأزمة تداعياتها وأبعادها وأسبابها وآثارها. . ولكن السؤال الذي يطرح نفسه على الساحة هل ستلقي الأزمة بين الخطوط الجوية الكويتية ونظيرتها العراقية بظلالها على العلاقات بين البلدين؟ هذا ما سنتعرف إليه في الأسطر التالية من خلال هذا التحقيق.

17 طائرة استولى عليها صدام
في البداية قال رئيس الطيارين وعضو مجلس إدارة الخطوط الجوية الكويتية سابقا والكاتب سامي النصف إن المشكلة بدأت بين الخطوط الجوية الكويتية ونظيرتها العراقية عام 1990 بعد استيلاء نظام صدام آنذاك على سبعة عشر طائرة تملكها الشركة الكويتية بأنواع مختلفة، وقد دمر بعضها مع بداية الغزو، وفي الموصل في العراق بعد عام 1991 إبان التحرير ضمن حرب تحرير الكويت، وبقية الطائرات تم تهريبها إلى إيران من جانب النظام العراقي آنذاك. وبعد حرب تحرير الكويت ولأن الطائرات الكويتية مؤمن عليها لدى شركة لويدز البريطانية فقامت الأخيرة برفع دعاوى قضائية في لندن أمام المحاكم البريطانية، حيث طالبت العراق بالتعويض عن الطائرات التي خسرتها الشركة، وذلك لأن الخطوط العراقية إستخدمت الطائرات الكويتية وتسبب هذا الاستخدام بتدميرها.

حكم قضائي لصالح الكويت
وشرح أن الخطوط العراقية أدلت برأيها في الموضوع وصدر الحكم من المحكمة البريطانية لصالح الكويتية بنحو مليار ومئتي مليون دولار، إلا أن الدولة العراقيةكما الشركة لم تحاولا معالجة الأمر، إذ كان بالإمكان سداد جزء نقدي والآخر عيني كالمشاركة في خطوط أو مشروعات مشتركة، لأن الشركة العراقية دمرت بسبب وضع الحرب في الوقت الذي تمتلك فيه الشركة الكويتة شركة حجز، وشركة تزويد الطائرات بالأغذية وغيرها، وكان بإمكان العراقية أن تأتي بحلول لحل هذا الإشكال خاصة وان الكويتية ميزانياتها مغلقة منذ ما يقارب من أربع سنوات ولديها خسائر وديون تقدر بنحو 800مليون دولار، فلا يعقل بوضع كهذا أن تتنازل الكويتية التي عليها هذا الحجم من الديون وهي في الحقيقة على حافة الإفلاس عن ديون الشركة العراقية.

أخطاء عراقية
واضاف أن هناك عدة أخطاء وقع فيها الجانب العراقي منها أن العراق لم يحاول أن يتوصل إلى حل حول هذه المديونية ما حدا ببعض الأصوات إلى المناداة بالدين كله فهذا الخطأ الاول من الاخوة العراقيين، أما الخطأ الثاني هو أن الرحلة الاولى للشركة العراقية كانت إلى لندن وليست عاصمة اخرى، والعراقية تعلم أن القضايا مرفوعة ضدها في لندن والأحكام صادرة من لندن، وأن مكتب المحاماة الذي وكلته الشركة الكويتية يقع في لندن، وبالتالي فإن العمل الذي يفترض القيام به هو حجز الطائرة، والتساؤل الحقيقي هو لماذا لم يتم حل هذا الإشكال خلال عشرين عاما، ولماذا كانت الرحلة الأولى إلى لندن، ومن ثم إستغلت من قبل بعض المغرضين لدى العراق الشقيق للإساءة إلى الكويت ونذكر ما قاله العضو عزت الشبندر ndash;والكلام للكاتب سامي النصف-quot;من أن الكويت في حاجة إلى صدام آخرquot;إنتهى كلام النائب العراقي، ومضيفا أنه على الرغم من أن العلاقات بين ألمانيا وفرنسا وإنكلترا ساءت في مراحل كثيرة طيلة الخمسة والستين عاما الماضية إلا أن أحدا لم يجرؤ قط في ألمانيا على القول إن فرنسا وبريطانيا تحتاجان إلى هتلر آخر، لأن هذه الامور لاتذكر بهذا الشكل، ولاتحل لأنه بالنهاية تسبب في تدمير وقتلى وضحايا، وهذا الكلام لا يقال في علاقة بين بلدين شقيقين.


تغيير النهج

وبيّن النصف أن الدرس المستفاد هذه المرة أن العراق بحاجة إلى تغيير النهج السابق القائم على مطالب يطلبها ويفرضها الشقيق الأكبر مع الشقيق الأصغر، لأن هذا الامر غير قائم أو معمول به في العلاقات الدولية التي تتساوى فيها الدول صغيرها وكبيرها، والعراق هي الدولة الصغرى بالنسبة لدول مثل إيران وتركيا، والعراق بحاجة لتغيير هذه الإشكالية، وكان من الممكن عمل شراكة بين الشركتين في مجالات عدة في مجال الانظمة الآلية والاغذية التي تمتلكهما الشركة الكويتية.

ظلال سلبية على العلاقات
وحول مدى تأثر العلاقات بين البلدين بهذه الأزمة وأنها ستلقي بظلالها عليهما أوضح قائلا: بالقطع ستلقي بظلالها السلبية على العلاقات السياسية بين البلدين ويفتح المجال للخائضين بالمياه العكرة والراغبين في إساءة العلاقات بين الجانبين، لذا نرجو من البلدين أن يضعا المشاكل العالقة على الطاولة ويحاولان حلها عن طريق ممكن ولا طلب المستحيل، فضلا عن أنه لم يكن هناك تحرك جدي في قضية التعويضات من جانب العراق، لأن قضية الشركة الكويتية خارج نطاق هذه التعويضات التي صدر فيها عدة احكام وتداولت منذ سنوات طويلة في المحاكم البريطانية بعلم الخطوط العراقية دون تحرك إيجابي منها.

تطابق الأجندة مع متطلبات العراقيين
وشدد النصف على ان الكويت من الدول القليلة جدا التي تتطابق أجندتها السياسية والإقتصادية مع متطلبات الشعب العراقى بمعنى أن الكويت لا تضرّ ولا تحرج من تعزيز العملية الديمقراطية في العراق، فضلا عن أن الإنتعاش الإقتصادى للعراق وتسارع عمليات التنمية فيه لا تحرج الكويت ولا تضر منه، بالعكس هناك من بعض جيران العراق الذي يحرجهم المسار الديمقراطي والإنتعاش الإقتصادي أمام شعوبهم لذا يسعون إلى عرقلة الديمقراطية في العراق وأيضا الإضرار بالعملية التنموية.

رغبة في الحل
وحول تصوره المستقبلي للأزمة الراهنة بين الشركة الكويتية ونظيرتها العراقية أشار النصف إلى أن وزير النقل العراقي له الرغبة في حل هذا الإشكال، واعتبرها أنها الخطوة الأولى الصحيحة طالما إحتوت مقترحات إيجابية لحل هذه المشكلة العالقة، ثم بعد ذلك يأتي دور الكويت والخطوة الكويتية لحل هذا الإشكال.

بعد سياسي
ومن جانبه رأى السفير الدكتور عبدالله يعقوب بشارة، الأمين العام الأسبق لمجلس التعاون الخليجي: أنه لابد من تدخل السلطة السياسية وألا يترك الموضوع للفنيين لأن له بعدا سياسيا، ويجب أن يتم التعامل معه في ضوء طبيعة العلاقات بين البلدين، وداعيا إلى ضرورة تحرك الخارجية الكويتية وألا يترك الأمر لشركة الخطوط الجوية الكويتية أو للمحامي في لندن لكي يتصرف وذلك لأن الموضوع له أبعاد سياسية ولابد أن توضع في إطار العلاقات الثنائية. ومضيفا أنه لابد من المعالجة السياسية بطريقة مختلفة ويكون فيها النفس السياسي والشمولي أي برؤية شاملة في إطار العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين.

ضرورة الاتفاق على آلية السداد
ومن جهته إستبعد الدكتور شملان العيسى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت أن تلقي هذه الأزمة بظلالها على العلاقات بين البلدين، بل رأى ضرورة أن يتفق البلدان على آلية السداد بعيدا عن تصريحات وتأجيجات النواب في كلا البلدين، وأن الأمور تحل بمنطقية وعقلانية ووديا بعيدا عن التشنج السياسي بين البلدين، ومطالبا النواب في برلماني البلدين عدم التدخل في مثل هذه القضايا لأنها من شأن حكومتي البلدين وليست من إختصاص النواب.