وصفت الصحف البريطانية قضية شبكة التجسس الروسية بالمسرحية الهزلية الصاخبة.


أهملت بعض كبرى الصحف الأميركية التعليق في افتتاحياتها على قضية شبكة التجسس الروسية المزعومة في الولايات المتحدة الأربعاء، ربما لأنها علقت بما يكفي في الأيام القليلة الماضية.

لكن quot;نيويورك تايمزquot; خرجت برأي للمعلق ديفيد وايز تساءل فيه عما إذا كان الخبر يعني عودة الى أيام الحرب الباردة. ويخلص هذا الكاتب الى القول إن هذا الافتراض نفسه خطأ لأن الحرب الباردة لم تنته في المقام الأول، على الأقل بالنسبة إلى أجهزة المخابرات على الطرف الروسي.

أما في بريطانيا، فثمة من يتحدث، وسط الصحف الرصينة، عن أن الأمر برمته لا يتعدى مسرحية هزلية صاخبة. فقالت quot;تايمزquot; إن اولئك quot;الجواسيسquot; ظلوا يعملون، كما قيل، منذ التسعينات مستخدمين أشياء مثل الحبر الخفي، والأموال المدفونة ويتخاطبون مع بعضهم بعضا بالشيفرة على غرار الجواسيس في روايات جون لو كاريه.

وكل هذا، تقول الصحيفة، وهم يحاولون التغلغل في دوائر صنع القرار الأميركي كما قيل لنا. إذا كان هؤلاء جواسيس فعلا، فمن الواضح انهم غير مؤهلين لهذه المهمة. فقد ظلوا نصب عين مكتب التحقيقات الفيدرالي quot;إف بي آيquot; لأعوام طويلة. لكن التهم الموجهة رسميا اليهم حتى لآن لم تتجاوز غسيل الأموال وجرائم أخرى أقل خطورة (ربما الفشل في تسجيل أنفسهم على أنهم جواسيس لـquot;اس في آرquot; خليفة quot;كيه جي بيquot;). إذا كان هؤلاء جواسيس للإس في آر، فهذا يجعل من جهاز الاستخبارات الروسي أقرب الى أوستن باورز منه الى جيمس بوند.

وبنغمة أكثر جدية تمضي quot;تايمزquot; لتقول: quot;استمتاعنا بهذه المسرحية الكوميدية يجب الا يعمينا عن بعض الحقائق الساطعة التي تصب في خانة أن موسكو ترفض حتى الآن تجاوز مفهوم الحرب الباردة. وما يقلقنا هنا أنها، على سبيل المثال، اغتالت عميلها السابق المنشق الكسندر لتفينينكو، بالإشعاع الذري في مطعم للسوشي في لندن في 2006. هذا، على الأقل، لم يكن فصلا كوميديا.

وتقول الصحيفة إن رئيس الوزراء الروسي، فلاديمير بوتين، هو المسؤول عن منع الدبلوماسية الروسية من التطور والرقي بإصراره على اتباع سبل الحرب الباردة. لكنها تقر بأن بريطانيا نفسها لا تسلم من النقد، بعدما طالتها اتهامات في العام نفسه بأنها زرعت جهازا للاتصال في تجويف بصخرة داخل موسكو. أما في الولايات المتحدة فيحتار المرء إزاء حقيقة أن quot;إف بي آيquot; ظل يرصد أنشطة الجواسيس المزعومين لأكثر من عقد من دون ان يلقي القبض على أي منهم.

ربما كان أفراده يستمتعون باللهو بهم على هذا النحو ولا يريدون لتلك المتعة أن تأتي الى ختام.
وتختتم الصحيفة بنصيحة الى بوتين والرئيس ميدفيديف كالآتي: quot;الستار الحديدي ما عاد قائما. وإذا كان الزعيمان الروسيان حريصين فعلا على معرفة ما يدور في الولايات المتحدة فثمة سبيل مباشرة وسهلة: مكالمة بالهاتف مع البيت الأبيضquot;!

ومن جهتها قالت quot;فاينانشيال تايمزquot; إن روسيا لن تستسيغ الكشف عن اي عملاء لها. لكنها يجب أن تسأل نفسها عن السبب في هذا. فقد صارت بأنشطتها التجسسية مصدر ضيق عظيم في الغرب. وردة الفعل على اغتيال عميلها المنشق الكسندر لتفينينكو على نحو بشع في لندن مثال لذلك. وهي تصرف، من دون داع حقيقي، الجهود الاستخبارية التي يجب ان تخصص لملاحقة الجهاديين.

وقد تشعر موسكو الآن، تبعا للصحيفة، بأن عليها رد الصاع. لكن عليها، قبل هذا، ان تفكر في ما ستجنيه من وراء الانتقام، وهو لا يتعدى فقدان الثقة مجددا بينها وبين الغرب. وربما أنها لا تزال تعتبر التجسس quot;مهنة نبيلةquot;. لكنها إذا كانت حريصة على علاقات طيبة معنا فحري بها على الأقل أن تكون أكثر حصافة في عملياتها التجسسية.

وقالت quot;ديلي تلغرافquot; من جانبها إن ما يجب أن يخجل موسكو الآن ليس هو رفع النقاب عن شبكة عملاء لها في الولايات المتحدة وإنما تجسسها بأساليب عفّ عليها الزمن وأكل وشرب، مثل الأسماء المزوّرة والحبر الخفي، أشياء كان يتعين على المخابرات الروسية التخلي عنها مع سقوط الستار الحديدي.

وتمضي الصحيفة قائلة إنه في عالم تسمح فيه تكنولوجيا الأقمار الاصطناعية بالتنصت على مكالمات قادة quot;طالبانquot; في الممرات الجبلية القصيّة، وتسمح فيه تكنولوجيا الكمبيوتر للعارفين باختراق خزانات المعلومات الحكومية، يدهش المرء إزاء تخلف موسكو في هذا المضمار ولجوئها الى أساليب التجسس العتيقة تلك. إذا كان لها ان تتجسس بنجاح على الغرب فيستلزم لها اللحاق بركب التكنولوجيا العصرية.