انطلقت إيلاف من تقرير صدر عن وزارة الخارجية الأميركية حول شبكات التجارة بالبشر الذي تقع ضحيتها مغربيات يجبرن على ممارسة الدعارة في دول الخليج، لتجري تحقيقًا حول الموضوع ونقل تجربة إحداهن بعد ان استمعت الشرطة الى أقوالها عند تفكيكها لإحدى هذه الشبكات التي تتستر تحت غطاء فني.

أعاد التقرير الأخير لوزارة الخارجية الأميركية حول التجارة بالبشر إلى الواجهة تجارة الرقيق الأبيض، الذي تسقط في شباكه سنويًّا الآلاف من المغربيات. وأكد التقرير أن النساء المغربيات يجبرن على ممارسة الدعارة في دول الخليج، إضافة إلى الأردن، وليبيا، وسورية، والدول الأوربية، وأن بعضهن فرضت عليه قيودًا في الحركة، وجرى تهديدهن والاعتداء عليهن جسديًّا ومعنويًّا.
وأوضح التقرير أن 4518 امرأة دخلت لبنان بتأشيرات فنية السنة الماضية من أوروبا الشرقية، وتونس، والمغرب، للعمل في صناعة quot;الترفيهquot; في لبنان.


ويأتي هذا التقرير في وقت يتوقع أن تكون السلطات المغربية شرعت في إيفاد لجان تقص وبحث إلى بعض دول الخليج للقيام بأبحاث في شأن وقوع نساء مغربيات ضحايا شبكات الدعارة والاتجار بلحوم البشر.

جبل الجليد العائم

كل ما جرى كشفه حتّى الآن حول شبكات الاتجار بالبشر لا يمثل سوى قمة جبل الجليد العائم. فحكايات السقوط في فخاخ هذه الشبكات لا يجمع بينها سوى طبيعة نهاية المسار، الذي تصل إليه كل واحدة، بعد أن يجري استغلالهن بأبشع الطرق في هذا المجال.
ومن بين هذه الحكايات قصة سعيدة (ج)، التي لم تعد السعادة تطرق بابها، على الرغم من تحقّق حلمها في السفر إلى إحدى الدول العربية، حيث اعتقدت أنها حصلت على وظيفة تنقذها هي وعائلتها من غول الفقر.

تروي سعيدة، حسب ما جاء في محضر الشرطة التي استمعت إلى أقوالها في ملف شبكة تتاجر في البشر، quot;في سن 22 تخليت عن دراستي الجامعية، وقررت أن أبحث عن عمل نظرًا لضعف الحالة المادية لعائلتي. تعرفت على شخص يعمل بإحدى القنصليات، الذي وعدني بالمساعدة، وهكذا اقترح علي السفر للعمل في أحد الفنادق خارج المملكةquot;.

وأضافت سعيدة، في المحضر الذي حصلت quot;إيلافquot; على نسخة منه، quot;طلب مني مبلغ 40 ألف درهم (4447 دولارًا)، ونسخة من جواز سفري، وبعد انتظار طويل عرفني على سيدة سبق لها أن عملت في الظروف نفسها، إذ عرفتني بدورها على مدير شركة إنتاج فني. هذا الأخير أبلغني أن عملي في الفندق هو الرقص وليس الاستقبال. بالفعل سلمته جواز سفري ومجموعة من الوثائق، وكذلك مبلغ 2000 درهم (222 دولارًا).

بعد أسبوعين، تحكي سعيدة، quot;حصلت على تأشيرة، وسلمني المدير تذكرة الطائرة، وعقد العمل، وعقد آخر يجعل منه مديري الفني. بهذه الصفة سيسحب خمسة دولارات يوميا من راتبي الشهري. بعد رحلة برفقة العديد من الفتيات المغربيات، حللت بالبلد المضيف، حيث استقبلني مدير الفندق المفترض أن أشتغل فيه وأول ما قام به هذا الأخير، هو سحب جواز السفر مني ليحتفظ به. وهكذا بدأت معاناتي، حيث لم يكن لدي الحق في مغادرة الفندقquot;.

وكان علي، تؤكد المعنية بالأمر، أن quot;أشتغل لساعات طويلة حتى آخر الليل في المراقص والملاهي. أضف إلى ذلك تعرضي مرات عديدة للاستغلال الجنسي. عدت إلى المغرب وانتظرت 7 أشهر قبل أن أتصل بالمدير الفني الذي أرسلني هذه المرة إلى فندق آخر ثم منه إلى فنادق مختلفة. وفي جميع هذه الفنادق اشتغلت كراقصة مقابل راتب شهري مقدراه ألف وخمسمائة دولار، 200 منها تعود إلى مدير الشركة.

وختمت سعيدة حكايتها بالقول quot;تلك هي الطريقة المتبعة من طرف هذا الأخير مع كل الفتيات المغربيات المبعوثات من طرف شركته، غير أنني أود التأكيد على أن ما يعرف بعقد العمل يتحول في الأخير إلى عقد للاستغلال الجنسي. فبموازاة مع الرقص كنت أتعاطى للبغاء مقابل بعض المال وتحت طلب المدراء وزبنائهمquot;.

متعهد فني

فكك المغرب، خلال سنة 2008، 220 شبكة للاتجار بالبشر، ما يرفع عدد الشبكات التي جرى تفكيكها، منذ سنة 2003، إلى 2230 شبكة. وفي سنة 2009، فككت مصالح الأمن أكثر من 130 شبكة للاتجار في النساء والأطفال في المملكة.

وضمن هذا العدد الكبير توجد شبكة (ح.س)، الذي كان وراء تسفير عدد من المغربيات إلى الخارج بعقود عمل فنية. وجاءت فكرة الدخول إلى هذا المضمار، بعد سفر (ح.س) إلى العديد من الدول الأجنبية، التي أحيى خلالها مجموعة من الحفلات الفنية، التقى بإحداها بـ quot;رجل أعمالquot; أجنبي تبادل معه المعلومات الأولية الخاصة بكل واحد منهما. وفي آخر لقاء بينهما اشتكى رجل الأعمال من انعدام دور ونوادي التعهد الفني في المغرب، مقارنة مع الدول الأخرى.

وعلى هذا الأساس عرض عليه مساعدته لدخول هذا المضمار، ليسافر المدير المغربي إلى عدد من الدول للاطلاع على تجارب quot;التعهد الفنيquot; في الدول الرائدة في هذا المجال.

مباشرة بعد عودته إلى المملكة، أنشأ شركة تعهد فني، وشرع في استقبال الفتيات والشبان الراغبين في السفر إلى الخارج للغناء أو الرقص في الفنادق والمؤسسات الأخرى المشابهة.
وبعد مناقشة المرشحة أو المرشح حول تجربته الفنية، تجرى لهم اختبارات تقنية في مجالات تخصصهم، وفي حلة استيفائهم الشروط المطلوبة، التي تحدد حسب طلبات الفنادق والمراقص بالدولة التي يسافرون إليها، يطالبون بتهييء ملف متكون من مجموعة من الوثائق.
وللحصول على موافقة المؤسسات الأجنبية، تجري للفتيات المرشحات، تمرينات استعراضية بمقر الشركة نفسها، تسجل على أشرطة، إلى جانب أخذ صور لهن، لإرسالها إلى الفنادق في الخارج.

ويرفق الشريط بشهادة يحررها مدير الشركة للإشهاد باعتماد المجموعة كفرقة موسيقية أو غنائية، أو بتأهيل المرشحة لتقديم رقصات أو أغاني مغربية بالخارج، إضافة إلى بطاقة عضوية تثبت انتساب المرشحات إلى جمعية أو نادٍ للفنانين الموسيقيين.

وفي حال موافقة إدارة الفندق، يبعث بعقد العمل موقع أصلاً من قبل ممثل الفندق وكذا السلطات المختصة بدولة الإقامة. وشفع هذا العرض بتوكيل ممثل الشركة الجديدة للقيام بالإجراءات المطلوبة للموافقة على العرض من لدن الفتاة المغربية المقبولة للعمل.
لتمكينها من الدخول إلى الدول التي يتم تسفيرهن إليها، لا تحصل المرشحات في بعض الأحيان على تأشيرة مطبوعة على صفحات جواز سفرهن، وإنما على تأشيرة خاصة تطبع في ورقة مستقلة.

وهذا النوع من التأشيرات يسلم من السلطات المختصة للدول المعنية إلى لاعتبارات خاصة، قد تكون سياسية، أو أمنية، أو أخلاقية، أو لأسباب أخرى تتعلق باحترام بعض القواعد. والغرض من اعتماد هذا النظام هو تجنيب بعض الأشخاص للمضايقات أو المخاطر التي قد تتهددهم جراء السفر إلى بعض المناطق أو الدول أو للتستر على تحركاتهم عندما تكون هذه الوقائع أو المعلومات محل اعتبار أساسي لحماية أمنهم أو تأمين نجاح بعض المهام التي يضطلعون بها.

غير أن هذه المزايا المرتبطة بوضع هذا النظام لا ينبغي أن تخفي ما تطرحه من مشاكل وصعوبات في المراقبة والتحقق من هوية الأشياء أثناء عبورهم لمراكز الحدود أو نقط العبور، ومن ذلك أن هذا النوع من التأشيرات تم توظيفه من قبل جماعات إجرامية لتسفير أشخاص آخرين عن طريق تسليم المرشحين تأشيرات على ورق يصعب التحقق من صحتها، وخصوصًا في غياب قنوات للاتصال المباشر بين أجهزة الشرطة المكلفة بالمراقبة عبر الحدود.