قد يكون أبلغ تعبير عن نجاح المهمة التي قام بها الملك السعودي والرئيس السوري لمعالجة الوضع المضطرب في لبنان، وهو قيام الملك عبد الله من على باب الطائرة وهو يهم بمغادرة بيروت، برفع إبهام يده اليمنى في إشارة الى أن الأمور سارت على ما يرام، وهذا ما أوضحه البيان الصادر عن رئاسة الجمهورية اللبنانية الذي تضمن ثلاثة عناوين رئيسة تشكل ما يراه العاهل السعودي والرئيس السوري ومعهما الرئيس اللبناني أساساً للحفاظ على الاستقرار في لبنان.

بيروت: لم يسبق أن شوهد رئيسان عربيان ينزلان سلم الطائرة معاً عند زيارتهما دولة عربية أو غيرها، لكن هذا ما حصل في لبنان حيث حطت الطائرة الملكية السعودية الخاصة التي أقلت خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز مصحوباً بالرئيس السوري الدكتور بشار الأسد في مطار بيروت ليستقبلا بالترحيب والعناق من قبل رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال سليمان ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة سعد الحريري ووزراء ونواب وسفراء عرب وأجانب، مشهد قلّ نظيره في دنيا السياسة أن يأتي زعيمان عربيان من وزن العاهل السعودي والرئيس السوري الى بيروت، شعوراً منهما بخطورة المرحلة التي يمر فيها لبنان وضرورة الوقوف الى جانبه والأخذ بيده لتخطيها، بعد الانقسام الذي عاد ليطل برأسه على الساحة الداخلية إثر تزايد الحديث عن قرب إصدار المحكمة الدولية الناظرة في اغتيال الرئيس رفيق الحريري قرارا ظنيا يتضمن اتهاماً لعناصر حزب الله بالضلوع في الجريمة، وهو الأمر الذي يرفضه الحزب ويعتبره عدواناً عليه، فيما فريق الأكثرية وفي مقدمه تيار quot;المستقبلquot; الذي يتزعمه الحريري، يؤكد ثقته بالمحكمة وما يصدر عنها من أحكام.

ثمة من قال وهو يهم بمصافحة الملك عبد الله والرئيس الأسد على أرض المطار، أن نتائج الزيارة بدأت تتضح من هنا. من هذا المشهد تحديداً الذي حمل رسالة واضحة للبنانيين مسؤولين ومواطنين ومعهم كل العرب والمتابعين للشأن اللبناني أن المملكة العربية السعودية والجمهورية العربية السورية شبكتا الأيدي وهما تسيران بخطى واحدة وبتصور مشترك لكيفية إخراج لبنان من أزمته على قاعدة اعتماد الحوار بين سائر الفرقاء لحل الخلافات في ما بينهم، والحرص على تثبيت الاستقرار وعدم المس به والتأكيد على أن أي مشكلة مهما كبرت واستفحلت، لا بد من إيجاد مخرج لها.

وهذا ما عكسه البيان الرسمي الصادر عقب المباحثات التي أجراها الملك عبد الله والأسد في دمشق أمس، قبل توجههما الى العاصمة اللبنانية اليوم، خصوصاً لجهة التأكيد على quot;دعم مسيرة التوافق التي شهدها لبنان منذ تشكيل حكومة الوحدة الوطنية ودعم كل ما يسهم في تثبيت استقراره ووحدته وتعزيز الثقة بين أبنائهquot;.

وإذا كانت وسائل الإعلام المحلية والعربية ركزت على الحفاوة الكبيرة التي لقيها العاهل السعودي والرئيس السوري منذ لحظة وصولهما أرض المطار حتى مغادرتهما له بعد مباحثات عقداها في القصر الجمهوري ومشاركتهما في مأدبة الغداء التي أقيمت على شرفهما، فإن ما توقفت عنده هذه الوسائل إشارتها الى أن مجيء الملك عبد الله بن عبد العزيز الى بيروت هو الأول له بعد تسلمه القيادة في المملكة وهو كان زار بيروت في العام 2002 حين كان ولياً للعهد وشارك يومها في القمة العربية التي انعقدت فيها عام 2002 وأطلق خلالها مبادرته العربية للسلام، أما الرئيس الأسد فيزور لبنان بعد السنوات العجاف التي عاشتها العلاقات اللبنانية السورية إثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري وما رافقها من أحداث وتطورات ومواقف باعدت الدولتين الى حد كبير، علماً أنه سبق له أن زار لبنان مرتين: واحدة بمناسبة القمة العربية المذكورة والثانية قبلها بأيام في عهد رئيس الجمهورية السابق العماد إميل لحود.

وفي تحرك بدا وكأنه متفق عليه بين الملك عبد الله والرئيس الأسد، فقد التقى الأول بعد القمة الثلاثية التي جمعته مع الأسد وسليمان، رئيس الحكومة سعد الحريري الذي اصطحبه من القصر الجمهوري الى دارته في وسط بيروت، حيث كانت في استقباله قيادات سياسية ودينية، فيما اجتمع الرئيس السوري وبعد خلوة عقدها مع الرئيس اللبناني الى رئيس البرلمان نبيه بري، في وقت التقى فيه وزير الخارجية السوري وليد المعلم وفد كتلة الوفاء للمقاومة (حزب الله) برئاسة النائب محمد رعد. وكان مسؤولون في الحزب حرصوا قبل ساعات من الاجتماع المذكور على القول إنهم يعولون على الجهود العربية، خصوصاً السعودية منها والسورية، لإحباط مخطط الفتنة الذي يُعد للبنان عبر المحكمة الدولية.

وقد يكون أبلغ تعبير عن نجاح المهمة التي قام بها الملك السعودي والرئيس السوري لمعالجة الوضع المضطرب في لبنان، وهو قيام الملك عبد الله من على باب الطائرة وهو يهم بمغادرة بيروت، برفع إبهام يده اليمنى في إشارة الى أن الأمور سارت على ما يرام، وهذا ما أوضحه البيان الصادر عن رئاسة الجمهورية اللبنانية الذي تضمن ثلاثة عناوين رئيسة تشكل ما يراه العاهل السعودي والرئيس السوري ومعهما الرئيس اللبناني أساساً للحفاظ على الاستقرار في لبنان ومواجهة كل ما من شأنه المس به، وذلك باستمرار ودعم هيئة الحوار الوطني، والتمسك باتفاقي الطائف والدوحة، والاحتكام الى المؤسسات الشرعية والدستورية والى حكومة الوحدة الوطنية لحل الخلافات.

وجاء في البيان: quot;إن القادة الثلاثة أجروا مباحثات تناولت سبل تعزيز الوفاق الوطني والاستقرار الداخلي في لبنان وتحسين فرص النمو الاقتصادي والاجتماعيquot;. كما نوّه القادة بالتطورات الإيجابية التي حصلت على الساحة اللبنانية منذ اتفاق الدوحة وأكدوا استمرار نهج التهدئة والحوار وتعزيز الوحدة الوطنية ودرء الأخطار الخارجية. وأعلنوا عن تضامنهم مع لبنان في مواجهة تهديدات اسرائيل وخروقاتها اليومية لسيادته واستقلاله وسعيها لزعزعة استقراره.

وذكر البيان أن القادة أكدوا أهمية الاستمرار بدعم اتفاق الدوحة واستكمال تنفيذ اتفاق الطائف ومواصلة عمل هيئة الحوار الوطني والالتزام بعدم اللجوء الى العنف وتغليب مصلحة لبنان العليا على أي مصلحة فئوية، والاحتكام الى الشرعية والمؤسسات الدستورية والى حكومة الوحدة الوطنية لحل الخلافات. ولفت البيان الى أن الزعيمين السوري والسعودي أكدا استمرار دعمهما للبنان ورئيسه لما هو في مصلحة اللبنانيين.

وفي الشأن الإقليمي استعرض القادة تطوّر الأوضاع على هذا الصعيد وأكدوا ضرورة التضامن والوقوف صفاً واحداً لرفع التحديات التي تواجهها الدول العربية، وعلى رأسها التحدي الإسرائيلي الذي يتمثل باستمرار الاحتلال للاراضي العربية والممارسات التعسفية والإجرامية ضد الشعب الفلسطيني وحصار غزة، والسعي المدان لتهويد مدينة القدس، وكذلك مواجهة ما يحاك للمنطقة العربية من دسائس ومؤامرات لإرباكها بالفتن الطائفية والمذهبية، والتي لن تكون أي دولة عربية بمنأى عن تداعياتها، وهي التي تميز تاريخها بروح العيش المشترك.

كذلك أكدوا في هذا المجال ضرورة السعي بصورة حيثية لإقامة سلام عادل وشامل في الشرق الأوسط، من دون إبطاء، وضمن مهل محددة، على قاعدة قرارات الشرعية الدولية ومرجعية مدريد والمبادرة العربية للسلام في جميع مندرجاتها.