إستبعدت عضو الكنيست الإسرائيلي حنين زعبي التي كانت على متن سفينة مرمرة التركية وفندت في مؤتمرات صحافية الرواية الإسرائيلية بشأن ما حدث على متن السفينة، مؤكدة أن الجيش الإسرائيلي باشر بإطلاق النار على النشطاء السياسيين الذين تواجدوا على متن السفينة حتى قبل إنزال أفراد quot;الكوماندوزquot; على المركب، واشاراتفي حديث خاص مع إيلاف أن إسرائيل لنتتعاون فعليًا مع اللجنة الدولية للتحقيق في العملية، على الرغم من صدور إعلان رسمي إسرائيلي بهذا الصدد، لأن رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، ووزير الدفاع ايهود باراك يرفضان بشدة أن يتم توجيه أسئلة أو تحقيق مع أفراد الكوماندوز أو أي من المسؤولين العسكريين بهذا الخصوص.

الناصرة:انتقدت عضو الكنيست الإسرائيلي حنين زعبي بشدة الخط السياسي للسلطة الفلسطينية واعتبرت أن السلطة اليوم لا تمثل بطروحاتها التفاوضية مجمل الشعب الفلسطيني، داعية إلى إعادة بناء منظمة التحرر الفلسطينية مع تحديد مرجعية وتمثيل للفلسطينيين في إسرائيل فيها.

وحذرت حنين زعبي في المقابلة مع إيلاف من الاعتراف بيهودية إسرائيل، لأن ذلل يعفي إسرائيل من مسؤوليتها عن النكبة، ويسد الطريق أمام عودة اللاجئين، ويسلخ الأقلية الفلسطينية في إسرائيل عن الشعب الفلسطيني، ويبرر مخطط محاربة الهوية والوجود لفلسطينيي ال48، وفي ما يلي نص المقابلة:

حكومة نتانياهو أعلنت هذا الأسبوع عن قبولها بالتعاون مع لجنة التحقيق الدولية في قضية أسطول الحرية هل تعتقدين، كشاهدة أن هذا الإعلان حقيقي أم مجرد مناورة إعلامية؟

لا توجد أي قيمة للتعاون الإسرائيلي مع هذه اللجنة إلا إذا كان بالإمكان التحقيق وعدم إعفاء أي جندي من المستوى العسكري أو السياسي من المسؤولية. فقط في مثل هذه الحالة يكون هنالك معنى quot;للتعاونquot; من الجانب الإسرائيلي.

وعلى التحقيق ألا يشمل فقط ما جرى على السفينة، وإنما أيضًا في الانتهاك الإسرائيلي المتمثل في مهاجمة السفينة في المياه الدولية. ولكن عندما يعلن نتانياهو عن استعداده التعاون مع اللجنة الدولية، وفي الوقت نفسهيؤكد أنه لن يسمح بالتحقيق مع الجنود، فما معنى هذا التعاون إن لم يكن مجرد مناورة إعلامية وضريبة كلامية، بعد أن أدرك نتانياهو أنه حتى بعد مرور نحو شهرين على الحادثة، فإن المجتمع الدولي يصر على لجنة تحقيق دولية، فقبل أسابيع كان نتانياهو يكتفي بلجنة إسرائيلية فقط، ولكن عندما أدرك أن هناك مساعي دولية لن تسكت على هذا الحادث أعلن تعاونه، لكن هذا إعلان قسري لا يعكس رغبة إسرائيلية حقيقية.

الآن وبعد شهرين على أسطول الحرية، وما مرت به حنين زعبي عندما كانت في عين العاصفة، سواء على سطح سفينة مرمرة أم ما واجهته في الكنيست، كيف تنظرين اليوم إلى هذا الملف؟

أولاً وحتى أشير إلى ما أغفله الإعلام، فإنني أذكر أن قضية أسطول الحرية لم تنته بعد، ومازالت الأصداء تتفاعل في تحركات عل صعيد الدبلوماسية الدولية، ومنه إعلان بان كي مون عن اللجنة الدولية. كان من المتوقع وما زلت أتأمل أن يثير نجاح أسطول الحرية مبادرات أخرى لكسر الحصار عن غزة.

السؤال هو عن نظرة حنين زعبي لقضية أسطول الحرية وتداعيات مشاركتك في الأسطول، وما واجهته في الكنيست والإعلام الإسرائيلي، فأنت اليوم كما فهمنا في نوع من العزلة داخل الكنيست؟

قد يكون ملف أسطول الحرية قد جعل العديد من أعضاء الكنيست ينحدرون يستخدمون ما نسميه بالقاموس الشخصي وليس فقط السياسي (تشير إلى سيل الشتائم البذيئة التي وجهت لها من قِبل عدد من أعضاء الكنيست اليهود، مثل ميريت ريجيف وكرميل شامة، ومحاولة عضو الكنيست الروسية الأصل أناستسيا ميخائيل مهاجمتها على منبر الكنيست) وبطبيعة الحال أنا لا أتكلم مع هؤلاء ولا علاقة لي معهم، وأنا لم ولن أقبل بأي حوار شخصي أو حتى سياسي مباشر معهم. النقاشات العامة تتم من على منبر الكنيست، عندما نثير القضايا، وهم يردون بطبيعة الحال، لكن دون أن يأخذ ذلك شكل الحوار المباشر.

القضية ليست قضية عزلة شخصية، بل مخطط مبرمج لدى المؤسسة الإسرائيلية لتطويق القيادات الوطنية ولضربها، هذا المخطط يأخذ الآن حيزًا أكبر في السياسات الإسرائيلية بعد أن فشل مخطط إنتاج quot;العربي-الإسرائيليquot;.

الإحساس بأننا نواجه أشرس وأكثر كنيست يميني هو إحساس يعكس حقيقة انزياح القوى السياسية الإسرائيلية برمتها ليمين الخارطة السياسية، وهو إحساس يجمع عليه أعضاء الكنيست العرب، لكن هنالك نماذج مختلفة في التعامل مع هذا التطرف الإسرائيلي حتى ضمن أعضاء الكنيست العرب، هنالك من يقابل هذا التطرف بمواقف سياسية واضحة، وهنالك من يحاول كسب ود أعضاء الكنيست اليهود بتملق وباستعراضية وبتهريج من جهة، وبعلاقات شخصية حميمة مع اليمين الإسرائيلي من جهة أخرى.

لكن في ما يتعلق بالقاعدة العامة، فهي تسري على حنين وغيرها من النواب العرب، وهذا الجو بدأ قبل الأسطول، أنت لا تتحدث عن غضب تلقائي وعفوي ضد مشاركتي في الأسطول فقط، أنت تتحدث عن سياسة من الملاحقة وصلت ذروتها في ملاحقة عزمي بشارة وتوجيه تهمة الخيانة له، ومحاولة إعدامه سياسيا لا أقل. وأنت تتحدث عن علاقات مع أعضاء كنيست كانت أصلاً متواضعة وفي حدودها الدنيا، العمل البرلماني لم يكن أصلاً ضمن أجواء طبيعية، هذا بدأ بعد أكتوبر 2000، أي بعد الانتفاضة الثانية، ووصل ذروته الآن في لانتخاب أفغيدور ليبرمان الذي يقرر حزبه الآن شكل العلاقة بيننا وبين الكنيست.

من لم يشارك من أعضاء الكنيست اليهود مباشرة في التحريض العنصري ضدي، سكت ولم يعترض، لكنه مشارك فعال في خلق أجواء اللاشرعية للنواب العرب. لا تهمني العاصفة التي شهدها الكنيست، أصلاً عندما أحاطوا بي داخل القاعة، كنت أحلق خارج دائرتهم، وهذا ليس مجرد تعبير بل هذا فعلاً كان هذا الشعور، والآن بعد شهر ونصف ما بقي من هذه العاصفة هو مخطط سياسي جدي لنزع شرعية المواقف التي أمثلها، وربما لإخراج التجمع الوطني الديمقراطي من الكنيست.

لكن أنتِ كامرأة عربية أولى من حزب عربي قومي تدخل الكنيست، دخلت لتمثيل المواطنين العرب في إسرائيل وإذ بك كالعاصفة التي تثير الدنيا ولا تقعد، بعد أن كان يتوقع منك مثلاً الاهتمام بقضايا المرأة العربية والجماهير العربية في إسرائيل فإذا بكِ في عين عاصفة دولية، وشاهدة ضد الدولة التي أنت عضو في برلمانها؟

أولاً، لا بد من التذكير بأن حنين زعبي قضت عامها الأول في الكنيست تعمل ضمن المشروع الوطني لبرنامج الحزب الذي تمثله، قضايا يومية وصوت وطني، أنا أمثل حزب التجمع الوطني وبرنامج هذا الحزب، وبالتالي فمن الطبيعي أن أتكلم عن قضايا الشعب الفلسطيني وشرعية النضال كوننا جزء من السكان الأصليين، ونحن نحمل ليس فقط همنا الوطني المباشر، بل الهم لفلسطيني العام، وإلا لما كان هنالك معنى لأن أقول أنني انتمي للشعب الفلسطيني.

هذا جزء من وظيفتي وعملي في الكنيست ولا أحد يستطيع أن يأتي إلي بادعاءات بهذا الخصوص. هذا ما لا يفهمه أعضاء الكنيست اليهود أو المجتمع اليهودي في إسرائيل. ومشاركتي في أسطول الحرية جاءت لتؤكد أن منهجنا هو ليس فقط رفع الشعار القومي والوطني بل ترجمته في الممارسة السياسية المطلوبة منا.

وكنت على مدار عام وشهرين تقريبا قبل انطلاق أسطول الحرية، أطرح باستمرار وأعالج بشكل دائم قضايا مجتمعي الفلسطيني، وبضمنها النساء، وحقوقهن والتمييز ضدهن سواء لكونهن نساء في الدرجة الأولى ثم لكونهن نساء عربيات مما يجعل التمييز ضدهن مضاعف. لكن الرأي العام الإسرائيلي لا ينبه للقضايا المدنية ولا يريد الالتفات إليهاـ وهو يعتبر أن صوتنا في هذه القضايا ضعيف وغير موجِع له.

في المقابل فإن صوتنا موجع للشارع الإسرائيلي في القضايا الوطنية والقومية لأنه يشعر بأننا نشكل تهديد للدولة، لذلك عندما نطالب بالحقوق القومية فإننا نهدد يهودية الدولة، وهذا صحيح لكن ذلك ليست مشكلتي، بل هي مشكلة التعريف العنصري للدولة كدولة يهودية.

جميع أعضاء الكنيست العرب يتفقون اليوم على أن الكنيست الحالية هي الأكثر عنصرية، وأن هناك تجمعًا تلقائيًّا عند النواب اليهود لإفشال كل مشروع للنواب العرب، فهل يمكن في مثل هذه الأجواء تحقيق إنجاز ما؟ ما هو الممكن في ظل هذا الوضع غير الممكن؟

أولا دعني أقول إن الغضب على حنين زعبي كونها شاركت في أسطول الحرية هو لأنها عضو كنيست. فهذا يقول إنك عندما تكون عضو كنيست وتحمل الموقف القومي والوطني وتشارك في مثل هذا النشاط، فإنك توجِع إسرائيل أكثر مما لو حملت نفس الموقف، وقمت بنفس النشاط دون أن تكون عضو كنيست، ما جرى لي برهانا لنفي ما تقول، فلو أن حنين شاركت في الأسطول دون أن تكون عضو كنيست، لما قامت هذه الضجة، ولو لم تكن حنين زعبي عضوا كنت لما سمعت عن اقتراحات سحب الجنسية وسحب الحصانة، هذا التحريض فقط لأنني عندما أروي القصة واصف سياسيات إسرائيل بالعنصرية فأنا أتحدث كعضو برلمان يريد أن يمثل نموذجا قياديا، وأن يفضح ممارسات هذه الدولة على مستوى السياسات الرسمية الدولية.

لماذا تعتبرين هذه الردود عنصرية وأنت تعترفين بأنك عضو في البرلمان الإسرائيلي فكيف تريدين من دولة أنتِ عضو في برلمانها أن تسكت على القيام بنشاط كهذا، ففي فرنسا لم يكن نائب في الجمعية الوطنية الفرنسية ليقوم بنشاط كهذا ضد الدولة الفرنسية، وما تعرض له سارتر بسبب موقفه من الاحتلال الفرنسي للجزائر خير دليل على ذلك، لماذا تريدين أن تسكت إسرائيل على هذا؟ فأنت تحملين جواز سفر دبلوماسي لأنكِ عضو في كنيست إسرائيل؟

لم يكن عضو البرلمان الفرنسي يواجه بأنه إرهابي وبأنهم يريدونه خارج البرلمان الفرنسي، أو أنه يحنث قسم الولاء للدولة الفرنسية، لأن عضو البرلمان الفرنسي في النهاية يمثل الدولة الفرنسية، وهو يخرج ضد الاحتلال كسياسة يستطيع أن يغيرها إذا ما تغيرت الحكومة إلى أكثر يسارية.

في حالتي يختلف الأمر، فأنا لا أمثل دولة إسرائيل ولم أخرج باسم دولة إسرائيل، بل باسم مشروع نضالي لا يعترف أصلاً بإسرائيل كدولة يهودية، وباسم مشروع نضالي يعمل تمامًا عكس الوظيفة التي تراها الكنيست الإسرائيلي لنفسها.

أعضاء الكنيست من الأحزاب اليهودية يعرفون دورهم، خاصة خارج إسرائيل، على أنه تمثيل إسرائيل أمام العالم. أما أنا فأمثل المشروع الوطني داخل الكنيست، والقضية ليست الانتقادات التي ستوجه لنائب برلمان فرنسي.

وفي حالة سارتر فإنه في نهاية المطاف لا يتماثل مع سياسيات فرنسا يومها لكنها يتماثل مع هوية دولته، ويرى أن فرنسا تمثله، لكنها أخطأت الصياغة، ولا أحد في فرنسا، ولا الدولة تطالبه بالتنكر لهويته أو تاريخه، وتحاول مقايضة حقوقه القومية بفتات حقوق مدنية، بالعكس فرنسا تعتز بهوية سارتر القومية، وتفخر بها، وتعززها، ولا ترى في هويته وتاريخه خطرًا استراتيجيًّا يهددها. في هذا هنالك تماثل وتطابق تام بين سارتر وبين فرنسا.

في حالتي ليس هنالك تطابق بين هويتي وهوية الدولة التي أحمل جنسيتها، والدولة لا تكترث حتى في هذا الإدعاء، على العكس هي تبذل كل الجهود لكي تضع هويتي في تناقض كامل مع تعريفها لنفسها ومع وظيفتها كملجأ لليهود أينما كانوا. في حالتي أنا أقول إن إسرائيل كدولة يهودية لا تمثلني وهي لا تستطيع أن تكون إلا دولة عنصرية، وهذا لم يقله سارتر عن فرنسا. التجمع الوطني الديمقراطي يقول غير ذلك لأن المسألة ليست قضية حكومات في إسرائيل، حكومة يمين أو حكومة يسار، فالقضية لا تنتهي بتغيير الحكومة في إسرائيل والإتيان بحكومة يسار تقبل بالانسحاب إلى حدود 67 وتفكيك المستوطنات والانسحاب من القدس وإرجاع اللاجئين لن يحل قضيتي ومشكلتي مع إسرائيل.

ماذا يبقى عندها؟

يبقى تعريف إسرائيل كدولة يهودية، وهذا ما يعرفه الشاباك الإسرائيلي بأنه التهديد الاستراتيجي لإسرائيل. وقد حدد الشاباك التيار القومي وحزب التجمع (في مقابلة لرئيس الشاباك الأسبق، ديسكين لصحيفة فصل المقل العام 2007) بأنه تهديد استراتيجي، بينما لم يقم أحد بتشخيص سارتر كتهديد استراتيجي لفرنسا، وهناك فرق بين الخيانة وبين أن أمثل أنا كتيار سياسي تهديدًا استراتيجيًا لإسرائيل. وهذا هو الفرق بين من أدانوا الاحتلال الفرنسي للجزائر وبيننا، ففرنسا لم تعتبر من أدان احتلالها (من بين قوى اليسار الفرنسي) للجزائر تهديدًا استراتيجيًا لأمنها وتعريفها، أما الدولة اليهودية فتعتبرني كممثلة للتيار القومي تهديدًا استراتيجيًا لها، بفعل مواقفي داخل إسرائيل من قضايا الاعتراف بيهوديتها وهويتها هل يجب أن تكون دولة يهودية أم دولة مواطنيها. هذا هو الفرق.

هذا يقود إلى ما ينشر عن مواقف وطروحات عرضها الجانب الفلسطيني على إسرائيل، ومنها تصريحات نسبت لمحمود عباس، ود.عريقات حول تعريف إسرائيل كما تشاء هي، وأنه لا علاقة للجانب الفلسطيني بتعريف إسرائيل!

قضية يهودية الدولة، ليست فقط تعيق حياة الفلسطينيين داخل 48، بل هي قضية تحدي للشعب الفلسطيني بمجمله، فتعريف إسرائيل كدولة يهودية هو تحدي للشعب الفلسطيني أينما وجد. بالطبع التأثير السياسي المباشر هو علينا، لكن هل يقبل فلسطينيو الضفة وغزة والشتات أن تكون حيفا واللد ويافا جزءًا من دولة يهودية؟ هل يقومون هم بالاعتذار عن النكبة، بدل أن تقوم إسرائيل بذلك؟ هل يقبلون بتعرف وطنهم كأرض صهيونية، هل يقبلون بأن نخسر، نحن الذين بقينا في وطننا مكانتنا السياسية كأصحاب الوطن، هذا له انعكاس على مجمل القضي والشعب والحق الفلسطيني وليس علينا فقط. الخطر الثاني هو عدم عودة اللاجئين إلى دولة يهودية، لأن من quot;حقquot; الدولة اليهودية ألا تقبل اللاجئين، ما هو المنطق في أن تقوم السلطة الفلسطينية بالدعوة لعودة اللاجئين وهي تعترف بإسرائيل كدولة يهودية؟ إن كل تحدي إسرائيلي لجزء من الشعب الفلسطيني هو تحدي لكل الشعب الفلسطيني وإلا ما معنى كوننا شعب واحد.

لكن السلطة الفلسطينية لا تقول بهذا الموقف؟

إذا السلطة الفلسطينية لا تمثل الحق الفلسطيني، وهي بهذا تكون قد انحرفت عن ثوابت تاريخية. وهي بذلك تقوم أيضا بإضعاف موقفها التفاوضي. حتى بحسابات سياسية quot;تفاوضيةquot; بحتة، الموقف القاضي بالاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية هو موقف خاطئ إلى جانب أنه غير وطني وتفريطي.

والمشكلة هي أيضا في أننا لم نكن يوما ولم نصبح بعد جزءا من المرجعية الوطنية العامة للشعب الفلسطيني. لقد آن الأوان لأن يصبح ذلك موقفا فلسطينيا عاما، بل أقول هو من الثوابت. ولقد آن الأوان لإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية بحيث تشملنا نحن كمرجعية فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي، نحن جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني وبالتالي نحن جزء لا يتجزأ من بناء المرجعية الوطنية العامة. منظمة التحرير لا تتحدث اليوم باسم الشعب الفلسطيني، وليس لها الشرعية لذلك.

كيف ترين مستقبل العلاقات بين إسرائيل كدولة ومؤسسة وبين الفلسطينيين داخل إسرائيل في ظل التصعيد الرسمي من هدم للبيوت وتضييق الخناق على الفلسطينيين في إسرائيل؟

إذا ما استمرت إسرائيل بسياساتها فإننا نسير باتجاه مواجهة مع الدولة. الفلسطينيون في الداخل لن يقبلوا بأن يستمر الوضع الحالي كما هو عليه.

ولكن ما الذي يمكنهم القيام به، فقد جربوا في أكتوبر 2000 المواجهة وخسروا 13 شخصًا ولم يحرك أحد ساكنًا؟

لكن مستوى الوعي كبر وازداد، وارتفع صوت المشروع الوطني وتبلور انتماؤنا لقضيتنا القومية والوطنية. إسرائيل اعتبرتنا تهديدا استراتيجيا عام 2006، هذا الصوت الوطني قوي بعد العام 2000، وليس بالصدفة أن هذا التعريف لم يكن قي الثمانينات ولا في التسعينات. والعنصرية الإسرائيلية هي نوع من الإفلاس السياسي، فإسرائيل أرادت ترويضنا وفشلت، وانتهت الأدوات السياسية الحقيقة، وابتدأ ما يسمى بسياسات تجريم العمل السياسي وملاحقة القيادات الوطنية التي نجحت في طرح نموذج قومي وطني بديل للشارع، أصبح هو النموذج المهيمن، بدل نموذج الترويض quot;العربي- الإسرائيليquot;.

أي ترويض وما المقصود هنا؟

لقد سعت إسرائيل على مدار عقود طويلة إلى بناء نموذج العربي الإسرائيلي، وقد سقط هذا النموذج، وإذا كان وجد مثل هؤلاء فإنهم القطاع المهمش، وهذا النموذج إذا وجد وهو موجود فعلاً فهو نموذج غير سائد وغير مهيمن في صفوف الأقلية الفلسطينية، وهو نموذج لا أحد يفتخر به أو يقلده، ومعروف أنه انتهازي. بل أننا نرى اليوم عربي إسرائيلي متطور من حيث استخدامه للخطاب للقومي، وهناك نماذج تتبنى الخطاب القومي والوطني لتخفي هويتها المتأسرلة وهذا النموذج أخطر من نموذج العربي الإسرائيلي التقليدي. ففي السابق كنت تواجه النموذج المتأسرل بخطابك القومي والوطني، لكن من الصعب اليوم مواجهة نموذج العربي الإسرائيلي الذي يتبنى الخطاب القومي بطريقة متأسرلة، ويبقى فقط أن تعمل لكشف حقيقته ونزع القناع عن تأسرله الحقيقي وتقنعه بالخطاب الوطني أو القومي.

إسرائيل تعرف اليوم أن الخطاب القومي الوطني شديد الحضور والوضوح بين الفلسطينيين وأن التصورات المستقبلية (ثلاث وثائق صاغها مثقفون فلسطينيون في إسرائيل) بشأن العلاقة مع الدولة والمؤسسة الإسرائيلية، تنطلق كلها من الخطاب القومي والوطني وتتبناه، وهو خطاب مهيمن اليوم في الشارع الفلسطيني في إسرائيل.

علينا أن نضع النماذج المتأسرلة في حجمها الطبيعي خصوصًا أننا نرى أن الشباب الفلسطيني لا يقلد ولا يحذو حذو هذه النماذج بل يتبنى الرؤيا الوطنية والقومية، واليوم نجد أن نموذج العربي الإسرائيلي مهمش وغير ناجح، رغم وجوده، وهو لا يفرض حضوره، خلافا للنموذج القومي والوطني، فالمؤسسة مثلاً درست في هذا السياق ردود الشارع العربي وموقفه من ما تعرضت له حنين زعبي وهم يعرفون أن 90% من الفلسطينيين في إسرائيل حتى من الأحزاب المنافسة للتجمع، بل وفي صفوف شرائح غير ناشطة سياسيًّا بل وحتى مصوتي أحزاب صهيونية، تعاطفوا مع حنين وتماثلوا مع الموقف الذي عبرت عنه حنين زعبي، وهذه رسالة تؤكد أن السلوك الوطني هو الذي يحظى بإعجاب الناس وتأييد الناس. هذا عمليًّا ما تقرأه إسرائيل كتهديد استراتيجي رغم معرفتها لحدود قدراتنا وقوانا، وبالتالي فالامتحان ليس في من يملك القدرة الحالية على السيطرة على الواقع، بل من هو الذي يملك أن يمثل أحلام وطموحات الناس، والسياسة في النهاية هي فن الممكن.

إسرائيل تقرأ حدود الممكن ومن يمثل حدود الممكن ومن يرسم هذه الحدود وهي حدود أكتوبر 2000 وهي ما حدث في قضية أسطول الحرية، ومواجهات الروحة وغيرها. إسرائيل رسمت لنا على مدار 50 عامًا أحلامنا واليوم، نحن نرسم أحلامنا وأحلام أبنائنا باتجاه الوعي لهوية قومية وكبرياء قومي وليس كشخصية منزوعة الهوية تحمل هوية إسرائيلية بعيدة من بعدها الوطني الفلسطيني والقومي العربي.