وزير الخارجية المصري السابق محمد العرابي |
رجّح وزير الخارجية المصري السابق محمد العرابي تفوّق الإسلاميين في انتخابات مجلس الشعب من دون أن يبدي قلقاً إزاء ذلك، معتبراً أن العديد من الدبلوماسيين الغربيين باتوا يتعاملون مع المدّ الإسلامي في المنطقةعلى أنه أمر مسلّم به. وأوضح أن إسرائيل وعت الدرس بعد الربيع العربي، ولم تعد تتعامل مع العرب بفوقية.
أكد وزير الخارجية المصري السابق محمد العرابي أن إسرائيل وعت الدرس جيداً بعد الربيع العربي، ولم تعد تتعامل مع العرب بفوقية، مؤكداً أن الدليل على ذلك رضوخها لصفقة شاليط، التي حاولت مصر إنجازها في السابق، لكن تل أبيب كانت ترفض.
وقال العرابي في مقابلة خاصة لـquot;إيلافquot; إنه يؤيد صفقة مبادلة الجاسوس الإسرائيلي غرابيل بـ25 سجنياً مصرياً، مشيراً إلى أن تأييده ينبع من معاناة المصريين في السجون الإسرائيلية، كما إنه لم يكن يمثل خطراً على الأمن القومي المصري، لأنه كان مرصوداً منذ دخوله البلاد.
وتحدث العربي في مقابلته مع quot;إيلافquot; عن التغييرات التي طرأت على الوضع السياسي الداخلي والخارجي للدولة، وكيف تغيرت الخريطة الاستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط ككل بعد الثورات العربية، وبعد ما أصبحت الكلمة الأولى للشعوب.
ونقل لنا رؤيته عن شكل الصراع العربي الإسرائيلي والأوضاع الداخلية والصراعات الدائرة بين التيارات الإسلامية والعلمانية، وغيرها من الأمور، التي تحدد ملامح منطقة الشرق الأوسط في الفترة المقبلة.
في البداية نريد التعرف إلى تقويمك لأداء الدبلوماسية المصرية بعد الثورة؟
بعد الثورة المصرية تعاقب ثلاثة وزراء للخارجية المصرية، الدكتور نبيل العربي، ثم أنا، والوزير الحالي محمد كامل عمرو، وللحق فإن طبيعة الفترة التي تولى فيها الوزراء الثلاثة، بمن فيهم محمد العرابي، هي فترة خاصة وحساسة جدًا.
ولا يخفى أن السياسة الخارجية من العناصر المهمة التي انصب عليها التركيز أثناء الثورة وبعدها. لما لا وقد كانت كذلك على مر العصور، فهي دائمًا محط الأنظار، وتترقبها القوى الخارجية والداخلية، فمصر لها دور ريادي على الصعيد العربي والأفريقي والإسلامي.
وأرى أن السياسية الخارجية هي انعكاس لصورة البلاد الداخلية، فهي ذراع خارجية تستمد قوتها من الداخل، وهذا يحتاج استقرار الوضع السياسي والأمني والاقتصادي. والدليل على هذا الكلام وضع دول مثل الصين وتركيا، فقد قويت شوكة الدولتين الخارجية عندما توافر لها الأداء الاقتصادي القوي والوضع السياسي المستقر.
في مصر بعد الثورة كانت هناك حالة من الشغف لأن تستعيد مصر مكانتها الخارجية بشكل سريع، وهذا ما بدأت بوادره تظهر في الفترة التي تولى فيها الدكتور نبيل العربي شؤون الوزارة، ولكن سرعان ما ترك العربي المنصب من دون تحقيق المرجو من الدبلوماسية المصرية، ليتولى منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية، وهناك ميزة كبيرة استفادت منها فترة تولي العربي، وهي تهافت الدول على مصر التي شهدت تغييرًا كبيرًا بعد ثورة يناير، فعندما تتغير الأوضاع في مصر فعلى العالم كله أن يترقب ويقلق.
ما الانطباع الذي تولد لدى العالم تجاه الثورة المصرية؟
في الحقيقة، اتخذ هذا الانطباع أشكالاً عدةمقسمة على مراحل زمنية. في البداية كانت الأنظار مصوّبة تجاه أعظم ثورة بشرية تحمل مصدر الإلهام والإشعاع للعالم كله، ولكن بعد فترة من الوقت بدأت الاعتصامات والمطالب الفئوية تأخذ من رصيد هذه الثورة، وتقلص من نظرة الإعجاب والانبهار، التي كان ينظر بها العالم إلى الثورة الشعبية، ثم جاء الانفلات الأمني والتدهور الاقتصادي والاجتماعي، ليجعل النظرة تفقد الكثير من الإعجاب.
وما بين ذلك وتلك كانت هناك فترة ترقب وقلق مما ستؤول إليه الأوضاع في مصر، وفي الحقيقة لم تسر الأمور كما ينبغي، وخاصة بالنسبة إلى الوضع الاقتصادي، فمن المنتظر أن تكون هناك دفعة إلى الإمام في مجال الإنتاج والتنمية، ولكن ما حدث عكس ذلك، ما جعل البعض يقول إن المصريين انشغلوا بالحديث عن السياسية على حساب الاقتصاد.
ما هو طوق النجاة للرجوع إلى المسار الصحيح بالنسبة إلى الوضع الاقتصادي؟
الوضع الاقتصادي هو أساس اندلاع الثورة، ألمتكن تنادي بالقضاء على البطالة ووضع حد لارتفاع الأسعار والعدالة في توزيع الثروات وما إلى ذلك من متطلبات في مجملها اقتصادية؟... فكان حرياً بنا أن نوجّه الطاقة الثورية للإصلاح الاقتصادي عن طريق زيادة الانتاج والبدء في مشاريع التنمية، التي تقضي على شبح الفقر وتوفر فرص العمل للشباب، وتجذب الاستثمارات، وتضاعف من الدخل القومي.
وهنا يجب أن أرد على من تشدقوا باستنساخ التجربة التركية أو الماليزية أو غيرها من التجارب الدولية السابقة، فمع احترامي الكامل لهذه التجارب وإعجابي الشديد بها، إلا أن مصر جديرة بأن تكون لها تجربتها الخاصة، وهذا يعني أن الأمر في أيدي المصريين شعبًا وحكومةً، ولا ننتظر المعونات والعطايا الخارجية، فهي حلول غير دائمة، وليست عملية.
بمناسبة الحديث عن المعونات الاقتصادية والمساعدات الخارجية، لماذا برأيك تأخرت الدول التي وعدت بتلك المساعدات عن تقديمها لمصر؟
هناك تعهدات من دول عديدة بمساعدة مصر في النهوض باقتصادها، وهو أمر متعارف عليه دوليًا، فقد تقدمت دول عربية بالعديد من العروض لحكومة مصر الانتقالية، مثل السعودية والإمارات وقطر، وهناك أيضًا الدول الصناعية الكبرى، التي أبدت استعدادها لمساندة مصر في محنتها الاقتصادية، وأعتقد أنها تعهدات جادة، ولكن لابد من التسليم بأن هناك بطئًا في التنفيذ، سببه الأساسي عدم الاستقرار الداخلي.
وهنا أتذكر موقفًا حدث في دولة الإمارات مع أحد رجال الأعمال هناك، وقد صدر ضده حكم قضائي في مصر، وقال ذلك الرجل للدكتور عصام شرف رئيس الحكومة: quot;أنا غير معترض على المحاكمة، ولكن أي رسالة توجهونها إلى المستثمرين العرب والأجانب.. وكيف في ظل هذه الظروف تتوقع أن يأتي إليك من يساهم في نمو اقتصادك أو يدعمك أو يستثمر عندك في الفترة المقبلة؟quot;.
وأرى أن الرجل معه حق. فلو حدث تقصيرٌ ما في أعمال تخصه، فالمسؤول الأول عنها هو الحكومة المصرية، المتمثلة في المختص، الذي فرّط في حقٍّ هو في الأصل لا يملكه، فالمستثمر الأجنبي أو حتى المصري لن يتوانى عن اغتنام أي فرصة متاحة أمامه طالما تحقق له المزايا، ولكنني أعتقد أن هناك جهدًا مبذولاً للقضاء على مثل هذه الظاهرة الخطرة.
تحولت الحياة السياسية في مصر، وربما في باقي الدول التي طالتها نسمات الربيع العربي، إلى حرب شعواء بين التيارات الإسلامية من جهة والعلمانية من جهة أخرى... ما تعليقك ؟
أرى هذا الأمر طبيعياً ومتوقعاً منذ بداية أحداث الربيع العربي، فما يجري الآن في مختلف الدول العربية، التي حققت ثوراتها نجاحات في الإطاحة بأنظمتها، يمكن القول إنها أصبحت تحت راية المدّ الإسلامي. فتونس شهدت تفوّق التيار الإسلامي في انتخاباتها الأخيرة للمجلس التأسيسي لوضع الدستور، وكذلك المجلس الانتقالي في ليبيا فهو ذو صبغة إسلامية، وكل المؤشرات تؤكد أن انتخابات مجلس الشعب المصري ستشهد تفوّق الاسلاميين، وخير دليل على ذلك نتائج انتخابات النقابات الفئوية، التي سيطرت عليها جماعة الإخوان المسلمين.
وفي وجهة نظري لا يدعو ذلك إلى القلق. فليأخذوا الفرصة، وننتظر ما سيقدمون... وللعلم فإن العديد من الدبلوماسيين في الغرب أصبحوا يتعاملون مع هذا المدّ الإسلامي على أنه أمر مسلّم به حتى قبل نتائج الانتخابات.
وهل تتوقع أن يحدث تهميش لباقي التيارات الموجودة على الساحة السياسية من قبل الإسلاميين؟
لا أتوقع ذلك، فمصر دائمًا تجمع بين الطوائف والتيارات المختلفة على مر العصور، وأرى أن البرلمان المقبل سيكون بمثابة البوتقة التي تنصهر فيهاكل التيارات والتوجهات السياسية، والحكومة المقبلة أياً كانت توجهاتها ستضع في اعتبارها مصلحة الوطن، وتمضي في طريق التنمية.
أما بالنسبة إلى السياسة الخارجية فأنا أعتقد أنه من الصعب أن تتلوّن مصر وتغيّر من مواقفها، فهي منذ زمن طويل لها طابع جيد على الأصعدة كافة،ولا ينقصها الخلفية الإسلامية، ولذا أرجّح ثبات الموقف.
هال طال التغيير علاقة مصر بإسرائيل بعد سقوط مبارك؟ وهل تتوقع أن ينتهي شهر العسل بين البلدين؟
في الواقع، على إسرائيل أن تدرك التغير الاستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط ككل، وأن الوضع الراهن بعد الثورات يختلف اختلافًا جذريًا عن الأوضاع قبلها، فقد كانت إسرائيل تنعم بشيء من الاستقرار قبل سقوط الأنظمة التي خلعتها الثورات. والحقيقة أن الحكومات المقبلة لن يكون دورها رياديًا في ما يخص العلاقة بإسرائيل، فقد تحولت الإرادة من إرادة حكومة إلى إرادة شعب، فقد كانت السياسات تسير من أعلى الهرم ممثلاً في القيادة السياسية إلى الأسفل الممثل في الشعب، وفي الوقت الحالي العكس هو الواقع.
وأكبر دليل على ذلك أحداث السفارة الإسرائيلية في القاهرة. فعلى الرغم من رفضي لما حدث، إلا أن الواقع يشير إلى أن الشعب أصبح يريد والحكومة تستجيب، وهذا الموقف تعبير عن غضب شعبي تجاه أي تجاوز اسرائيلي في حق مصر وشعبها وأبنائها، واعتقد أن اسرائيل قد وعت ذلك تمامًا.
وما رأيك في صفقة مبادلة الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط بـ1027 أسيرًا فلسطينيًا؟ هل هي دليل على تسليم إسرائيل بتغيير الوضع الاستراتيجي في المنطقة؟
بالطبع ...والدليل أن الحديث عن تلك الصفقة لم يكن مستجدًا، فقد طال في فترات سابقة للثورات العربية، ولم تقبل إسرائيل بتنفيذ الصفقة إلا بعد تغير الوضع عقب أحداث الربيع العربي.
هل ينطبق هذا الكلام على صفقة تبادل الجاسوس الإسرائيلي إيلاين جرابيل بــ 25 مصريًا من المحتجزين في السجون الإسرائيلية؟ مع الأخذ في الاعتبار أنه متهم بالتجسس؟
في الحقيقة أنا مع هذا الصفقة. فلو رأيت مدى المعاناة التي يلاقيها السجناء المصريون في السجون الإسرائيلية، لعلمت أن هذه الصفقة رابحة، وأنا قد رأيت هؤلاء السجناء عندما كنت نائبًا للسفير المصري في إسرائيل في زيارات كنا نقوم بها.. كما إن مثل هذه التبادلات أمر متعارف عليه، ولا يخالف العرف، وخاصة أن الجاسوس الإسرائيلي اعتقد أنه شخصية لا وزن لها، ولم يستطع الإضرار بالأمن القومي المصري، لأن خطواته كانت مرصودة منذ بداية دخوله البلاد.
التعليقات