تفاعل مهتمون بالآثار في السعودية مع أمر العاهل السعودي بإصدار تنظيم متكامل لحماية الآثار في مكة والمدينة، وخصوصا أن السعودية تحتوي على العديد من الكنوز الأثرية، تمتد لحضارات قديمة وحديثة، في ضوء تأكيد من أكاديمي متخصص بالحضارة الإسلامية أن آثار الدولة السعودية لها نكهة ولون آخر يختلف عن أي تراث.
مكة: امتدح أستاذ الحضارة الإسلامية في جامعة أم القرى الدكتور عدنان الحارثي أمر العاهل السعودي بإصدار تنظيم متكامل لحماية شاملة للآثار الإسلامية في المملكة والعناية بها، وإيقاف أي نوع من العبث بها أو تداولها، والأمر كذلك بحصر هذه الآثار في مدينتي مكة والمدينة.
واعتبر الحارثي خلال حديثه لـquot;إيلافquot; أن هذا التوجيه سيعود بالإيجاب على من يهتمون بالعيش وتغير نمط الحياة الروتيني بالتوجه إلى أماكن تجعلهم يغوصون بين أبحر حياة من رحل بتفاصيل العيش والمنظر، إلا أنه أشار إلى أن تلك الرؤية لن تكتمل دون استثمار حقيقي لتلك المناطق وذلك بإعادة تنظيمها والنظر بها كاقتصاد مُجمد يجب أن يُحرك مياها راكدة بين دهاليز أراضٍ دفنت مُدنا لمئات السنين.
وقال الحارثي إن آثار الدولة السعودية لها نكهة ولون آخر يختلف عن أي تراث؛ كون السعودية تحمل بين أراضيها مناطق شهدت على أحداث تاريخية كالغزوات التي ذكرت في التاريخ الإسلامي، مشددا على أن تتم إعادة ترميمها كمدن تراثية تحوي عدة أماكن تراثية والعمل على تحسينها، سيعود بالنفع اقتصادياً على الدولة وسيساهم بشكل رئيس في زيادة الإقبال على السياحة الداخلية؛ خاصة إذا تحولت تلك المدن إلى منتجعات سياحية حضارية وليست فقط مدنا تحوي أماكن معينة تحكي تراثا مضى وقصصا سردت وفق رأيه.
quot;الربذةquot; عالم دفين بين أيام الإسلام الأولى وحرب القرامطة
وتحدث الدكتور عدنان الحارثي عن تلك المدن التي تعتبر قابعة الان تحت الأرض، وعن أولى مدن ما تحت الأرض تلك أوضح أن مدينة quot;الربذةquot; التي ارتبطت تاريخياً بعصر النبي محمد وعصر الخلفاء الراشدين امتداداً بالفترة الأموية وحتى منتصف الخلافة العباسية، التي ظهرت منذ ثلاثين عاماً من جديد بعد أن اختفت مئات السنين وأثارت استنكار الكثير.
وأشار إلى أنها كانت مدينة اقتصادية تحوي أماكن طبيعية بين طرقاتها، وأصبحت اليوم منطقة مهجورة لا سكان بين حدودها حتى بعد أن قامت جامعة الملك سعود في الرياض؛ بمحاولة الحفاظ عليها بهدف إخراج المدينة من تحت الأرض وإعادتها من جديد للحياة، والسبب أو الرادع وراء تخوف الناس من سكناها هو السبب ذاته الذي ولدته حرب quot;القرامطةquot;، حين بلغ القرامطة ذروة سطوتهم في كانون الثاني/يناير من عام 930م.
العُلا _ ديدان .. بين المعلق وتدعل
تطرق الحارثي إلى أن هناك مدنا عدة طمرت أجزاء منها تحت الأرض كمدينة العُلا التي تقع في الجزء الشمالي الغربي من الجزيرة العربية وكانت قديما تسمى ديدان. ويروى أن سبب تسميتها بالعلا يعود إلى أن بين أسوار حدودها quot;المعُلق وتدعلquot; وهما عينان مشهورتان بالماء العذب. وأضاف أنه كان على منبع المعلق نخلات شاهقات العلو يطبق عليها العلي.
هذا ويحيط بمدينة العلا جبلان بينهما وادٍ خصب التربة تزرع فيه النخيل والفواكه. وتقع في مدينة العلا ذاتها آثار الحجر المعروفة الآن باسم مدائن صالح، التي تحوي آثاراً فريدة ترجع إلى حضارة الأنباط أشهرها المقابر التي كانوا يحفرونها في الصخور، إلا أن هناك جزءا مغيبا يقع تحت الأرض.
وأضاف الحارثي أن مدينة العُلا هي مدينة كانت تستقطب الفلاحين بهدف زراعة النخيل التي تتنوعبزراعتها كـالخضار والفواكه، كونها تعتبر السبب في توفير الغذاء والمسكن وأثاث المنزل، وكانوا يعتبرونها المصدر الرئيس للحياة.
وأكمل الحارثي أن مدينة العلا تتميز بواجهات معمارية تراثية وحضارية معاً، فهي تحوي صخورا منحوتة تتميز بأشكالها الهندسية اللافتة للنظر بالإضافة إلى بقايا الآثار الإسلامية التي سبق ذكرها.
ومن بقايا آثار العهد العباسي في مدينة العُلا وهي تعتبر آثارا إسلامية الهوية وهو منخفض جبلي سحيق يقع على بعد 65 كم شرقاً، والوردquot; يُعد من أعلى الجبال في شمال غربquot; المملكة العربية السعودية و تغطي سفوحه الثلوج شتاءً، و quot;القطارةquot; يقع شرق العُلا وتتميز بالتكوينات الجبلية البديعة وفيه نبع مائي على مدار السنة في الجبال التي تقع جنوبا، و quot;شرعانquot; وهي جبال شاهقة بأشكال فريدة ومميزة وذات أشجار دائمة الخضرة،والقلعة الإسلامية التي تعود للعهد العباسي وبنيت كاستراحة للحجاج وفيها بركة ماء لسقيا الحجيج، وأخيراً محطة سكة الحديد في مدائن صالح والتي بنيت من الأحجار الحمراء وتضم 14 منى ومسجدا وورشة لإصلاح القطارات.
السرين .. مدينة الحملات الحربية
وتحدث الحارثي عن مدينة السرين التي اعتبرها مدينة حالمة وهي المدينة ذاتها التي فيها جزء ما زال تحت الأرض، التي تقع على ساحل البحر الأحمر الشرقي والتي كان في جزئها الجانبي أن هذا الحرف كان رصيفاً تفرغ فيه السفن، وتعتبر من أهم الموانئ التي نشأت على ساحل البحر الأحمر في عصر ما قبل الإسلام فساهم موقعها الجغرافي بجعلها مدينة تدخل ضمن إطار التطور الحضاري الذي شهدته الدولة الإسلامية في عصر الازدهار.
ولفت الحارثي إلى أنه مع مرور السنين تدهورت حالتها وفني عدد كبير من أهم معالمه وبقي بعضه كالصخور المنحوتة بالإضافة إلى أن نهايتها كانت تصادف فترة ضعف الدولة العباسية وتمزق أطرافها ثم سقوطها في منتصف القرن السابع الهجري على أيدي المغول.
الجدير ذكره أن السعودية تحتضن أكثر من 1000 منطقة أثرية، ثلاث منها سجلت في اليونيسكو وهي مدائن صالح، جدة التاريخية، والدرعية التاريخية.
التعليقات