ينحاز مؤشر المصداقية قطعًا إلى المواقع الالكترونية الإخبارية على حساب الشبكات الاجتماعية، التي تتعرض ثقة الجمهور فيها لهزات كبيرة، لكونها تستقي الخبر والشائعة في آن دون تمحيص، عكس المواقع المهنية المعروفة بنزاهتها وقدرتها على التحري وتقصي الخبر قبل نشره للقراء.
إقرأأيضا: إيلاف تحتفل بعقد من الإعلام الإلكترونيّ |
لعب الإعلام الالكتروني دورًا مهمًا في تغيير الخارطة السياسيةلبعض الدول العربية عبر الثورات المتتالية، التي أطاحت بالأنظمة الدكتاتورية، وأسست لواقع جديد، قوامه الحرية والكرامة.
وفي تصريحه لـquot;إيلافquot;، يفيد الدكتور أمين عبد الهادي اختصاصي في المدونات الالكترونية وناشط سياسي، انه ولئن كانت تونس من أول الدول العربية التي ارتبطت بشبكة الإنترنت سنة 1991 فإن هذه التكنولوجيا الحديثة لم تعط ثمارها إلا سنة 2011 حين استخدمها الشباب الذي اتصف بالتحرر وعدم النمطية في التعامل مع الإعلام لإسقاط النظام السياسي وآليات الفساد التي قام عليها.
ورغم أنمعظم الأنظمة العربية تراقب تدفق المعلومات إلى المواطنين، وتحجب بعض المواقع الإلكترونية، خاصة تلك التي تتعلق بالسلطة والساسة العرب، فإن الشباب استطاع التوصل إلى النصر عن طريق الإعلام الالكتروني، الذي يختص بالأساس في الخبر، عكس باقي الشبكات الاجتماعية، والتي على نجاعتها وانتشارها، خاصة في الآونة الأخيرة، تفتقد المصداقية التي تميز الإعلام الالكتروني.
المواقع الإخبارية أكثر مصداقية من الشبكات الاجتماعية
ويقول عبد الهادي إنّ المواقع الإخبارية تتسم بالسرعة مقابل وسائل الإعلام التقليدية التي هجرها الجمهور، وهي تفصح عن أسماء صحافييها، وتعتمد علىآراء خبراء ومحللين يتحملون مسؤولية تصريحاتهمعكس بعض المواقع الاجتماعيةالتي عادة ما يلجأ مستعملوها إلى الرموز والأسماء المستعارة.
ويؤكد عبد الهادي في تصريحه أن الإعلام الالكتروني، رغم انه حتى اليوم غير مقنن ولا يخضع لتشريعات تنظم طرق العمل به، إلا انه وخلال السنوات القليلة الماضية، خاصة ما بين 2009 و2010، شهد إقبالاً منقطع النظير، ومن هذا المنطلق فان الاتجاه الى تقنين الصحافة الالكترونية امر حتمي، سيكون له بالغ الأثر على تطوير المشهد الإعلامي بصورة عامة، وإعطاء الشرعية اللازمة للإعلام الالكتروني. ويقول انه يجب سنّ قوانين واتفاقيات دولية تضمن حق الناشطين في هذا المجال وتيسر طرق عملهم.
نقاط ايجابية
في هذا الشأن، يفيد المهندس احمد المازري جامعي وأستاذ في الإعلام الالكتروني أن هناك نقاط ايجابية عدة تحسب للإعلام الالكتروني، الذي أطاح بالأنظمة الدكتاتورية، وبرز كمحرك أساسي لثورة الشعوب، التي ناصلت من اجل إعلاء راية الحرية.
ويقول إن الإعلام التقليدي أو المكتوب لم يتمكن من ان يجمع حوله هذا النجاح الذي عرفته الصحافة الالكترونية في عالم شبيه بالقرية تحكمه أزرار الكمبيوتر، وما يمكن أن يؤكد نجاح الثورة الرقمية والإعلام الالكتروني هو الصراع المستمر بين السلطة والمواقع عن طريق حجبها.
وما هذا الحجب إلا ترجمة للتخوف من قدرة هذا الاتصال الرقمي على تفجير قنابل الرفض داخل المجتمع وإذكاء نار التمرد لديها، وبالتالي نجح الاعلام الالكتروني حيث أخفق الإعلام التقليدي في تحريك الشعوب العربية، وهو ما تغافلت عنه الحكومات في العالم العربي، لأنها لم تكن تتوقع أن تؤثر هذه المواقع على الشعوب، فتثور ضد الأنظمة.
وقد انتشر الإعلام الالكتروني، خاصة مع انتشار المواقع الإخبارية، التي تعمل بحرفية بالغة، وتتقصى الخبر وتستدل بشواهد من المجتمع وأناس لهم من الخبرة والحنكة، بما لا يجرؤ أحد على التشكيك فيها.
ويقول احمد المازري إن الإعلام الالكتروني أعاد إلى الصحافة بصورة عامة هيبتها ومكانتها كسلطة رابعة قادرة على ممارسة حقها في الحضور ضمن مجتمع، لطالما همّش الإعلام والإعلاميين، بعدما فقد ثقته فيه، واعتبره بوقًا للدعاية السياسية.
ويضيف: quot;الشبكات الاجتماعية كان لها الدور الفعال في تدعيم سبل التواصل، إذ لا أحد ينكر الدور الكبير الذي لعبته هذه المواقع في تحريك النفوس وإماطة اللثام عما كانت تقترفه السلطات في تونس ومصر وغيرها من الدول الأخرى الثائرة، ولكن هذه الشبكات لم تستطع أن تقدم الخبر الجيد، وان تبذل الجهد في البحث عن المعلومة بقدر ما كان الإعلام الالكتروني يجند كل أفرادهللعمل وتقديم الخبر الجيد ومواكبة الأحداث والتطورات السياسية والعمل الميداني.
كما يؤكد أن هذه القوة التي منحتها الصحافة الالكترونية للسلطة الرابعة لم تكن لتتحصل عليها ضمن الإعلام التقليدي الذي يتّسم بالبطء والمواقف الرسمية التي تزين الواجهة السياسية، وتتغافل عن الحقائق الخفية، خاصة تلك التي تتعلق بالمجتمع، وبالتالي فإن الفرق واضح بين الإعلام الالكتروني والإعلام التقليدي.
مرحلة جديدة بصدد التأسيس
يجزم احمد المازري أن الإعلام الالكتروني أسس لمرحلة جديدة من الانفتاح ولفترة ذهبية تعيشها السلطة الرابعة، التي لطالما تراجعت ثقة الجمهور فيها، نظرًا إلى تشابه الاخبار فيها، رغم اختلاف خطها التحريري، حيث إن ما تقراه في صحيفة تقرأه في اخرى من دون مسّ بالنظام او تجاوز الخطوط الحمراء.
وعن الشبكات الاجتماعية، يقول المازري إن ما يعرقل ثقة الجمهور فيها هو فقدان بعضها المصداقية في تبليغ وصياغة الخبر، باعتبار أن العديد من المدونين يستقون أخبارهم من الشارع ومن الحلقات التي تقام للنقاش، مقابل بعض المواقع الالكترونية الأخرى، التي عرفت بنزاهتها وبقوتها في التحري، وتقصي الخبر، إضافة إلى التحاليل السياسية والاقتصادية التي لها وظيفة تثقيفية وتوعوية.
ويقول إنّ بعض الجهات حاول الضغط على الصحف الالكترونية بهدف الحد من تأثيرها على الرأي العام وإلجام صوتها لكي لا يصل إلى الباحثين عن الحرية والرافضين مبدأ الدكتاتورية، وسعت بكل قوتها إلى تدمير منابر تواصلها وطمس معالمها وجلبها إلى صفها لتعمل على تلميع صورتها أمام الرأي العام، لكنها قاومت، وقاوم معها الشباب عبر استخدام تقنيات قادرة على الوصول إلى المواقع المغلقة، وكانت هذه نقطة البداية التي أسست لمستقبل الدول العربية، وأعطت للسلطة الرابعة هيبة وهوية أخرى.
التعليقات