رغم مشاعر التعاطف والتضامن التي أبداها العالم من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه يوم وقوع هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، وخلال الفترة التي تلتها، كنوع من أنواع المشاركة الوجدانية والفعلية للولايات المتحدة في صراعها ضد عدوّ جديد ومجهول، لدرجة إن خصوم واشنطن القدامى أضحوا حلفاءها الجدد، إلا أن الوقت أثبت أن تلك الحالة كانت لحظة عابرة، وأن التعاطف والتضامن الذي سبق أن وحَّد صفوف العالم في مواجهة الإرهاب كان حالة قصيرة الأجل.


سياسات أميركا الخارجية الأحادية أفقدتها التضامن العالمي الذي حصدته يوم 11 سبتمبر 2001

أشرف أبوجلالة من القاهرة: أظهر استطلاع للرأي أجراه quot;مشروع المواقف العالميquot; التابع لمركز quot;بيو للأبحاثquot; الشهير في الولايات المتحدة أن الأغلبيات العظمى من المسلمين، من مصر إلي باكستان، تحمل آراءً سلبيةً بشأن الولايات المتحدة والسياسات التي تنتهجها في الخارج بعد مرور 10 أعوام كاملة على أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر.

وأوضح الاستطلاع أيضاً أنه يُنظَر حتى على نطاق واسع إلى الولايات المتحدة بين حلفائها التقليديين في أوروبا على أنها تتصرف بصورة أحادية الجانب، وأنها لا تراعي مصالح الدول الأخرى في ما تتخذه من قرارات على صعيد السياسة الخارجية.

ومضت الصحيفة تقول إن مشاعر العداء تجاه الولايات المتحدة والشك في النوايا الأميركية قد تعمّقت في بعض الدول مثل الصين. ويعبّر المواطنون العاديون عن مشاعر الخوف التي تنتابهم نتيجة ما ينظرون إليه على أنه انشغال من جانب الولايات المتحدة بالحرب في العراق وأفغانستان.

في هذا السياق، نقلت صحيفة واشنطن بوست الأميركية عن طالب صيني يدعى ليور روكسي، ويبلغ من العمر الآن 24 عاماً، قوله: quot;مقارنةً بالوضع قبل 10 أعوام، كان غضبنا أقوى وليس أضعف. واعتقد أنهم بدأوا كل هذه الحروب لكي يصرفوا الانتباه عن أزمتهم الداخليةquot;.

تحول لا مفر منه
رأت الصحيفة أن واشنطن تتحمل جزءًا من مسؤولية فقدانها تعاطف العالم بعد أحداث أيلول. وبررت ذلك بأن غزو العراق - وما صاحبه من نقاشات عامة على مدار أشهر، وكذلك تلك المسيرات الحاشدة التي جرى تنظيمها حول العالم للتنديد بهذا الغزو، والفشل أيضاً في العثور على أي أسلحة دمار شامل ndash; ربما كان العامل الأبرز الذي أدى إلى تراجع التضامن العالمي مع أميركا بعد هجمات أيلول/ سبتمبر.

أو ربّما تراجع لظهور تقارير تحدثت عن وقوع انتهاكات وخسائر في صفوف المدنيين على يد القوات الأميركية، أو ربما لأن العالم قد أُنهِك من الصراعات بعد مرور عقد بكامله. أو كما يبدو مرجّحاً أيضاً أن التحوّل كان لا مفرّ من حدوثه بشكل جزئي على الأقل، لأن التضامن الذي أظهره العالم عقب هجمات أيلول كان هشّاً واصطناعياً دائماً.

وهو ما دللت عليه الصحيفة بأنه في الوقت الذي كان يتبرع فيه الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بالدم، كشكل من أشكال التضامن مع ضحايا تفجيرات أيلول/سبتمبر عام 2001، كانت تعمّ شوارع غزة احتفالات مناهضة للولايات المتحدة.

تحدثت الصحيفة كذلك عن اتساع نطاق مشاعر العداء للولايات المتحدة في الصين أيضاً، وهو ما أرجعته جزئياً إلى القصف الأميركي غير المقصود للسفارة الصينية في بلغراد أثناء حرب كوسوفو عام 1999، ومقتل طيار صيني في مطلع العام 2001، بعدما اصطدمت طائرته بطائرة تجسس أميركية فوق بحر الصين الجنوبي. وكان رد الفعل الأول من جانب كثير من المواطنين الصينيين لدى سماعهم خبر هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر هي الفرحة والسعادة الغامرة.

معارك مشتركة
بعدها، أبرزت الصحيفة الرغبة التي تولدت لدى كثير من قادة العالم بعد كارثة هجمات أيلول/ سبتمبر في مشاركة أميركا حربها على الإرهاب، خصوصاً الرئيس الروسي آنذاك، فلاديمير بوتين، والرئيس الصيني جيانغ تسه مين، الذي لم يكن يرغب أن يدخل في مواجهة مع أميركا، ويكثف من جهوده من أجل تحديث اقتصاد بلاده.

وفي الوقت الذي كانت تعاني فيه مناطق عدة في العالم خطر الجماعات الإرهابية، بدأ يشعر الجميع أن أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر فرصة مواتية للبدء في مواجهة تلك الجماعات، خصوصاً وأن الأميركيين سيقودون الجهود في هذا الجانب.

تحول تركيز الولايات المتحدة
في الوقت الذي أُنهِكت فيه الولايات المتحدة بشدة نتيجة عملياتها وتدخلاتها العسكرية على مدار السنوات الماضية، ودخولها الآن في دوامة بسبب أزمة الديون الفيدرالية، استثمرت الصين جهودها طوال العقد المنقضي في البناء والنمو. وقد نجح التنين الصيني في أن يصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم، متفوقاً على اليابان.

وتوقع أخيراً صندوق النقد الدولي أن يتفوق اقتصاد الصين على اقتصاد الولايات المتحدة بحلول عام 2016 ndash; وهو العمل الفذّ الذي يقول عنه كثيرون في بكين، شبه مازحين، إن الصينيين يجب أن يشكروا عليه أسامة بن لادن وصدام حسين. وقال يو إنلي، أستاذ الدراسات الأميركية في جامعة بكين: quot;تعيَّن على بوش أن يُرَكِّز على الشرق الأوسط الكبير، بينما كان بمقدورنا أن نركز على تنمية اقتصادناquot;.