لندن: استبعد مراقبون ان يكون نزاع إسرائيل مع تركيا التي كانت حليفتها لفترة طويلة في السابق، مجرد خصومة عابرة تعقبها مصالحة تعيد المياه الى مجاريها. فالأزمة الحالية في العلاقات بين الدولتين تعبير ساطع عن حقيقة ان الدعم الاميركي مهما بلغ حجمه لا يجدي إزاء العزلة الدولية المتنامية بسبب تعامل اسرائيل مع القضية الفلسطينية.

وأصبح دعم واشنطن غير المشروط مضراً بمصالح اسرائيل نفسها. فبسبب هذا الدعم المطلق تقف واشنطن عاجزة عن كبح جماح اشد الحكومات يمينية في تاريخ اسرائيل وإخماد نزعاتها الانتحارية في حين ان التغيرات الاقتصادية والسياسات الجذرية التي انتهجتها الولايات المتحدة منذ اعتداءات 11 ايلول/سبتمبر 2001 أضعفت نفوذ واشنطن في الشرق الأوسط الى ادنى مستوياته منذ الحرب العالمية الثانية، بحسب مجلة تايم.

وكانت إدارة اوباما حاولت التوسط بين اسرائيل وتركيا بصيغة اعتذار اسرائيلي تردد ان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ابدى استعدادا لتقديمه لولا معارضة وزير الخارجية المتطرف وشريكه القوي في الائتلاف افيغدور ليبرمان.

ولكن سبب انهيار العلاقات التركية الاسرائيلية أكبر من رفض اسرائيل الاعتذار. فان اسطول المساعدات الانسانية أبحر لكسر الحصار المفروض على قطاع غزة بدعم من الحكومة التركية نفسها، في مؤشر الى ان انقرة لم تعد مستعدة لمسايرة حلفائها في حلف شمالي الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة في تجاهل معاناة الفلسطينيين المحاصرين.

ويريد القادة الاسرائيليون ومؤازروهم في واشنطن ان يصوروا الموقف على انه يشير الى انتقال تركيا الى quot;معسكر الممانعةquot; الذي تقوده ايران في الشرق الأوسط. ولكن تركيا في الحقيقة تنافس ايران على النفوذ الاقليمي رغم جذور حزب العدالة والتنمية في الاسلام السياسي المعتدل واصراره على ايجاد حل سياسي للمواجهة مع طهران بشأن برنامجها النووي، كما تلاحظ مجلة تايم.

ويستند موقف تركيا من الفلسطينيين، مثله مثل رفضها تأييد غزو العراق وموقفها من الملف النووي الايراني أو قطيعتها مع نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا، الى قراءتها لما يخدم مصالح المنطقة، التي تختلف عن قراءة واشنطن، وللرأي العام التركي. واعلنت تركيا، كأنها تريد ان تقول ان نزاعها مع اسرائيل لا يهدد التزامها بحلف الأطلسي، انها وافقت على نصب محطة رادار لمنظومة صواريخ دفاعية موجهة صوب ايران.

كما تعكس مواقف تركيا استياء دوليا متناميا وفقدان ثقة متزايد بطريقة واشنطن في تعاملها مع النزاع الفلسطيني الاسرائيلي. ولدى اسرائيل سبب وجيه للقلق من ان تقتدي مصر بمثال تركيا.

كما ان حقيقة ان القيادة الفلسطينية التي رهنت مصيرها السياسي بالولايات المتحدة خلال العقدين الماضيين، تسعى الآن متحدية اعتراضات واشنطن نفسها، لطلب اعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطين ضمن حدود 1967، شاهد على انهيار الموافقة الضمنية لحلفاء الولايات المتحدة منذ اتفاقيات اوسلو على ان مسؤولية الملف الاسرائيلي الفلسطيني تبقى حكرا على واشنطن.

وتلاحظ مجلة تايم ان المهانات المتكررة التي تلقتها ادارة الرئيس اوباما على يد رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو كلما حاول اوباما التصدي لسلوك اسرائيل، اقنعت العالم العربي ومعه العديد من الاوروبيين بأن الولايات المتحدة quot;عاجزة بكل بساطة عن تنفيذ وعدها بإنصاف الفلسطينيينquot;.

واوباما من جهته نفض يده اصلا من محاولة الضغط على الفلسطينيين واغرائهم بالابتعاد عن الأمم المتحدة. وتصف مجلة تايم عملية السلام بأنها quot;امبراطور ذو مؤخرة عاريةquot;، وان مواقف تركيا خلال الاسبوع الماضي تذكير حاد بأنه لم يعد هناك كثيرون يتأوهون اعجابا بمظهر الامبراطور وعجيزته المكشوفة.

ولكن قدرة الولايات المتحدة على حماية اسرائيل من نتائج اعمالها تلاشت مع انحسار نفوذ واشنطن نفسها على حلفائها القدامى. وستحتاج واشنطن الى ما هو اكبر بكثير من تكرار الطقوس التي تحتفي بعملية سلام ميتة لكي تُخرج اسرائيل من عزلتها. ولكن التحولات التي شهدتها السياسة الداخلية الاسرائيلية خلال العقد الماضي، محمية بغطاء الدعم الاميركي، تجعل من المستبعد ان توافق اسرائيل راضية على حل الدولتين بدعم من المجتمع الدولي.

ولعل المفارقة تكمن في ان الخطوات التي اتخذتها تركيا ودول أخرى يمكن ان تشكل عونا لأي مجهود تقوم به الولايات المتحدة في المستقبل لدفع اسرائيل الى القبول بتسوية ذات صدقية، وذلك بتمكين واشنطن من ان تُري اسرائيل العواقب االملموسة التي تترتب على تكريسها الوضع الحالي.