رغم انقضاء قرابة الأسبوع على بدء الحملة الدعائية لانتخابات تجديد المجالس البلدية والولائية المقررة في 29 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، إلاّ أنّ قطار الحملة لم ينطلق فعليا. وفي تصريحات خاصة بــإيلاف، يربط خبراء عدم مبالاة الشارع بموعد هام يستبق الرئاسيات، بما أفرزته تشريعيات الربيع من صدمات، وفشل الحكومة، ما جرّد الانتخابات من صفة المصداقية.


الجزائر: يشدّد د/quot;عمار يزليquot; على أنّ ما يحدث حاليا في الجزائر، هو استنساخ quot;رديءquot; للانتخابات التشريعية السابقة، حيث لا يزال الاشتغال يتم ndash; بحسبه ndash; وفق الآليات والذهنيات والأفراد والجماعات نفسها التي أنتجت quot;البرلمانquot; الحالي.

يشير الناقد السوسيولوجي إلى أنّ بلاده تعيش حالة quot;أنومياquot; عامة ـ بتعبير عالم الاجتماع quot;دركهايمquot;، وقد نقول عنها quot;أنيمياquot; بتعبير طبي (فقر الدم)، معتبرا أنّ الجزائر تعاني فقرا في الدم السياسي منذ أن قضي على quot;الشاذليةquot; (كان يمثلها الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد) كتيار يريد أن يعيد للشعب حقه بعد أن بات هذا الشعب، يعي مصالحه ويرغب في الخروج من وصاية quot;الشرعية الثوريةquot;، هذه الوصاية، بعد العام 1991، لم يراد لها أن تمضي وتنتهي، لأنه فيها quot;انتهاءquot; رموز هذه الحقبة التاريخية.

ينتقد يزلي مفارقة بحث دوائر القرار عن بدائل للمجالس المنتخبة، لصالح مجالس quot;معينةquot; بالانتخابات، وهناك فرق بين الاثنين، يشرح محدثنا بهذا الشأن: quot;نستعمل الانتخابات فقط لتصوير الطابع الإداري على أنه quot;الديمقراطيquot; أمام الغرب الذي يدرك للأسف ويسكت عن الحقائق غير متأسف، لأنه يرى فيها الجانب التقني فقط، ويرى مصالحه مرتبطة بنظام يغريه بالبحبوحة المالية فقط ومحاربته للإرهابquot;.
شبح الربيع والتأزم الاقتصادي

يتوقف المحلل السياسي quot;محمد بغدادquot; عند مجموعة من المؤشرات المهمة، فالوضع الداخلي للجزائر يمر بقلاقل وهشاشة كبيرة، بحكم التأثير الكبير لما يعرفه العالم العربي واقتراب ما يسمى بـquot;الربيع العربيquot; من الجزائر، نتيجة الفشل الذريع الذي منيت به السياسات والبرامج التنموية التي لم تحقق الاهداف المطلوبة، بالذات في مجال السكن والتشغيل، وكل الدلائل تؤكد أنّ البلاد مقبلة على أزمة اقتصادية خانقة، وبالذات بعد (استيلاء) صندوق النقد الدولي على الأموال الجزائرية، وتصدّع الائتلاف الحاكم المساند لرئيس الجمهورية، بجانب تشرذم الأحزاب ما ساهم بقدر كبير في انهيار الطبقة السياسية، وافتقاد الأخيرة لأي قدرة على الحشد الجماهيري، وتوفير الدعم اللازم لتعبئة الرأي العام ما يجعل الشارع غير مهتم بالانتخابات المحلية، بفعل انتفاء دعامة الصدقية.

يقحم بغداد، ضعف الحكومة الحالية التي ليس لها هوية سياسية ولا برنامج عمل، وجرى تشكيلها وفق توازنات ظرفية ما جعلها حكومة فاشلة، وغير قادرة على أداء عملها، خصوصا وأنّها مكبّلة بمخططات الحكومة السابقة، ما جعلها غير مقنعة للسياسيين وعاجزة عن إقناع الرأي العام بجدوى التجاوب مع ثاني اقتراع هذا العام.

بدوره، يربط الناشط السياسي quot;سمير دراجي بلومquot; ما يجري بالمشاكل الاجتماعية المزرية التي يعانيها مواطنوه وخاصة الشباب العاطل، مركّزا على إعادة ترشيح الفاشلين، ما أقنع الناخبين بانتفاء أهمية الموعد في تحقيق إصلاح عميق.

تعددية أحادية

يحذر د/يزلي من عمل جهات على إعادة البلد إلى عهد الحزب الواحد في شكله التعددي (التعددية الأحادية)، كما يتم العمل من جهة أخرى على تكريس سلطة الدولة على الشعب، بإعطاء كل الصلاحيات للإدارة والجهاز التنفيذي وإخراج quot;الشعبquot; وممثليه الحقيقيين في كل المجالات (تشريعية، ولائية وبلدية)، من دائرة التسيير وإدارة شؤون البلاد والعباد.

بهذه الصيغة التي تجرى فيها الانتخابات المحلية: صوم إعلامي، جوع دعائي، فقر شعبي، يتزامن مع تدخل الجهاز التنفيذي لتنفيذ قرارات quot;غير شعبيةquot; (القضاء على الأسواق الشعبية في البلدات)، ما يوحي بأن هناك سياسة منتهجة نحو عزل الشعب كليا عن منطق وعملية التسيير، ليتحول quot;ممثلو الشعبquot; إلى ممثلين للإدارة ويتحول quot;رئيس المجلس الشعبي البلديquot;، إلى quot;ضابط للحالة المدنيةquot; كما كان يسمى أيام quot;البلديات المختلطةquot; قبيل عقود، وكما حدث بعد الذي شهدته الجزائر في شتاء سنة 1992، حيث جرى استبدال المجالس المحلية المنتخبة (غالبيتها كانت تحت سيطرة جبهة الإنقاذ الإسلامية المحظورة)، بمدراء تنفيذيين أي أعوان إدارة بصلاحيات quot;شعبيةquot;، والنتيجة كانت سقوط عديد البلديات في مستنقع الرشوة، والفساد على كافة الأصعدة والقليل من هؤلاء المدراء التنفيذيين من لم يدخل السجن فيما بعد.

بعبع الساحل وصدمة التشريعيات أطاحا بالاقتراع

تظافر ارتفاع الخطر الأمني القادم من الجنوب، وبالذات من مالي وفشل الدبلوماسية الجزائرية في منع الغرب من التدخل العسكري في الساحل، في ترشيح الجزائر للدخول في أزمة كبيرة تهدد الأمن القومي ما جعل الأولوية لهذا الملف على حساب الاقتراع المحلي، بمنظور بغداد.

في مقام ثان، تأتي ndash; بحسب بغداد - الصدمة الكبيرة من نتائج الانتخابات التشريعية في العاشر آيار/مايو الماضي، وهو استحقاق أقصى غالبية الأحزاب من الدخول إلى البرلمان وحتى جبهة التحرير (الحزب الحاكم) التي افتكت غالبية مقاعد البرلمان، دخلت في أزمة داخلية خطيرة، لا تزال انعكاساتها تهدد مستقبلها بعدما أضعفت كثيرا مكانتها السياسية.

ثمة عوامل أسهمت في البرود القياسي لما قبل انتخابات نهاية الشهر الحالي، وهي تتوزع بين انهيار الثقافة السياسية، ارتفاع حدة الفساد مع ارتفاع حالات الاختلاس ونهب المال العام، ما يجعل البلاد مفتوحة على الفساد، وسط ظهور محيّر للأثرياء الجدد، ما يجعل الاقتراع المقبل مجرد quot;لعبة نهبquot; يتسارع إليها الجميع، طالما أنّ الحياة السياسية أضحت وسيلة للثراء.

رئاسيات 2014 لا تزال غامضة

حول تداعيات الذي يحصل على الشوط المؤدي إلى الرئاسيات المقبلة الحاسمة في البلاد، يقدّر بغداد أنّ الملف يبقى غامضا لحد الآن، حتى وإن كان مراقبون يرجحون وضوح المسألة عند تعديل الدستور وهي خطوة مرتقبة بعد الانتخابات المحلية.

فاذا ترشح الرئيس بوتفليقة وهو سيناريو وارد، فإنّ التغيير سيتأجل، واذا لم يترشح الحاكم الحالي، فإنّ الأمر ndash; بنظر بغداد - سيتغير كليا خصوصا مع تفاعلات التدخل الأجنبي في مالي، ما سيقلب الموازين ويجعل المؤسسة العسكرية تدخل معركة كبيرة تجلب عليها الكثير من المتاعب، كما سيؤثر كثيرا في موازين القوى الداخلية للبلاد، بما سيجعل ملف الساحل عنصرا فاعلا سيحسم ملف الرئاسيات القادمة في الجزائر.

نحو نظام رئاسي شمولي؟

ينبّه د/يزلي إلى أنّ الجزائر تعرف حراكا لعزل الشعب عن تسيير نفسه بنفسه، بدعوى quot;القصورquot; الشعبي (مقولة اليسار العلماني الجزائري الفرنسي: quot;أمة في طور التكونquot;)، ومزاعم مفادها أنّ الشعب لا يعرف مصالحه، وعلى الإدارة أن تسيّره لأنها تعرف مصالحه أحسن منه.

وينتقد يزلي التوجه السائد لدسترة نظام رئاسي شمولي، يمنع ويكبح الحراك الشعبي والتغيير في ميزان القوى في البرلمان، حتى وإن وصلت المعارضة الشعبية للبرلمان، فلن يمكنها أن تغير من طبيعة النظام quot;الرئاسيquot; الضامن لبقاء الحرس القديم.

وعلى منوال ما يسميه يزلي quot;عبثاquot; عمليا بالنظام البرلماني من خلال إفراغ القوى السياسية من محتواها، وتحويل البرلمان إلى لجنة حكومية تمرر عليها القوانين مرور الكرام، فإنّ ما يراد له أن يكون على مستوى المحليات، أن تقوم الإدارة بتسيير البلديات وليس ممثلي الشعب.