لئن رحّب إعلاميون بقرار حكومة الترويكا الحاكمة في تونس بتفعيل المرسومين 115 و116 المنظمين لقطاع الاعلام، وبعث هيئة عليا للاتصال السمعي البصري، فإن إشكالاً برز على الساحة الإعلامية وأثار جدلاً بين النقابة الوطنية للصحافيين ونقابة مديري المؤسسات الإعلامية.


تونس: في الوقت الذي تتشبث فيه بعض الأطراف بضرورة التسريع في بعث الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري والعمل على اختيار أعضائها ورئيسها بكل حيادية واستقلالية وتفعيل المرسومين 115 و 116 دون تعديلات جوهرية، ترى نقابة مديري المؤسسات الإعلامية أنه من الضروري مراجعة بعض الفصول في المرسوم 116 التي فيها تضييق على حرية الاعلام وتعسّف على المؤسسات الإعلامية.

وكان المرسومان 115 و116 اللذان ينظمان قطاع الاعلام في تونس، قد تمّ اقرارهما قبل انتخابات المجلس التأسيسي، لكنهما لم يفعّلا نظرًا لاختلاف في وجهات النظر بين ممثلي الصحافيين والحكومة، الأمر الذي ولد فراغًا قانونيًا كبيرًا في عمل الاعلام منذ هروب الرئيس السابق زين العابدين بن علي وإلغاء العمل بقانون الصحافة.

إخلالات خطيرة

أكّدت رئيسة نقابة مديري المؤسسات الإعلامية آمال مزابي في تصريح لـquot;إيلافquot; أنّ quot; النقابة تدعم هيئة تعديلية للإعلام وتطالب بها للتأكيد على أننا مع حرية الإعلام حتى يقوم بدوره كاملاًquot;، مشيرة إلى أنّ النقابة أعدت مشروعًا بديلاً وتصورًا كاملاً لهيئة تعديلية ضمن قانون إطاري (القانون عدد4) لحرية الاتصال السمعي البصري إلى جانب تنظيمين لقطاعي الإعلام العمومي والخاص.

وأوضحت المزابي أنّ مآخذ النقابة تتعلق أساساً quot;بالمستوى الإجرائي في المرسوم 116quot; لوجود سلطة كبيرة للهيئة القادرة على quot;معاقبة المؤسسات الإعلاميةquot; بينما الجرائم المنصوص عليها في القانون تبدو quot;ضبابيةquot;، فالفصل 30 يعطي صلاحيات لرئيس الهيئة الذي quot;في حالة علمه بمخالفات جسيمةquot; من الفصل5 وquot;دون أن يعاينهاquot;، له حق دعوة المختص دون علمنا بالآجال بالنسبة للاستدعاء ويمكن أن تكون في العطل الرسمية ويستمع المختصّ إليه وحده وعدم حضور صاحب المؤسسة لا يوقف القرار الفوري الذي يغلق المؤسسة الإعلامية.

وأضافت أنّ quot;رئيس الهيئة وبعد شهر كامل يقوم بإعلام صاحب المؤسسة بالقرار المتخذ في حق مؤسستهquot;.

وطالبت آمال مزابي بضرورة تحديد quot;المخالفات الجسيمةquot; المنصوص عليها في الفصل 5 الذي يتحدث عن حرية المعتقد وحقوق الإنسان والنظام العام والصحة العمومية والإشهار وغيرها.

وقالت:quot; لا يمكن أن تكون كل هذه السلطات بيد شخص واحد وهو رئيس الهيئة، هذا ما نرفضه قطعاً، فهذه المؤسسات تشغّل مئات الموظفين، وحتى إن تمّ إعادة تشغيلها بالقانون فسيكون بعد شهرين أو ثلاثة، وفي ذلك الوقت تكون المؤسسة قد خسرت حرفاءها، وبالتالي موقعها في الساحة الإعلامية وهل ستكون قادرة فعلاً على العودة من جديد بعد هذه العقوبة؟quot;

أزمة حادة

ترى اﻟﻣزاﺑﻲ أنّ quot;اﻟﺣﻛوﻣﺔ ﺳﺗواجه أزﻣﺔ ﺣﺎدة ﻣﻊ ﻣدﯾري اﻟﻣؤﺳﺳﺎت اﻻﻋﻼﻣﯾﺔ اذا ﻣﺎ ﻓﻌﻠت اﻟﻘﺎﻧون 116 اﻟﻣﻧظم ﻟﻠﻌﻣﻠﯾﺔ اﻻﻋﻼﻣﯾﺔ بصيغته الحالية، مضيفة quot;ليس لنا إشكال مع النقابات، ولكن مع أطراف أخرى تناضل بقوة من أجل الدفع لتفعيل هذا الملف بصورته الحاليةquot;.

وأكدت أنّ quot;مشاورات حصلت على مستوى رئاسة الجمهورية التي التزمت بالسعي إلى إقرار هذه التعديلات حتى تلتزم بها جميع الأطراف المتدخلة، وهكذا يتم تلافي الإخلالات الخطيرة في هذا المرسوم 116quot;.

وأضافت المزابي :quot; نريد تشجيع مؤسسات إعلامية أجنبية على الانتصاب في تونس من أجل إفادتنا من خلال تطوير مستوياتنا وإمكانياتنا إلى جانب خلق فرص عمل للتونسيينquot;.

وأكّد الأمين العام لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية محمد عبّو بعد اجتماعه في الثامن من الشهر الجاري بممثلين عن نقابة مديري المؤسسات الاعلامية لمناقشة موضوع المرسومين 115 و116 الصادرين مطلع نوفمبر 2011 quot;وجود ضغط داخلي وخارجي لتفعيل المرسوم 116 وخاصة بعد إضراب الصحافيينquot;.

الخلافات قائمة

أشار الكاتب العام المساعد للنقابة الوطنية للصحافيين التونسيين أيمن الرزقي إلى وجود خلافات مع نقابة مديري المؤسسات الإعلامية، مؤكدًا أن الغاية من المرسوم 116 هو تنظيم المجال السمعي البصري في تونس حتى لا يبقى مهمّشًا.

وأبرز الخلافات مع نقابة مديري المؤسسات الإعلامية حول مضمون الفصلين 29 و 30، والذي يهتم أساسًا بقطع البث للقنوات الإعلامية الذي quot;يجب أن يمرّ فعلاً بقرار من المحكمة الإداريةquot; دون أن تقوم الهيئة التي تشرف على الإعلام بذلك، على الرغم من وجود قاضٍ إداري وقاضٍ للقضاء العدلي ضمن أعضائها، وماعدا ذلك فلن نقبل بأن يتمّ المساس بتركيبة الهيئة أو كذلك لإيجاد مدخل بخصوص الإشهار السياسيquot;.

وأكد الرزقي أنّ روح المرسوم تؤكد أننا مع كل تعديل من شأنه أن يوسع من دائرة الحريات ولكن الظرفية الحالية لا تساعدنا على إعادة قراءة للمرسوم فصلاً فصلاً تحت قبة المجلس الوطني التأسيسي لأنّ ذلك quot;سيكون مدخلاً خطيرًا جدًا في صورة إعادة قراءته من طرف النواب والموافقة عليه لن يكون قبل أربعة أشهر أخرىquot;.

وأشار الكاتب العام المساعد للنقابة الوطنية للصحافيين التونسيين إلى أن رئاسة الجمهورية quot;مطالبة اليوم بالإسراع بتفعيل هذا المرسوم وبتكوين اللجنة التي ستشرف على القطاع السمعي البصريquot;.

ويتابع أيمن الرزقي: بعد تفعيل هذه اللجنة توافق نقابة الصحافيين التونسيين على أيّ تعديل ولكن الخطر اليوم ولا أعتقد أن أصحاب المؤسسات الإعلامية غير واعين به، هو أنّ تحوير عدد كبير من فصول المرسوم 116سيطيل العملية من جديد باعتبارها ستعود إلى المجلس التأسيسيquot;، مؤكدًا على أنّ كل الأمور المتعلقة بالإعلام سيتواصل تعطلها وهذا هو المشكل الكبير خاصة وأنّ الانتخابات قريبة، وبالتالي فلا نريد أن ندخلها من جديد بإعلام غير منظم مثلما حدث في انتخابات 23 تشرين الأول / أكتوبر 2011 وما رافقها من فوضى ومال سياسي فاسد وظّف في قطاع الإعلام، على حدّ تعبيره.

وأوضح أنّ نقابة مديري المؤسسات الإعلامية quot;تتناقض في آرائهاquot; حيث quot;تعمل من ناحية من أجل دعم حرية الإعلام، ولكنها في الوقت نفسهأعدّت مقترحًا آخر أضافت من خلاله عضواً آخر لمناصب السلطة التنفيذية ليصبح العدد ثلاثة وهذا غير معقول إذا عملنا فعلاً من أجل حرية الإعلامquot;.

وأضاف أيمن الرزقي:quot; لقد اجتمعنا ثلاث مرات مع نقابة مديري المؤسسات الإعلامية والنقابة العامة للثقافة والإعلام بالإتحاد العام التونسي للشغل (النقابة العامة) إلى جانب عدد من الخبراء في المجال السمعي البصري في رئاسة الجمهورية بقرطاج وتحادثنا ولكن الخلافاتلا تزال قائمةquot;.

وسيتمّ الإعلان الرسمي عن إحداث الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري يوم 10 كانون الأول / ديسمبر القادم تزامنًا مع ذكرى الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الإنسان.