أثبتت الحكومة البريطانية بقيادة ديفيد كامرون أن بوسعها التخلي عن المناداة بحقوق الشعوب في تقرير مصيرها إذا كان هذا الموقف يخدم مصالحها الاقتصادية، ويتضح ذلك في حادثة صغيرة نسبيًا، لكنها عميقة المغزى.


اتضح في وثائق مسرّبة الى قناة laquo;تشانيل 4raquo; التلفزيونية البريطانية أن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أصدر أمرًا في وقت سابق من العام الحالي الى كبار مسؤوليه بالامتناع كليًا عن الاتصال بزعيم التبت الروحي الدالاي لاما.

وسرى مفعول هذا الأمر غير المألوف في دولة غربية خلال الفترة التي كان كاميرون يجري فيها مباحثات حاسمة مع الحكومة الصينية حول المساهمة الصينية في صفقة لإنقاذ منطقة اليورو. وتمت هذه المحادثات اثناء انعقاد قمة العشرين الأخيرة في المكسيك، لكن الأمر من 10 داونينغ ستريت عاد عليه بما لا يشتهي وفقا لتقرير في صحيفة laquo;تليغرافraquo; البريطانية التي سلطت الضوء على الحادثة.

وتتعلق تفاصيل هذه النقطة الأخيرة بمسؤوليْن محددين هما تيم لاوتون الذي كان وقتها الوكيل البرلماني لوزارة الطفولة والأسرة، ونورمان بيكر، الوكيل البرلماني لوزارة المواصلات. وقد صدر الأمر بمنعهما في يونيو / حزيران الماضي (وقت انعقاد قمة العشرين في المكسيك) من تناول غداء شخصي مع الدالاي لاما في شقة رئيس البرلمان البريطاني، جون بيركو، الكائنة في مباني البرلمان نفسه. وكتب الوزيران الى كامرون خطابي احتجاج على laquo;الحرج البالغraquo; الذي تسبب فيه الأمر الوزاري.

وتحدث لاوتون الى برنامج laquo;ديسباتشيزraquo; الذي بُث امسية الاثنين على laquo;تشانيل 4raquo; فقال إن الأمر جاء فجأة وقبل laquo;دقائق معدودةraquo; من موعد اللقاء خلال زيارة الدالاي لاما بريطانيا في الفترة 14 - 23 يونيو الماضي. وحدث هذا بالرغم من أن داونينغ ستريت كان قد أصدر موافقته على حضور الغداء في وقت سابق.

وأضافت الى الحرج العميق أصلا حقيقة أن لاوتون هو الرئيس الفخري لـlaquo;جمعية التبتraquo;، وأن بيكر عضو في مجلس الجمعية نفسها. ولهذا فقد بدا واضحا أن أمر ديفيد كاميرون بالامتناع عن الاتصال بالدالاي لاما موجه اليهما تحديدًا - بسبب رابطيهما المهميْن مع قضية التبت الساعية للاستقلال عن بكين - وإن كان موجها الى كبار المسؤولين في الحكومة بشكل عام. فقد خشي داونينغ ستريت أن تُفسر بكين لقاء الوزيرين بالزعيم البوذي - وإن كان في مأدبة غداء خاصة - باعتباره تأييدًا حكوميًا بريطانيًا لقضية استقلال التبت التي تعتبرها إقليمًا متمردًا لا أكثر.

ووقتها كتب الوزيران خطابا إلى داونينغ ستريت بنسخ إلى نائب رئيس الوزراء نِك كليغ (زعيم الديمقراطيين الأحرار المؤتلفين مع المحافظين في حكومة كامرون) وإلى وزير الخارجية وليام هيغ. وجاء فيه: laquo;تجبرنا ملابسات هذه المسألة على الكتابة اليكم للتعبير عن قلقنا وضيقنا البالغين إزاء التوجيه الخالي من كل اشكال المرونة الصادر الأسبوع الماضي ويحظر على سائر كبار المسؤولين الحكوميين الاتصال بالدالي لاما خلال زيارته بريطانياraquo;.

وقال الوزيران إنهما لا يفهمان السبب وراء حظر المسؤولين من حفلة غداء خاصة لا يحضرانها بصفتهما الحكومية وإنما بصفة شخصية. وقالا إن هذا الأمر laquo;يتجاوز الحدود بوضوحraquo;.

ومضى الوزيران يقولان: laquo;كان غيابنا - في آخر لحظة - عن هذه المناسبة الخاصة مصدرًا عظيمًا للحرج الشخصي بالنسبة لنا خاصة بالنظر إلى الروابط العضوية العميقة التي تربطنا بقضية التبت. وغني عن القول إن غيابنا لم يمر مرور الكرام على حضور المناسبة بالنظر إلى المقعدين المهمين اللذين نشغلهما في laquo;جمعية التبتraquo;.

على أن laquo;الخطيرraquo; في خطاب الوزيرن هو احتجاجهما على أن الأمر بحظر المسؤولين من الاتصال بالدالي لاما laquo;يعني أن سياسة الحكومة البريطانية الخارجية تجاه التبت تقوم، في ما يبدو، على ما تراه بكين مناسبًاraquo;. وقالا إن الأمر لم يكن في محله laquo;لأن الدالي لاما ما عاد يشغل أي منصب سياسي، وكانت زيارته لبريطانيا تتم بصفته الزعيم الروحي، وليس السياسي للتبت. لا يسعنا إلا القول إن قرار رئيس الوزراء كان عين الخطأraquo;.

لكن يبدو أن كاميرون لم يملك وقتها أي مجال للدخول في نقاش معقول يتعلق ببكين التي ترى الأشياء بالأسود والأبيض فقط عندما يتعلق الأمر بالتبت وسعيها للاستقلال عنها. لكن الصين كانت ايضا صاحبة الكلمة العليا في ما إن كانت ستمنح صندوق النقد الدولي مبلغ 27 مليار دولار يخصصها لإنقاذ منطقة اليورو من الزوال الاقتصادي الكامل وينقذ بها الاقتصاد البريطاني نفسه بالتبعية.