انتفض القضاة التونسيون من جديد ضدّ مشروع قانون تقدمت به وزارة العدل ويتضمن مدونة سلوك على القاضي أن يلتزم بها. قضاة تحدثوا الى إيلاف رفضوا سلوك الوزارة الذي يهدف حسب تعبيرهم الى وضع اليد على السلطة القضائية، مؤكدين ضرورة أن يلتزم القضاة بالأخلاقيات التي يسطرونها بأنفسهم عبر هياكلهم المنتخبة.


محمد بن رجب من تونس: أثار مشروع quot;قانون الأخلاقيات القضائيةquot; الذي وجهته وزارة العدل التونسية إلى كل من جمعية ونقابة القضاة للنظر فيه، جدلاً في أوساط الأسرة القضائية التي رفضت quot;مدونة السلوكquot; التي تلقتها، واعتبرت أنّها ليست من مشمولات وزارة العدل بل من اختصاص الهياكل المهنية للقضاة وأن لا قيمة لها.

مقاربة تشاركية

أكدت وزارة العدل في بيان اطلعت عليه quot;إيلافquot; أنّ مشروع قانون الأخلاقيات القضائيّة، quot;يندرج في إطار مجموعة من الإصلاحات التي شرعت الوزارة في القيام بها بتوخي مقاربة تشاركيّة الهدف منها إشراك القضاة في صياغة مدونة سلوك تنبع منهم وتتضمن أهم المبادئ والقيم الأخلاقيّة التي تتفق أغلب المنظومات القانونية على ضرورة أن يتحلى بها كل شخص تحملّ أمانة الفصل بين الناس في ما يعرض عليه من منازعاتquot;.

وأوضحت الوزارة أنّ المشروع quot;لا يعدو أن يكون وثيقة أوليّة تمّ عرضها على الجهات المعنية لإبداء ما لهم من ملاحظات في شأنها قصد الاتفاق في النهاية على مدونة ترضي الجميع وتكون محل توافق بين كافة السادة القضاة دون إملاء من أحد.quot;، داعية إلى quot;ألاّ يكون مسار التشاور مثار جدل وتشكيك لا يؤسس لسلطة قضائية قوية ومستقلة ونزيهةquot;.

رفض المشروع

أوضحت رئيسة نقابة القضاة التونسيين روضة العبيدي في تصريح لـquot;إيلافquot; أنّ النقابة رفضت هذا المشروع الذي ورد عليها من وزارة العدل شكلاً دون الدخول في أصله ومحتواه.

اعتبرت أنّ المشروع ورد عليها من جهة لا صفة لها لإعداد مثل هذا المشروع الذي يهتم بالأخلاقيات القضائية أو مدونة السلوك، مؤكدة أن النقابة أعدت مشروع قانون مدونة سلوك منذ شهرين، وذلك في انتظار تحوير القانون الأساسي للقضاة باعتباره التزامًا معنويًا من القضاة ينطلق منهم ومن الهياكل المختصة دون غيرها ويعرض على المجلس الأعلى للقضاء ووزارة العدل لا دخل لها في ذلك.

شددت القاضية روضة العبيدي على أنّ نقابة القضاة التونسيين ترفض الخوض في محتوى المشروع quot;حتى لا تطلب منا وزارة العدل الحوار بينما نحن نرفض تدخلها أصلاًquot;، على حدّ تعبيرها.

من ناحيتها، بيّنت روضة القرافي نائب رئيس جمعية القضاة التونسيين في إفادتها لـquot;إيلافquot; أنّ مشروع قانون الأخلاقيات القضائية عرض لصياغته من طرف لجنة مشتركة على أساس إصداره بأمر من رئيس الحكومة مؤكدة أنّ جمعية القضاة سجلت عديد المآخذ، منها أنّ وزارة العدل ليس من اختصاصها إعداد مدونات السلوك القضائية لأنه بحسب المعايير الدولية يكون هذا مدخلاً دائمًا للحدّ من استقلالية القضاء بوضع القواعد المشددة التي تمكنها من سهولة الوصول إلى المآخذ التأديبية التي تستعمل ضد كل قاضٍ يتوجه توجهًا استقلاليًا بعيدًا عن السلطة التنفيذية.

أوضحت القرافي أنّ مثل هذه المدونات تكون من اختصاص المجالس العليا المنتخبة أو الهياكل التي تمثل القضاة على غرار الجمعيات أو النقابات.

لا قيمة له

أوضحت العبيدي أنّ quot;مشروع قانون الأخلاقيات المهنيةquot; لا يمكن أن يكون في شكل قانون باعتباره لا قوة إلزامية له تمامًا كميثاق شرف يلتزم به القضاة.

وأكدت أنّ وزارة العدل أعدت هذا الميثاق دون استشارة القضاة أصلان لأنه quot;متى ساهم القضاة في إعداد هذا الميثاق يكونون ملزمين أخلاقيًا بالمحافظة عليه و تطبيقه، وبالتالي فإنّ هذا المشروع لا قيمة لهquot;.

ترى العبيدي بأنه كان على وزارة العدل أن تعمل على الإسراع بإعداد القانون الأساسي للقضاة والهيئة التي ستحلّ بديلاً عن quot;المجلس الأعلى للقضاءquot;، إذ لا بد من توفير quot;الضماناتquot; أولا ثم التفكير بعد ذلك في quot;مدونة السلوك الخاصة بالقضاةquot;.

أضافت: quot;ليست قضية استعجالية، بل يجب العمل على فتح ملفات الفساد والقيام بالإصلاحات التي تهمّ قطاع القضاءquot;.

مساعٍ للهيمنة على القضاء

أعلن اتحاد القضاة الاداريين في بيان اطلعت عليه quot;إيلافquot; رفضه لإعداد المشروع من قبل السلطة التنفيذية مجسمة في وزارة العدل أو أي جهة حكومية أخرى، لما في ذلك من مزيد تكريس للهيمنة على السلطة القضائيةquot;.

نبّه الاتحاد إلى quot;ضرورة الامتناع عن اعداد مجلة للأخلاقيات القضائية قبل تفعيل الفصل 22 من القانون التأسيسي عدد 6 لسنة 2011 المتعلق بالتنظيم الموقت للسلطات العمومية، والذي يقتضي بإعادة هيكلة المجالس العليا للقضاء (العدلي والإداري والمالي) طبقًا للمعايير الدولية لاستقلال القضاء، وعلى ضرورة أن المجالس العليا في تركيبتها وباختصاصاتها الحالية لا تعد ضمانة لإعداد سليم لمدونات أخلاقيات القضاءquot;.

لا نيّة للإصلاح

أقرّت القاضية روضة العبيدي بأنه quot;لا يمكن الحديث حاليًا عن استقلالية القضاء اعتباراً إلى أنّ وزارة العدل لم تبدأ أصلاً في هذا التمشيquot;.

تؤكد لـ(إيلاف): quot;القانون الأساسي للقضاة سيتضمن استقلالية القضاء عن السلطتين التنفيذية والتشريعية ولا يمكن أن يشكل ضغطًا على القضاةquot;.

أوضحت القاضية روضة القرافي أنّ التمشي السليم لإصلاح قطاع القضاء لا يمكن أن تكون بدايته بـquot;مدونة السلوكquot; فالأولوية تكون للإصلاح، وذلك بوضع الهياكل المسيرة للقضاء، والتي تخضع لمعايير الشفافية للتمثيلية الانتخابية، وكذلك لضبط الوضع النهائي للسلطة القضائية، قبل صياغة القوانين الأساسية التي تتضمن أن يعهد للمجلس الأعلى للقضاء وضع مدونة السلوك القضائي.

تضيف: quot;هناك مسألة متعلقة أساسًا بفكرة مشروع قانون الأخلاقيات القضائية وتتمثل في وعي القطاع بأهمية الضوابط الأخلاقية أي وعي ينبثق من الذات بضرورة وضع قواعد أخلاقية تنظم علاقته بالمتقاضي وببقية السلطات وعلاقة القطاع كأعضاء في ما بينهم، فعندما ينخرط القاضي في هذه الضوابط الأخلاقية يلتزم بها، وتكون مرجعًا له، ولكن عندما تفرض هذه الضوابط ولا تكون نابعة من الذات، غالبًا ما يتم تجاوزها وعدم الإلتزام بها.

تشير القاضية روضة القرافي إلى أنّ هذا المشروع quot; غلب عليه الطابع الترهيبي ومحاصرة القضاة والحدّ من حقهم في التعبير، لأنّ رئيس المحكمة مثلاً هو الذي يقدّر بطريقة انفرادية المخالفة السلوكية مبيّنة أن أحد الفصول من هذا المشروع يمنع على القاضي أن quot;يصرّح بما يضرّ بمصالح البلادquot;، وذلك عندما يخرج في إطار تمثيله في هيكل يمكنه أن يبسط وجهة نظره في قطاع القضاء وإصلاحه ومشاكله ومواطن الخلل في المنظومة القضائيةquot;، وهذا يمكن أن تعتبره وزارة العدل ضارًّا بمصلحة البلاد وهو ما تعتبره القرافي أنه يدخل حدّا من حرية التعبير لدى القضاة.

اعتبر حزب العمال التونسي أنّ هذا المشروع quot;يتنافى وأبسط المعايير الديمقراطية والدولية المعمول بها في مجال استقلالية القضاء، وأنه quot;خطوة أخرى في مسار الالتفاف على مطلب بعث الهيئة المستقلة للقضاء العدلي التي ينبغي أن تحظى بالأولوية على كل الإجراءات التنظيمية والإدارية الأخرىquot;.

وأكد الحزب في بلاغ له على أن اتخاذ هذا القرار هو من اختصاص القضاة وحدهم عبر هيئاتهم الممثلة دون سواهم وأن إقدام وزارة العدل عليه دون استشارتهم هو هروب إلى الأمام وشكل من أشكال الضغط على السلطة القضائية وتهميشهاquot;.

صلاحيات مطلقة

أشارت القاضية العبيدي إلى أنّ مسألة quot;الصلاحيات المطلقة للقضاةquot; تطرح بقوة في الفترة الأخيرة وهو موضوع مغلوط أصلاً، وأكدت أنّ سلطة القاضي ليست مطلقة والقاضي ليس أمامه غير quot;العمل على علوية القانون وتطبيقهquot;.

تضيف: quot;بقدر ما تمنح السلطة للقضاء يتأكد تطبيق القانون لفائدة المواطن ..من يخاف ديكتاتورية القضاة فهو يحارب في الأصل من أجل وضع اليد على استقلالية القضاء لبلوغ مرحلة الاستبدادquot;.

من ناحيتها أوضحت القاضية القرافي أنها لا ترى quot;صلاحيات مطلقة للقضاةquot; بل على العكس من ذلك quot;يخضع القاضي للرقابة في سلطة ديمقراطيةquot;.

وتؤكد أنه يجب القطع مع نظام الإفلات من العقاب الذي كان سائدًا لأنّ quot;بعض القضاة يرتكبون تجاوزات ولكن السلطة التنفيذية تغضّ عنهم الطرف لتوظيفهم في قضايا أخرى وهذا ما يجب أن ينتهي تمامًاquot;.

تختم قائلة: quot;الرقابة لا تمارسها السلطة التنفيذية بل تمارس على القاضي من هيكل منتخب وهو المجلس الأعلى للقضاء ويتمتع القاضي أمامه بالضمانات الكافية للدفاع عن نفسهquot;.