يبدو أنّ دور العشيرة في العراق تجاوز القضايا القطرية إلى القضايا ذات البعد الإقليمي، ويحاول السياسيون اليوم كما النظام السابق توظيف العشيرة لصالح أجندتهم السياسية. ودخلت العشائر كذلك على خط الأزمة السورية دعمًا ورفضًا لنظام الأسد.

العشائر العراقية تدخل على خط الأزمة السورية

بغداد: يجد حميد السلطاني في محافظة بابل (100 كم جنوب بغداد) في العشيرة ضالته في حل مشكلته التي يعاني منها منذ سنة، فقد اتُهم بإهانة وضرب رجل اثناء شجار حول أرض زراعية، ولم يجرؤ السلطاني على الذهاب الى مراكز الشرطة خشية من توسع دائرة النزاع وفضل العشيرة على المركز الحكومي لحل المشكلة.

وبسبب العادات والتقاليد السائدة يجد الكثير من العراقيين في العشيرة ظل السلطة بل بديلاً للمؤسسات الحكومية التي تضعف في الكثير من المواقف والمشكلات امام قوة العرف العشائري.

ويقول الناشط العشائريليث محمد، إن دور العشيرة في هذا الخصوص يتحدد تبعًا لمستوى قوة الدولة أو ضعفها.

دور اكبر

بلغ دور العشيرة في العراق اليوم مدى اكبر، فقد دخلت العشيرة باب السياسة من اوسع ابوابها ويحاول السياسيون اليوم كما في السابق توظيف العشيرة لصالح اجندتهم السياسية، وعلى مر الازمان، عملت الحكومات المتعاقبة على الاستعانة بالعشائر لبسط نفوذها وتعزيز الامن.

واستغل نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين العشيرة لتعزيز الجبهة الداخلية اثناء الحرب العراقية الايرانية (1980 ndash; 1988 )، اما اليوم فإن هناك تنافسًا بين الاحزاب من جهة، وبين الحكومة من جهة أخرىللاستحواذ على دور العشيرة في المجتمعوتسخيره لصالح اجندتها السياسية .

ويقول استاذ العلوم السياسية احمد كاظم إن دور العشيرة السياسي توسع بشكل كبير جدا بعد العام 2003، ويضرب في ذلك مثلاً في حدثين بارزين شهدتهما الايام الماضية، يدلان على الدور السياسي المرتقب للعشيرة مع تزايد الجذب الطائفي، المحلي والإقليمي.

يشير كاظم الى الحادث الاول وهو توجيه عشيرة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين نداء إلى شيوخ العشائر العراقية لمنع العبث بقبر الرئيس السابق وجثمانه، بعد أن قررت الحكومة نقل رفات صدام من مكان إلى آخر، وهو ما أثار ضجة واسعة.

ويقول كاظم إن العشائر هي التي حركت الموقف وليست الكتل السياسية مما يعني أن دور العشيرة السياسي بات مؤثرًاquot;.

عشيرة صدام

مما يلفت الانتباه أن عشيرة صدام لم تخاطب الزعماء السياسيين قدر مخاطبتها لشيوخ عشائر العراق قاطبة، حيث جاء في البيان الذي اصدرته: quot;نخاطب نخوة وشهامة شيوخ عشائر العراق خاصة شيوخ وعشائر العرب عامة، فلقد انجبت العشائر العراقية والعربية للوطن ابطالاً قلوبهم عامرة بالإيمان وعقولهم مسلحة بالحرية والاصالة ودحر المحتلquot;.

العشائر العراقية على خط الازمة السورية

أما الحدث الثاني الذي يشير اليه كاظم ويبرهنأن دور العشيرة تجاوز المحلي الى الاقليمي، فهو دخول عدد من العشائر العراقية على خط الازمة السورية.

فقد التقت عشائر عراقية من وسط وجنوب العراق الرئيس السوري بشار الاسدمعربة عن دعمها له ، مبدية تخوفها من أجندة متشددة في سوريا تشكل خطرًا على العراق.

لكن كاظم يرى أن الوفد العشائري الذي التقى الاسد لم يكن ليحدث لولا وجود تنسيق سياسي على مستوى عالٍ بين اطراف سياسية عراقية والحكومة السورية في أجندة واضحة تصب في خانة النظام في دمشق.

لكن الشيخ حسين الطائي الذي شارك في الوفد، يؤكد أن الغرض من زيارة الوفد هو لتأمين وضع أمني مستقر في العراق بعدما تحدث كثيرون عن تهديدات لا تصب في صالح الوضع في العراق.

ويرى الطائي أن العشائر العراقية اتفقت في خطابها الى الاسد على أن استقرار الامن في سوريا يصب في صالح العراقيين، ويتابع: quot;هذه لا يعني ابداً أن العشائر العراقية تؤيد سياسيًا الاسد ضد شعبه، بل أنها تخشى فوضى أمنية تهدد الاستقرار في العراقquot;.

وعلى العكس من ذلك، فإن عشائر عراقية في المنطقة الغربية من العراق، أبدت تأييدها للمعارضة السورية، ودعمها لها بالأفراد والسلاح.

وضع سياسي مضطرب

ويعتقد الشيخ حميد المطلك أن المشهد العراقي اليوم يوفر الفرص أكثر من أي وقت مضى، لتعزيز دور العشيرة، في ظل وضع سياسي مضطرب وعدم كفاءة المؤسسات الحكومية في حل الكثير من الاشكاليات الاجتماعية. وبحسب المطلك، فإن دور العشيرة يقوى في المناطق البعيدة عن مراكز المدن بشكل ملموس.

ويؤكد المطلك ايضًا على أن للعشيرة القول الفصل في المنطقة الغربية من العراق مثلاً، وهي تؤدي ادوارًا عجزت المؤسسات الامنية عن القيام بها، بل أن دورها اليوم واضح في التأثير على التوجهات السياسية للكتل، ويتابع quot; أن العشائر هي التي قلصت نفوذ القاعدة في المناطق الغربية وليست الدولةquot;.

ولا يستغرب الشيخ ماجد الكلابي من شيوخ الكلابيين في بابل من اتساع دور العشيرة، ويقول لـ(إيلاف): quot; إن المجتمع العراقي هو مجتمع عشائري بالدرجة الاولى حيث تشكلالعشائر اكثر من النصف من سكان العراق، ولا استثني من ذلك المجتمعالكرديquot;.

ويضيف: quot;كان دور العشيرة ايجابيًا في كل فترات الحكم السابقة في العراق. وفي الحالات التي تضعف فيها الدولة، فإن البديل كان على الدوام هو العشيرة التي نجحت في ابقاء المجتمع العراقي موحدًاquot;.

ويضرب الكلابي مثلاً في العلاقة المتينة بين العشائر السنية والشيعية في وقت يتناحر فيه السياسيون من الطوائف المختلفة، ويقول إن السياسيين يؤججون الفتن الطائفية بينما العشائر تطفئهاquot;.

العرف العشائري مع قوانين الدولة

على صعيد آخر، يرفض الشيخ معروف المحمداوي، وهو من شيوخ عشار الدليم، شمال بابل، ما يقوله البعض من تصادم العرف العشائري مع قوانين الدولة، ويرى أن الاثنين يكملان بعضهما البعض وما لا تستطيع قوانين الدولة من معالجته يصبح حله واجبًا من قبل العرف العشائري.

ويضيف: quot;في الغالب يؤدي تطبيق قانون الدولة في المنازعات الى مشاكل جديدة ولهذا يلجأ كثيرون الى العشيرة لحل المشاكل بالتراضي بعدما وجدوا أن قوانين الدولة لم تسعفهمquot;.