عادت الحياة تدريجياً إلى بلدة دلجا القبطية في محافظة المينا وسط مصر، وذلك بعدما غادرتها أكثر من 100 أسرة هرباً من هجمات نفذها إسلاميون على مدى اربعة ايام متتالية، ابتداءً من الرابع عشر من شهر اب/ اغسطس الماضي.


دلجا: عاد سمير حنا القبطي الى منزله في بلدة دلجا قبل قرابة اسبوع ليجده محترقًا ومسروقاً من قبل رجال ملثمين يعتقد أنهم جاؤوا من خارج بلدته.وقال حنا وهو مزارع في الثالثة والاربعين من عمره لصحافي من وكالة فرانس برس زار البلدة الواقعة في محافظة المنيا بوسط مصر: quot; قام المئات بمهاجمة منازلنا (اي منازل الاقباط) ومعظمهم كانوا ملثمين، وقد سرق منزلي واشعلت فيه النيران ودمرquot;.
في الرابع عشر من اب/اغسطس وعلى مدى عدة ايام متتالية قامت اعداد كبيرة من الاسلاميين بأعمال عنف في دلجا، حيث هاجموا منازل للاقباط وكنائس وبثوا الرعب في قلوب الاسر المسيحية.وتزامن هذا الهجوم مع قيام قوات الجيش والشرطة في القاهرة بفض اعتصامي انصار الرئيس الاسلامي محمد مرسي الذي سقط خلاله مئات القتلى.
وترك الهجوم على دلجا، الذي اسفر عن مقتل حلاق قبطي، هوة واسعة بين المسلمين والمسيحيين من ابناء البلدة البالغ عددهم 120 الفًا، والذين كانوا يعيشون معًا حتى الآن في سلام.وبعد الهجوم فرت اكثر من 100 اسرة قبطية من منازلها محتمية لدى اقارب أو اصدقاء بل أن بعضها غادر البلدة نفسها.
وقال حنا: quot;بعد ان هربنا من بيتنا اقمنا في منزل صديقي المسلم، فنحن نثق به ولكننا خائفون ولا نشعر بالامن لاننا لم نعد نستطيع أن نثق في كل سكان بلدتنا الآنquot;.وتابع: quot;نخشى مما يمكن أن يحدث بعد أن يغادر الجيش البلدةquot;.
وكانت قوات الجيش دخلت دلجا الواقعة على بعد 400 كيلومتر جنوب القاهرة في 16 ايلول/سبتمبر الماضي لملاحقة الاسلاميين الذين يدعم معظمهم، بحسب وسائل الاعلام، الرئيس المعزول محمد مرسي. ويقول سكان دلجا الاقباط إنهم متهمون من قبل الاسلاميين بدعم الجيش الذي اطاح مرسي المنتمي الى جماعة الاخوان المسلمين.
وعزز من اعتقاد الاسلاميين بدعم المسيحيين للجيش، ظهور بطريرك الاقباط الارثوذكس البابا تواضروس الثاني مع شيخ الازهر احمد الطيب وقادة سياسيين آخرين الى جوار وزير الدفاع عبد الفتاح السياسي عند اعلانه عزل مرسي في الثالث من تموز/يوليو الماضي.
وتقول منظمات حقوقية إن الاقباط، الذين يشكلون ما بين 6% و10% من المصريين البالغ عددهم 85 مليوناً، تعرضوا لاعتداءات خصوصاً في محافظات المنيا واسيوط في وسط مصر بعد فض اعتصامي انصار مرسي.
وبحسب منظمة هيومن رايتس ووتش الاميركية، فإن اكثر من 40 كنيسة تعرضت لهجمات في مصر منذ الرابع عشر من اب/اغسطس من بينها 11 كنيسة في المنيا وثمانٍ في اسيوط.وقال الانبا يؤنس اسقف دلجا إن اندمال جروح الاقباط في بلدته يحتاج وقتًا طويلاً.
واكد أن quot;قرابة الفي شخص هاجموا في اليوم الاول الدير والكنائس واشعلوا النيران فيها وسرقوا العديد من الاشياء بل أنهم حفروا في الارض ظنًا منهم أنهم قد يجدون كنوزًاquot;. وكان الانبا يؤنس يشير بيده الى حفرة في ارض كنيسة السيدة العذراء.
واضاف: quot;العنف توقف فقط بعد دخول القوات الى البلدة واذا اردنا استعادة الثقة المفقودة الآن يجب أن لا تتكرر مثل هذه الحوادث، كما ينبغي على السلطات القيام بجهود للمصالحةquot;.واعرب المسلمون الذين تحدثت اليهم وكالة فرانس برس عن املهم في أن تتحسن الامور مع مرور الوقت.
وقال توفيق زكي الذي يعمل في محل جزارة quot;لقد ساعدت صديقي سمير فأنا مسلم وواجبي أن اساعد المظلوم، هذاما يأمرني به الاسلام لكني اعرف أنه ليس من السهل اعادة بناءquot; ما تهدم.اما البلدة نفسها فقد بدأت تعود فيها الحياة شيئًا فشيئًا الى طبيعتها تحت أعين قوات الامن والجيش المتمركزة الآن حول قسم الشرطة.
فقد فتحت المحلات ابوابها وسوق البلدة تمتلئ بالبائعين والمشترين كما أن الاطفال يجرون في الشوارع فيما يتحرك المزارعون بشاحناتهم المحملة بالبصل وهو من المحاصيل الرئيسية التي تزرع في دلجا.غير أن نظرة على منزل سمير حنا المكون من طابقين كفيلة بأن تكشف حجم التصدع بين مسلمي ومسيحيي البلدة.
فحوائط المنزل المغطاة بالدخان الاسود والنوافذ المنزوعة من أطرها وجهاز التلفزيون المهشم والاكوام من بقايا الاثاث في غرف النوم الخمس للمنزل كلها شواهد على أن المهاجمين صبوا جام غضبهم على المسيحيين.اما حنا فيتساءل بحسرة وهو ينظر الى ابنائه الثلاثة الجالسين فوق بقايا الاثاث: quot;من سيدفع ثمن اصلاح كل هذا، كيف يمكنني اعادة بناء ما تهدم؟quot;.