تشغل القضايا المعيشية اليومية في مصر، الشعب عن الاهتمام كما في السابق بالثورة وأهدافها بعد أن اتخذت الثورة مسارا غير متوقع، وبعد أن طال انتظار تحقيق الديمقراطية.

بيروت: انه quot;بوعزيزي المصريquot;، الشهيد الأول الذي أطلق شرارة ثورة يناير لإسقاط ديكتاتورية الرئيس المخلوع حسني مبارك، الألم والتعذيب الذي تعرض لهما على يد عناصر فاسدة من الشرطة أثار حمية الملايين في البلاد، فهبوا للوقوف بوجه الظلم بعد عقود من الخنوع. أما اليوم، فلا أحد يذكره، إنه خالد سعيد.
سلّط مقتل الشاب خالد سعيد على أيدي الشرطة المصرية الضوء على مدى فساد نظام مبارك، وأطلق ثورة مصر الأولى عام 2011. لكن بعد عامين ونصف، لم تتحقق العدالة في قضية هذا الشاب، إذ يتم تأجيل محاكمة من قتلوه للمرة الرابعة.

عدالة بطيئة
ينتقد مؤيدو حقوق الإنسان تباطؤ العدالة في مصر، معتبرين أن الوضع في شوارع القاهرة يشبه اليأس الذي كان عليه قبل اندلاع الثورة، فالشعب المصري يعتبر أن أية اعتصامات أو إضرابات تخل باستقرار البلاد واقتصادها، ما جعلهم يفقدون إيمانهم بالديمقراطية ويلتفون حول قيادة الجيش.
يعتبر الخبراء ان تردي الوضع الاقتصادي والأمني في البلاد يشغل الشعب عن قضاياه، فهو يسعى لتأمين لقمة العيش ويخشى أن تعيد اي مطالبة من أي نوع الاقتتال إلى الشوارع وهو أمر لا يرغب فيه أحد.
دعم الحكومة
نتيجة لتوقعات خبراء الاقتصاد باستمرار تباطؤ نمو الإقتصاد القومي، قامت الحكومة المصرية بتحديد الحد الأدنى للأجور وإعفاء الطلاب من المصاريف المدرسية هذا العام.
على الرغم من هذه الإجراءات، انتقد الناشطون السياسيون انعكاس أثر هذه الإجراءات على أرض الواقع، مؤكدين إنها لا تسهم في رفع مستوى معيشة المواطن المصري، إنما تزيد فقط من تأييده للقيادة العسكرية التي يهمها في المقام الأول quot;القضاء على الإرهابquot; مع كل ما يحمله هذا العنوان من مآخذ.
وسط هذا التخبط والاضطراب السياسي والاقتصادي، يتمسك القليلون بمبادئ ثورتهم مؤكدين أن التغيير لا يحدث في ليلة وضحاها.
أهداف الثورة
quot;كل من يتجول وسط القاهرة يرى بوضوح أن الثورة لم تحقق ما كنا نأمل بهquot; تقول داليا موسى، المتحدثة باسم المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وهي منظمة غير حكومية مقرها القاهرة. وأضافت أن العدالة الاجتماعية ما زالت بعيدة المنال quot;فالناس لا تزال جائعة، والشرطة تستطيع إذلالنا متى تريدquot;.
عندما نزل ملايين المصريين الى الشوارع عام 2011، كانت ثورتهم مستمدة من الكراهية تجاه نظام مبارك، وليس من رؤية مشتركة من أجل quot;الخبز والحرية والعدالة الاجتماعيةquot;، وهي المطلب الشعبي الذي برز بشدة خلال الانتفاضة.
الانقلاب العسكري في 3 تموز (يوليو) أدى إلى تحويل محمد مرسي، أول رئيس منتخب للبلاد إلى رجل محتجز ومعزول عن العالم الخارجي، فانطلقت دوامة احتجاجات جديدة من جانب المؤيدين الاسلاميين. وكان شهر آب (أغسطس) الأكثر دموية في تاريخ البلاد الحديث، مع مقتل أكثر من ألف ضحية بسبب العنف السياسي في جميع أنحاء البلاد.

القضايا الاجتماعية أقوى
الآن عادت الأجهزة الأمنية سيئة السمعة إلى موقع السلطة في البلاد، وفقاً لصحيفة الـ quot;كريستيان ساينس مونيتورquot; التي اعتبرت ان الحكم العسكري يسيطر على مصر من جديد في ظل استمرار تعثر الاقتصاد وانتشار الفساد، حيث تعاني البلاد من نقاط ضعف كثيرة ليس أقلها العنف والطائفية والفقر، وربما هذا ما جعلها تدير ظهرها عن قضية خالد سعيد وغيره لأن الفساد ينهش فيها وشعبها منهك لا يجد التغيير المطلوب ثورة بعد ثورة.
حاولت الحكومة المصرية الحالية إجراء بعض التغييرات، لكن العنف الذي عاد لينتشر في الشوارع يشكل عبئاً ثقيلاً على اقتصاد مصر، وأظهر مسح أجرته وكالة رويترز هذا الأسبوع، أن خبراء الاقتصاد يتوقعون نمو الاقتصاد المصري 2.6 بالمئة فقط في السنة المالية المنتهية في حزيران (يونيو) عام 2014، أي أقل بكثير من نسبة 3.5 بالمئة التي تتوقعها الحكومة المصرية.

واقع يسبب اليأس
النمو الاقتصادي البطيء يعني المزيد من الصعوبات بالنسبة إلى الملايين من المصريين الذين يكافحون الآن لتأمين الغذاء، ويعني المزيد من البطالة للشباب الجامعي الذي يبحث عن وظائف دون جدوى.
الوضع الراهن في مصر لا يبشر بالخير، وهو دليل واضح على أن النظرة التشاؤمية تستمد يأسها من وقائع ومعاناة يومية. لكن هناك بعض المتفائلين الذين ما زالوا يعتقدون خيراً بقدرة بلادهم على مواجهة تحديات المستقبل.
quot;لا يتغير بلد بين ليلة وضحاهاquot; يقول محمود عفيفي، المحامي الذي لا يزال يناضل من أجل العدالة لخالد سعيد. ويضيف: quot;لن تتحقق مطالب ثورتنا بسرعة. لكن مع مرور الوقت وتغير الثقافات، الناس ستطالب بالمزيدquot;.