انقرة: اصبحت الصحافة في تركيا في ظل حكم رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان مهنة محفوفة بالمخاطر، اذ ان عشرات المراسلين وكتاب الافتتاحيات او الاخبار فقدوا وظيفتهم، ضحايا قمع الحركة الاحتجاجية المناهضة للحكومة التي هزت البلاد.

وفي عدادهم، علي اكبر ارترك، الذي روى ان صحيفة اقسام صرفته في الشهر الماضي من العمل، لانه عبّر عن دعمه للمتظاهرين. وقال quot;دعمت تظاهرات حديقة جيزي على صفحتي على موقع فايسبوك وحسابي على تويتر معبّرًا عن مواقفي الشخصية، وليس عن مواقف صحيفتيquot;.

وقبل نحو سنة، احصت لجنة حماية الصحافيين، وهي منظمة غير حكومية، مقرها في نيويورك، 76 صحافيًا معتقلًا، ووصفت تركيا بـquot;اكبر سجن في العالمquot; بالنسبة إلى اهل الصحافة، امام الصين او ايران. وموجة التظاهرات التي استهدفت رئيس الحكومة الاسلامية المحافظة لم تغير الوضع.

وقال مسؤول نقابة الصحافيين الاتراك ارجان ايبكجي quot;ان الوضع من سيء الى اسوأ. ان الخوف بات سيد الموقف في العديد من وسائل الاعلامquot;. واضاف ان 85 صحافيا على الاقل يعتبرون مناهضين للسلطة صرفوا من العمل او دفعوا الى الاستقالة منذ التظاهرات، التي انطلقت من حديقة جيزي في اسطنبول في 31 ايار/مايو.

ولم ينج منها اصحاب الاقلام المعروفين . فقد طرد جان دوندار (52 عاما) هذا الصيف من صحيفة ملييت، حيث كان يعمل منذ العام 2001. وبحسب هذا الصحافي المشهور، فان انتهاكات حرية الصحافة ارجعت بلاده الى quot;الاوقات الحالكة لطغيان العسكرquot;.

وقال دوندار quot;بصفتي صحافيا عايش 12 ايلول/سبتمبر (1980 حيث وقع انقلاب عسكري)، بوسعي القول اني اسف للرقابة. عندما كان يمنع مقال كان عسكري ياتي لابلاغنا ذلك في الصباح، ولم يكن ينشرquot;. quot;اما اليوم اعلم انه حتى صور غير مفيدة لرئيس الوزراء تكفي لاثارة توتر في الصحيفةquot; كما قال.

لكن الحكومة التي استجوبت مرات عدة حول مصير الصحافيين تنفي ممارسة اي انواع الضغط على وسائل الاعلام التي اظهرت بعض التعاطف مع المحتجين في حزيران/يونيو. الا ان الامثلة عن عملية التخويف لا تنقص. فاسماعيل سايماز الذي يعمل لصحيفة راديكال الليبرالية تعرّض لتهديد من قبل حاكم محلي، لانه اجرى تحقيقا حول ظروف مقتل شاب متظاهر في التاسعة عشرة من العمر، ونشر سلسلة مقالات تشير الى اهمال الشرطة.

وكتب محافظ اسكيشهير (غرب) عظيم تونا في رسالة الكترونية quot;ان واصلت العمل على هذا الموضوع وكتابة تعليقات فانت سافل وغير جدير بالاحترامquot;. وقال اسماعيل سايماز quot;اعمل تحت الضغط منذ 2009 وقدمت نحو عشرين شكوى ضديquot;، لكنها quot;المرة الاولى التي اتلقى فيها مثل هذه الرسالة الالكترونية من طرف محافظ ارسلت من عنوانه الخاص. انه امر مثير للدهشة والسخريةquot;.

والتهديد لا يصدر حصرا عن السلطات السياسية، بل ايضا عن اصحاب وسائل الاعلام التي معظمها كناية عن تكتلات صناعية يرتهن رقم اعمالها في الغالب بشكل وثيق بالاسواق العامة. واكبر مجموعة اعلامية تركية دوغان تخلصت من صحيفة ملييت بعدما فرضت الحكومة عليها تصحيحا ضرائبيا قياسيا في 2009.

وقال جان دوندار في هذا الصدد quot;كانت رسالة الى جميع اقطاب الصحافة، تلقاها صاحب ملييت بوضوح، وافهمنا بشكل واضح انه لم يعد يريد مقالات افتتاحية يمكن ان تغضب رئيس الوزراءquot;، مضيفا quot;ان اصوات النشاز في الصحيفة سكتت .. ومبيعاتها تدهورتquot;.

وخلال الحراك الاحتجاجي سخر متظاهرون عديدون من وسائل الاعلام التركية المتهمة بنظرهم بالتقليل عمدا من اهميته. حالة شبكة التلفزة الاخبارية سي ان ان تورك، التي فضلت ان تبث في 31 ايار/مايو فيلما وثائقيا عن طائر البطريق، بدلًا من بث مباشر للصدامات في ساحة تقسيم، اصبحت خير مثال على ذلك.

ويقر نائب الرئيس الفخري لرابطة الصحافيين الاوروبيين التركي دوغان تيليتش اليوم بان الوضع الكارثي للصحافة في تركيا الذي وصفته المنظمات الدولية quot;صحيح مئة بالمئةquot;. وتذكر انه quot;في التسعينات كنا نتحدث عن اغتيال صحافيين في تركياquot;، لكن quot;في سنوات الالفية الثانية لم تعد الحالة كذلك، بل محاكمات ورقابة ذاتية. فباسم ماذا يتم كل ذلك؟.