حسم الأردن خياره النووي السلمي بالتوجه إلى الأصدقاء الروس لبناء أول محطة نووية في المملكة، ستعقبها مرحلة لاحقة لبناء مفاعلات نووية صغيرة الحجم بواقع وحدتين في كل موقع باستطاعة 180 ميغا واط لكل وحدة.

قال الدكتور خالد طوقان، رئيس هيئة الطاقة الذرية الأردنية إن لدى الهيئة توجهًا لتشكيل لجنة استشارية دولية للبرنامج النووي الأردني تتكون من أقطاب الطاقة النووية، وسياسيين وخبراء بيئيين من جميع انحاء العالم تجتمع سنويًا وتتابع سير العمل والتقدم في البرنامج وترفع تقريرها إلى الحكومة.
وحيث يواجه البرنامج النووي الأردني حملات معارضة شعبية خشية انعكاساته الخطيرة على البيئة العامة، فإن طوقان اكد ضرورة اجراء حوار وطني يبحث اهمية الموضوع وابعاده الاقتصادية والبيئية وآليات العمل والتنفيذ التي ستتم وفق المعايير العالمية الخاصة بأمن وامان الطاقة النووية.
وكان طوقان يتحدث في حوار صريح وللمرة الاولىعن البرنامج النووي الأردني مع اسرة وكالة الانباء الأردنية (بترا) الثلاثاء بحضور وزير الدولة لشؤون الاعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة الدكتور محمد المومني وأداره مدير عام الوكالة فيصل الشبول.
وقدر الدكتور طوقان كلفة الكيلو واط الواحد من الكهرباء المولدة من المفاعل بحدود سبعة قروش مقابل تكلفة حالية تبلغ حوالي 18 قرشاً للكيلو واط الواحد، مؤكدًا أن الهيئة ستعلن مطلع العام المقبل الأرقام النهائية حول احتياطي المملكة من اليورانيوم.
واشار طوقان إلى التحديات التي يشهدها قطاع الطاقة في المملكة، وأنها تفرض التوجه للطاقة النووية خياراً لطاقة المستقبل لضمان تنويع مصادر الطاقة المحلية من خليط الطاقة الكلي في ظل استيراد المملكة حوالي 97 بالمئة من احتياجاتها من الطاقة.
تحديات
وقال إن هذه التحديات لفتت اهتمام صناع القرار في المملكة للمضي قدماً في مشروع توليد الكهرباء بواسطة الطاقة النووية.
وعرض الدكتور طوقان لمراحل تنفيذ البرنامج النووي الأردني، والتي تتمثل بمرحلتين وفق المعايير وبالاعتماد على الخبرات العالمية بالاستفادة من التطور الذي حققته المفاعلات النووية الحديثة من حيث الامان المتطور، بما فيها الاطفاء التام والتبريد الذاتي وتمتعها بحجرات مصائد للوقود المنصهر.
وقال إن اختيار موقع المحطة النووية تم بالاعتماد على دراسات شملت جميع مناطق المملكة وتم خلالها تحديد الاماكن المحتملة لاقامة المحطة وتم اختيار منطقة قصر عمرة للمشروع الذي سيعتمد على مياه محطة خربة السمرا لتبريد المفاعل وسط تقديرات بتوفير حوالي 45 مليون متر مكعب اضافية من المياه لاستخدامها في عملية تبريد المفاعل.
واشار إلى أن الهيئة تتعاون في تنفيذ المشروع مع هيئة تنظيم العمل الاشعاعي والنووي بصفتها جهة رقابية على مختلف مراحل المشروع وتستعين بخبرات أممية ووزارة البيئة لتنفيذ مختلف مراحل المشروع. وبين أن لدى الحكومة خطة مدتها عامان للتواصل مع الجمهور وتوضيح الحقائق للوصول إلى القبول المجتمعي.
خيار استراتيجي
ومن جهته، أكد وزير الدولة لشؤون الاعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة الدكتور محمد المومني أهمية البرنامج النووي للاردن واصفًا المشروع بأنه خيار استراتيجي لخدمة الاجيال المقبلة في ظل التحديات التي يشهدها قطاع الطاقة في المملكة.
وقال إن أمام المشروع عامين قبل الإتفاق مع الجانب الروسي، سيتم خلالهما طرحه على الرأي العام لتوضيح الحقائق وتبيان أهمية quot;هذا الافق الجديد من الطاقةquot; الذي يضع على عاتق الاعلام والجهات المعنية وصناع الرأي مسؤولية تنوير الرأي العام بالمشروع وجعله محط فخار أردني.
وفي ما يتعلق بالنفايات النووية، قال الدكتور طوقان إن طرقاً حديثة تستخدم حاليًا وتعالج من خلالها النفايات النووية وأن مباحثات مع الجانب الروسي تجري لإعادة النفايات لبلد المصدر، وهو احد الخيارات.
وقال إن اختيار التكنولوجيا الروسية تم بالاعتماد على ثلاثة أسس (فنية ومالية واقتصادية)، مؤكدًا أن المفاعلات الحديثة تتمتع بخاصية الأمان المتطور وتراعى فيها الجوانب الفنية لتفادي المشاكل السابقة بما في ذلك عند الاطفاء التام والتبريد الذاتي ووجود حجرة مصائد الوقود المنصهر.
صدقية الروس
وفي الوقت الذي اشاد فيه طوقان بصدقية شركة روس اتوم بصفتها شركة حكومية، قال إن المشروع النووي الأردني يواجه تحديات داخلية وخارجية يجب العمل على تجاوزها لأهمية المشروع للمملكة.
وعرض لتفاصيل الخيار الروسي، وأنه يشمل تكنولوجيا المفاعلات النووية الروسية والمقدم من شركة (اتوم ستروي اكسبورت) كجهة مزودة للتكنولوجيا النووية وتم اختيار شركة (روست اتوم افرسيز) كشريك استراتيجي ومستثمر/ ومشغل للمحطة النووية الأردنية الأولى، وفق اتفاقية تبرم بين الحكومتين الأردنية والروسية.
وبهذا الخصوص، قال إن انجاز المشروع سيتم على مرحلتين، الأولى تمتد لمدة عامين، وفيها تنفذ الدراسات التفصيلية للموقع ودراسة إنشاء المرافق اللازمة للمحطة من حيث مياه التبريد وشبكة النقل والشبكة الكهربائية، بالإضافة إلى اجراء المفاوضات، حيث من المتوقع أن يتم خلال هذه المرحلة تخفيض على سعر الكهرباء المولدة.
اما المرحلة الثانية فيتم خلالها توقيع العقد والمباشرة بتنفيذ وبناء المشروع.
وبحسب الدكتور طوقان، فإن مساهمة الجانب الروسي في المشروع ستكون بنسبة 49 بالمئة من كلفة المحطة النووية الأردنية وعلى أن تكون نسبة الطرف الأردني 51 بالمئة، مشيرًا إلى وجود محطات مرجعية روسية تستخدم نفس التكنولوجيا وقد تم ترخيصها وبناؤها وهناك محطات نووية قد تم تشغيلها حالياً.
مفاعلان نوويان
وعن عناصر المشروع، قال إنه يشمل مفاعلين نوويين بقدرة 1000 ميغاواط لكل منهما، وأن الطاقة الكهربائية المولدة من المفاعلات النووية هي مجدية اقتصادياً وتنافس في جدواها الكهرباء المولدة من أي مصدر آخر ناهيك عن العمر التشغيلي للمحطة النووية، والذي يصل إلى 60 عاماً.
كما عرض الدكتور طوقان خلفية تاريخية للمشروع، وقال إنه يأتي استجابة للاستراتيجية الوطنية للطاقة عام 2006، المتضمنة العمل على تعظيم استغلال الموارد المحلية المتاحة للطاقة، وتقليل الاعتماد على الاستيراد من الخارج، الذي يستنزف اكثر من 20 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي باستيراد المملكة ما نسبته97 بالمئة من احتياجاتها من مصادر الطاقة من الخارج.
وقال إن الاستراتيجية ركزت على أهمية الاستفادة من خليط موارد الطاقة المحلي كبدائل، كاستخدام الطاقة المتجددة، والصخر الزيتي، والطاقة النووية وغيرها من البدائل، حيث باشرت كل جهة مختصة بالعمل على استغلال مصادر الطاقة المحلية كل حسب اختصاصه.
استخدامات سلمية
وقال إن الأردن اطلق برنامجه النووي للاستخدامات السلمية للطاقة النووية وباشر العمل بذلك منذ عام 2008، وهو العام الذي باشرت فيه هيئة الطاقة الذرية الأردنية، أعمالها رسمياً بشكل يتماشى مع متطلبات الوكالة الدولية للطاقة الذرية ويرتكز عملها على تنفيذ محاور البرنامج النووي الأردني الرئيسة التي تشمل استغلال المواد النووية الطبيعية في الارض الأردنية وعلى رأسها اليورانيوم وانشاء محطة للطاقة النووية لتوليد الكهرباء باستخدام المفاعلات النووية وانشاء المفاعل النووي الأردني للبحوث والتدريب في حرم جامعة العلوم والتكنولوجيا بقدرة 5 ميغاواط، وتدريب وتطوير الأطقم الفنية اللازمة لتنفيذ البرنامج النووي الأردني.
واشار طوقان إلى الدراسات التي تمت على الموقع، وقال إن شركة الائتلاف العالميــة ( تراكتيبل) التي تم اختيارها من بين 6 شركات عالمية، وقامت بإجراء مسح شامل للمملكة، وبخاصة بعد حادثة فوكوشيما لاختيار المواقع المحتملة لإقامة المحطة النووية، والمفاضلة بينها لاختيار الموقع الانسب من بين هذه المواقع لإقامة المحطة آخذينفي الاعتبار توفر مياه كافية للتبريد في جميع هذه المواقع.
كما تتميز هذه المواقع من النواحي الجيولوجية والزلزالية والطبوغرافية وغيرها من المقومات الفنية والبيئية الأخرى، ذات العلاقة، مؤكدًا أهمية المشروع لبناء القدرات الأردنية والاستفادة منها على مستوى الاقليم.
وقال إن البرنامج النووي الأردني ومن خلال المفاعل البحثي المرتقب في جامعة العلوم والتكنولوجيا ينتج نظائر مشعة تستخدم في المجالات الطبية والزراعة.

ثلاثة مواقع
واضاف أن هيئة الطاقة الذرية الأردنية بالتعاون مع شركة الائتلاف ( تراكتيبل)، واللجنة الوطنية المشكلة لهذه الغاية انهت الاعمال الفنية اللازمة لاختيار الموقع المناسب للمحطة النووية الأردنية، وفق متطلبات الوكالة الدولية للطاقة الذرية حيث تم اختيار ثلاثة مواقع مناسبة لإقامة محطة للطاقة النووية عليها وهذه المواقع هي موقع العقبة جنوب المملكة، باستخدام مياه البحر الاحمر للتبريد وموقع المجدل الذي يبعد 12 كيلومترًا شمال خربة السمرا، في محافظة المفرق، باستخدام مياه خربة السمرا للتبريد بالإضافة إلى موقع عمرة على بعد 60 كم جنوب شرق خربة السمرا، في محافظة الزرقاء، باستخدام مياه خربة السمرا للتبريد.
وقال إن مجلس الوزراء قرر الموافقة على الإبقاء على المواقع الثلاثة المرشحة من قبل الهيئة تمهيداً لاستكمال الدراسات التفصيلية لخصائص هذه المواقع.
وقامت الجهات المختصة العاملة في الهيئة وبمؤازرة من اللجان الوطنية الفنية بإجراء المفاضلة بين المواقع المرشحة الثلاثة، لاختيار الموقع الانسب من بينها، آخذينفي الاعتبار جميع الظروف المؤثرة على عملية الاختيار لموقع المفاعل النــووي من جميع الجوانب الفنية، والبيئية، والطبوغرافية، والاقتصادية، واللوجستية، حيث تم اختيار موقع عمرة على بعد 60 كم جنوب شرق خربة السمرا فـي محافظة الزرقاء (موقع عمرة).
وعرض الدكتور طوقان مميزات موقع عمرة، وقال إن المكان بعيد عن التجمعات السكانية والمدن الكبيرة ومصادر المياه العذبة، والمناطق الزراعية الحيوية ولقربه النسبي من مصدر مياه التبريد من محطة تنقية خربة السمرا وتميز المنطقة بزلزالية منخفضة، كما تتميز المنطقة بطوبوغرافية مستوية تقلل كلفة توفير البنى التحتية، ونقل المياه عبر الانابيب إلى موقع المحطة النووية، بالإضافة إلى قربه من خطوط النقل لشبكة الكهرباء الوطنية بما يقلل كلف نقل الكهرباء، وتخفيض الفاقد ومن شبكة الطرق الرئيسة في المملكة عدا عن سهولة توفير الحماية اللازمة للمحطة النووية من الاخطار الخارجية.
20 الف طن
وأكد أن كميات اليورانيوم في منطقة وسط الأردن تتجاوز عشرين الف طن وتمتاز بتراكيز جيدة تتراوح بين 200 و250 جزءًا بالمليون، وهي ارقام واعدة للاستفادة منها في المضي قدمًا ببرنامج المملكة لتعدين اليورانيوم.
وأوضح طوقان أن الطاقة النووية ستسهم في استمرار توفر مصادر طاقة المستقبل في الأردن والعالم، وأن البرنامج النووي الأردني سيكون قادرًا على إعطاء الأردن الاستقلاليــة في توليد طاقة كهربائية اقتصادية وآمنـة ومستقرة بعيدًا عن التقلبات السياسية العالمية ويمثل موطن قوة في خطط التنمية الوطنية الشاملة.
ويهدف الأردن من وراء إنشاء محطة طاقة نووية لإنتاج الكهرباء إلى خفض تكلفة إنتاج الكهرباء، والتي تتناسب طردياً مع أسعار النفط وتتأثر بالانقطاع المتكرر للغاز الطبيعي المصري.
وفي الختام يشار إلى أنه تم إنشاء هيئة الطاقة الذرية الأردنية في بداية عام 2008 كخلف لهيئة الطاقة النووية الأردنية، وبهدف نقل وتطوير وتعزيز الاستخدامات السلمية للطاقة النووية.
ويتركز عمل الهيئة على محورين رئيسين، وهما مشروع إنشاء محطة الطاقة النووية لإنتاج الكهرباء وإزالة ملوحة المياه باستخدام المفاعلات النووية، ومشروع استغلال الثروات النووية الطبيعية الموجودة في الأردن، وعلى رأسها اليورانيوم.