يبدو أن الحراك الذي تقوده مجموعة العشرين في الجزائر لن يؤتي أكله. فقد أجمع متابعون على أن معطيات عديدة تلعب لصالح بوتفليقة ومؤيديه، بخلاف المعارضين الذين لم يجتمعوا على موقف موحّد منذ زمن.


الجزائر: يتفق متتبعو الشأن السياسي في الجزائر على أن رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة لا يريد مغادرة الحكم، وهو يعمل جاهدًا على تجنيد الموالين له من أحزاب وجماعات ضغط ووسائط إعلام وقوى خارجية وداخلية للفوز بولاية رئاسية رابعة، في انتخابات بمرشحين عن الإسلاميين والنساء ومنطقة القبائل الكبرى.

أما المعارضة المتمثلة في بقية الأحزاب والشخصيات والحراك الدائر في محيط خصوم بوتفليقة، فالأمر غير مهمّ. يفسّر عبد الله طمين، مرشح مقاطع لرئاسيات 9 نيسان (أبريل) 2009، ذلك بأن الوسائل السياسية لمناوئي الرئيس الحالي محدودة، والتي تفتقر لتمثيل نيابي كافٍ، غير قادرة على المناقشة والإقناع والنقد بسبب المنابر الإعلامية، كما أنه بإمكان السلطة إغراء العناصر الفاعلة المطالبة بالتغيير السلمي.

أحزاب رأي

يعترض ثلث الأحزاب السياسية الجزائرية على ترشح بوتفليقة لولاية رابعة، وهو اعتراض شكلي، بحسب طمين، فمنها أحزاب قائمة على معيار مشاركة الأعضاء في الحياة الحزبية، وأحزاب مبنية على معيار التنظيم، وأخرى تتكئ على معيار القاعدة الاجتماعية.

ويتفق الناشط السياسي عبد الحكيم عباس مع طمين على أن المنظومة المحلية تتوزع على أحزاب الرأي، وهي أحزاب ليس لها أي مذهب سياسي أو إيديولوجي معين وواضح، مقابل وجود أحزاب لها إيديولوجيات شاملة وفلسفة متكاملة، كما توجد أحزاب شمولية وأحزاب متخصصة وأخرى موصوفة بــquot;الاحتكاريةquot; وتشكيلات البرامج وأحزاب الأشخاص وأخرى خاصة ومختلطة.

في ظل هذه المعطيات، تبقى هيمنة النظام الحالي قائمة ومرشحة للاستمرار، وهذا يعني أن بوتفليقة هو الذي يختار نفسه أو يختار من يمثله في الرئاسيات المقبلة. أما المعارضة السياسية داخل التكتل أو خارجه، فدورها لا يتعدى الاستئناس السياسي، ففي ظل مقاطعة 80 بالمئة من الجزائريين للانتخابات الرئاسية المقبلة، تكفي الرئيس أصوات الهيئات النظامية ونفوذ الإدارة ودعم القوى العظمى.

هيمنة الرئيس

لا تخيف جبهة القوى الاشتراكية النظام، فبإمكانه أن يضغط عليها بطرق مختلفة، سواء عن طريق الإغراءات أو عن طريق الأممية الاشتراكية وغيرها. وبالنسبة إلى ترشح الوزير الأول السابق علي بن فليس، يقول طمين إن هذا الأخير لا يستطيع فعل أي شيء في غياب اعتماده رسميًا كمرشح للمؤسسة العسكرية، وهو أمر مستبعد.

ويلفت طمين إلى أن الجزائر تعيش هذه الأيام أزمات وصراعات سياسية حادة بين السلطة والمعارضة، في ظل غياب مجموعة من القيم والتقاليد السياسية لهؤلاء وأولئك.

ويتميز النظام السياسي القائم في الجزائر بما يسميه طمين الشمولية وإقصاء المعارضة السياسية، وعليه فالإشكالية المطروحة اليوم تكمن في كيفية تأثير المعارضة السياسية على السلطة، التي من عيوبها هيمنة الرئيس سياسيًا ودستوريًا على الحياة الوطنية، quot;واستبداد السلطة التنفيذية بمناقضة النصوص الدستورية والقانونية، إلى جانب تفشي الفساد وإلغاء مبدأ المسؤولية بالتهرب منها، وصعوبة معرفة المسؤول عن الخطأ، وظهور ثقافة تقديس الرئيس وإعادة انتخابه إلى ما لا نهاية، مع منع تغيير النظام السياسي وهياكله الأساسية، وهي الأسباب والدوافع التي جعلت المعارضة السياسية تعمل على مراقبة الحكومة وانتقادها والاستعداد للحلول محلها، أي بمعنى آخر أن المعارضة السياسية تعارض بالحق أو بالباطل كل تصرفات الحكومة لمجرد الرغبة في المخالفة أو حب المعارضة لذاتهاquot;، كما قال طمين.

فرصة تغيير قائمة

يصرّ أحمد بن بيتور، رئيس الوزراء الأسبق والمرشح المحتمل لرئاسيات 2014، على أن فرصة التغيير وإحداث انتقال إيجابي لا تزال قائمة، وهو يثق بفاعلية الجبهة الموسّعة ضدّ النظام، في رهانها على كسر محاولة المتنفذين تكريس سياسة الأمر الواقع.

وينعت بن بيتور، الذي كان أول رئيس وزراء لدى تسلم بوتفليقة الرئاسة قبل أربعة عشر عامًا، النظام الحالي بـquot;التسلطيquot; الذي لا يصغي إلاّ إلى نفسه، quot;ما تسبّب في فضائح الفساد وسوء التسييرquot;. كما دق ناقوس الخطر بخصوص الاقتصاد الوطني، فالمعطيات تجعله يتخوف أكثر بعد تراجع صادرات المحروقات وتدني أسعارها، في مقابل الغضب الاجتماعي المتفاقم.

ويعتبر بن بيتور نفسه مرشحاً للشعب، جازمًا أن تغيّر المعطيات في الوطن العربي يحتم على النظام الحالي جعل استحقاق نيسان (أبريل) 2014 محطة تغيير جادة. ويحذر من أن البلاد باتت في وضع هش جدًا بسبب مرض الرئيس، ما أفرز تعطّل مؤسسات الدولة، وإنتاج قرارات غير صائبة بعيدة عن واقع البلاد، مضيفًا: quot;في الجزائر، كل شيء مبني على رؤية الرئيس وقراراته وهنا الخللquot;.

ثلاث مراحل

يؤمن بن بيتور بحتمية الاحتكام إلى تحوّل ديمقراطي عبر ثلاث مراحل، هي احتواء الأزمة ولا بد لها من سنتين من اجل بناء الثقة بين الحاكم والمحكوم، ثم مرحلة الانتهاء من التحول وتفعيله، ثم مرحلة ثالثة قد تستغرق 10 سنوات لتثبيت الديمقراطية عبر نقاش واسع للخيارات الكبرى.

ويشير بن بيتور إلى أن تكتل المعارضين نوعي، فجيلالي سفيان يمثل جيل الشباب، ومحمد مشاطي وجه من الرعيل الأول للثورة، فضلًا عن أسماء أخرى تمثل شرائح فاعلة. وهذا التقاطع ليس لدعم ترشح اسم معين في الرئاسيات، quot;بل لأننا رأينا أن الوضع يتطلب تحالف كل من يرون في تمديد عهدة الرئيس ومراجعة الدستور خطرًا داهمًاquot;، كما يقول بن بيتور.

وينتهي إلى أنّ واجب جميع الأشخاص الذين يريدون التغيير الآن استغلال الفرصة وإنقاذ البلد من الأزمة بوجوه ورجال وكفاءات جديدة لخدمة البلاد فقط، ويشاطره في هذا الانطباع كثيرون.

عجز المعارضة

يبرز المحلل السياسي الجزائري مروان لوناس أن مجموعة العشرين لا تمثل كل المعارضة، إذ هناك تكتل آخر هو quot;القطب الوطنيquot;. بيد أنه يلاحظ أن هذه الأحزاب ليست متجذرة شعبيًا، ولا تملك رصيدًا في الشارع، quot;اللهم إلا إذا استثنينا حزبين أو ثلاثة من المجموعةquot;.

ويؤكد أن معارضين آخرين لهم وزنهم في الساحة السياسية لا ينتمون إلى المجموعة، quot;ونقصد جبهة القوى الاشتراكية، إذ تلتزم تشكيلة الزعيم التاريخي حسين آيت أحمد موقفًا أقرب إلى الصمت والحياد، وكذلك حزب العمال الذي يبدو أقرب إلى موقف السلطة منه إلى المعارضة، بل أن زعيمته التروتسكية لويزة حنون انتقدت صراحة مجموعة العشرين، ورأت في مطلبها بتقديم مرشح توافق خطرًا على الديمقراطية.

وما يزيد فرص فشل المعرضة هو ضعف أدائها السياسي بشكل عام، وغلبة الحساسيات الشخصية لأطرافها، وتبادلهم الاتهامات، وعجزهم على الالتفاف على أرضية واحدة سترهن نجاح المجموعة، بالإضافة إلى أن سياسة السلطة طيلة السنوات الماضية استهدفت بشكل أساسي تدمير وإضعاف المعارضة، وتشتيت صفوفها، وإغراء بعضها مثلما حدث مع حركة مجتمع السلم المحسوب على الإخوان.

ركام 14 عامًا

منذ تولي بوتفليقة الحكم، تمكنت السلطة من إغلاق كافة المنافذ الإعلامية والسياسية أمام هذه المعارضة، وشيطنة الانتماء إلى الأحزاب، وتلميع شخصية الرئيس، وتقوية مؤسسة الرئاسة على باقي مؤسسات الدولة، وتغييب المعارضة عن القرارات الهامة في البلاد.

هذه العوامل مجتمعة أضعفت المعارضة، وجعلتها عاجزة عن الوقوف على رجليها، لمواجهة سلطة تغولت واستحوذت على كل مداخل ومخارج الفعل السياسي في البلاد.

ويرفض لوناس، كما رفيق بحري، وصف بن فليس بالشخصية المعارضة، لأنه أحد أبناء النظام، وبنى معارضته على خلافات شخصية تحولت إلى خلافات سياسية مع بوتفليقة قبيل فوزه بولاية ثانية في ربيع العام 2004.

وما ينطبق على بن فليس من ضعف ينطبق على المعارضة الحزبية، فالرجل ظلّ غائبًا أو مغيّبًا، ولم يُسمع له صوت، ولم يسجل له حضور في المسائل الوطنية الكبرى طيلة السنوات العشر الأخيرة، بل أن الرجل ظل محسوبًا على جناح داخل السلطة إلى الآن، ولم يعلن عن ترشحه رسميًا رغم أن انتخابات الرئاسة ستحصل بعد خمسة أشهر.

الاعتبارات المذكورة، تجعل تكتل العشرين غير فعّال، بدليل أنه تفادى الخوض في أهم نقطة بين أطرافه، وهي التوافق على مرشح يجمع أطراف المعارضة، ما يعني تضارب المواقف ووجود طموحات شخصية لدى البعض.

وكحد أدنى اكتفت هذه الأحزاب بتجديد طلب تشكيل هيئة مستقلة تشرف على الانتخابات وتأجيل تعديل الدستور، وكأنها تقبل مبدئيًا بدخول المعترك الانتخابي، رغم أن بعض أضلاعها يلوّحون بالمقاطعة، إذا ما لمسوا أنّ اللعبة المغلقة مثلما هو حال حركة مجتمع السلم الإسلامية.

تفرق المعارضة

سيكون الخيار الوحيد للتوافق أمام المعارضة، بحسب مروان لوناس، أحد الحلين: إما اجتماعها حول شخص مرشح موحد تدعمه خلال المرحلة المقبلة وما بعد الانتخابات الرئاسية، وهذا صعب حاليًا، وإما مقاطعة الانتخابات الرئاسية وترك الطريق سالكًا أمام مرشح النظام، وهذا صعب أيضًا لأنّ المعارضة الجزائرية لم تجتمع على موقف منذ العام 1999.

في ظل المعطيات الراهنة، المرجح أن تدخل المعارضة الانتخابات الرئاسية بصفوف متفرقة، بينما تبدو أحزاب الموالاة في راحة من أمرها، لأنّ مرشحها المفترض جاهز ومعروف، وهي تستفيد من رصيده السياسي والشعبي، ومن الأدوات المتاحة أمامها.

وتتواجد الموالاة في موقع قوة، وتملك مجالًا واسعًا للمناورة، ولإبقاء الوضع الحالي على حاله. وحتى شعبيًا، لا يمكن نكران تمتع بوتفليقة بشعبية مقارنة مع مرشحين آخرين مفترضين حتى ولو كانوا من أوزان ثقيلة، لأن تاريخ بوتفليقة ارتبط بعودة الأمن والاستقرار، وهذا أكبر إنجاز يحفظه الشعب للرئيس.

وجعل عرّابو الولاية الرابعة، كرئيس الوزراء عبد المالك سلال ورئيس حزب الأغلبية عمار سعداني، من الاستقرار ورقة لحملة مبكرة، حتى بدا الأمر كما لو أنه تخويف للجزائريين من مغبّة تغيير الرئيس أو التخلي عنه.