quot;الكتاب الأسود quot; الذي اصدرته رئاسة الجمهورية في تونس، وتضمن أسماء الصحافيين المورطين في مساندة الديكتاتورية، مرفقا بالوثائق والشهادات، كان بمثابة الزلزال، وقد اختلف من حوله الحقوقيون والقضاة والإعلاميون.
تونس: أثار quot;الكتاب الأسودquot; الذي أصدرته رئاسة الجمهورية التونسية، وكشف تورط إعلاميين ورجال ثقافة ووسائل إعلام عربية، في التسويق لـquot;نجاح الإختيارات السياسية والإقتصادية والإجتماعية للنظام السابق وتلميع صورته في الداخل والخارج مقابل أموال تصرف بسخاءquot;، جدلا واسعا في الأوساط السياسية والحقوقية والمدنية.
وتباينت الآراء وتنوعت بخصوص اصدار quot;منظومة الدعاية تحت حكم ابن علي، الكتاب الأسودquot;، بإشراف من دائرة الإعلام والتواصل برئاسة الجمهورية، إذ اعتبر البعض الكتاب quot;غلطة سياسية كبرىquot;، وquot;تشويشا على مسار قانون العدالة الانتقاليةquot;، وquot;اعتداء على القضاء التونسيquot; بينما رأى شق آخر quot;ضرورة إحالة ملفات الإعلاميين المتورطين على القضاءquot;، وأنّ هذا الكتاب quot;كشف نفاق النخبةquot;.
وصف للأرشيف
عدنان منصر الناطق الرسمي بإسم رئاسة الجمهورية، أعلن في وقت سابق، أنه سيتمّ إصدار جزء ثان من الكتاب الأسود يتضمن معلومات جديدة حول quot;منظومة الإعلام في نظام بن عليquot;.
وقال منصر في حوار على القناة الوطنية الأولى إنّ هذا الكتاب أعدّه quot;أرشيفيون و إداريون دون تدخّل أي طرف في تحريرهquot;، مشددا على أنه quot;ليس نشرا للوثائق بل تقريرا ووصفا لمخزون من الأرشيفquot;.
وعبّرت الجامعة التونسية لمديري الصحف عن quot;عميق استيائها واستنكارها لما ورد من مغالطات خطيرة في ما سمي بالكتاب الأسود المتداول على مواقع التواصل الاجتماعي والصادر عن رئاسة الجمهوريةquot;، مؤكدة quot;احتفاظها بحقّ مقاضاة كلّ المورطين في حبك سيناريوهات التجريم التّي طالت أعضاءها دون وجه حقّ وذلك لدى المحاكم التونسية والهيئات والهياكل الممثلة دولياquot;.
مثير للبلبلة
تعليقا علىquot;الكتاب الأسودquot;، اعتبر وزير حقوق الإنسان والعدالة الإنتقالية، سمير ديلو، الكتاب quot;معاكسا لعقلية وذهنية وأدوات العدالة الإنتقالية، فهو يضرّ ويشوّش على مسار العدالةquot;، على حدّ تعبيره.
وأضاف ديلو: quot;هذا الكتاب يعتبر مخالفا للعدالة الانتقاليةquot; شكلا وروحا وتوقيتا وحتى المضمونquot;.
وأشار إلى أنّ هذا الأرشيف الذي تملكه رئاسة الجمهورية quot;لا يمكن أن تتصرف فيه أي جهة كما تشاء خاصة وقد قسّم الساحة من خلال ردود الأفعال بين ضحايا الماضي والمتورطين في نظام بن عليquot;.
واعتبر بيان لحزب الإتحاد الوطني الحرّ الكتاب الأسود quot;مثيرا للبلبلة في هذه المرحلةquot;، مشيرا إلى أنه quot;يخالف قوانين البلاد وخاصة قانون حماية المعطيات الشخصية لسنة 2004 و قانون حق النفاذ إلى المعلومة، ويشوّش على مسار العدالة الانتقاليةquot;.
سقوط رموز النخبة
حيّا عبدالرؤوف العيادي الأمين العام لحركة وفاء quot;المرزوقي على شجاعته من خلال كشف المتورطين من الإعلاميين الفاسدينquot;، مشيرا إلى quot;سقوط رموز النخبة بعد الضجّة التي أحدثها هذا الكتابquot;.
وأوضح العيادي لـquot;إيلافquot; أنّ الكتاب الأسود كشف quot;نفاق النخبةquot; مطالبا بعدم الإقتصار بذلك والعمل على كشف السياسيين المتورطين في الفساد والمتعاونين مع نظام بن عليquot;. ومشددا على quot;معرفة من تعامل مع اسرائيل في الفترتين السابقتينquot;.
من جانبه، طالب حزب التيار الديمقراطي بـquot;إحالة ملفات المتورطين في الفساد من الإعلاميين ذات الصبغة الجزائية على القضاء، معتبرا في بيانه أنّ الحلّ لكشف وثائق الدولة وأرشيفها هو سن قانون في الغرض يسند تلك الصلاحية للجنة مستقلة تتسم بالحياد وتقوم بأعمالها بموضوعية وبمعزل عن أي دوافع حزبية أو سياسية في إطار منظومة عدالة انتقالية تضمن عدم الإفلات من المحاسبة و تنتهي بوضع الإجراءات الضرورية لعدم تكرر الجرمquot;.
العدالة الإنتقالية
أبرز أيمن الرزقي عضو المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين أنّ: quot;هذا الكتاب تضمن معلومات مهمةquot;، مؤكدا لـquot;إيلافquot; أنّ quot;النقابة تساند عملية كشف الحقيقة لما كان يجري في النظام السابق لكن هذا الكشف لا يمكن أن يكون من طرف رئاسة الجمهورية لوحدها بإستغلال الوثائق والمعلومات دون إشراك للقضاء والنقابة، فكشف الحقيقة لا يكون إلاّ في إطار العدالة الإنتقاليةquot;.
وقالت عضو الهيئة العليا للإتصال السمعي البصري رشيدة النيفر لـquot;إيلافquot; إنّ إصدار رئاسة الجمهورية للكتاب الأسود يعتبر quot;أمرا شاذاquot;، لأنّ الأرشيف وكشف الحقائق واستغلال المعلومات العامة يبقى موكولا للعدالة الإنتقالية.
وضمّ الكتاب الأسود أسماء صحافيين ورؤساء وتحرير ومديري صحف تمّ تسخيرهم لخدمة النظام مقابل امتيازات مالية ومنح مجزية، ومناصب عالية من خلال عملية تمّ توثيقها بمراسلات وتقارير جاسوسية بين القصر والاعلاميين ومؤيدات تكشف المبالغ المالية الكبيرة التي تم صرفها لرموز منظومة الدعاية وهو ما منح الكتاب قيمة توثيقية هامة.
سابقة تاريخية
قال الكاتب عادل السمعلي متحدثا عن الكتاب الأسود: quot;إن هذه السابقة التاريخية النوعية في كشف منظومة الفساد الاعلامي مكنت من كشف اللثام عن آليات منظومة الدعاية الاعلامية لتبييض صورة الجنرال الهارب وتشويه صورة المعارضين لنظامه.quot;
وأضاف السمعلي لـquot;إيلافquot;: quot;لم تقتصر هذه المنظومة على أسماء المتورطين من إعلاميي تونس فحسب بل ضمت قرابة مائة شخصية عربية وأجنبية من الإعلاميين والمثقفين العرب الذين تمت رشوتهم من نظام بن علي لكتابة المقالات وتأليف الكتب عن القيادة الرشيدة والحكمة الفريدة لنظام بن علي وهناك من الأسماء الصادمة التي كانت على علاقة دعائية وثيقة بنظام الفساد والاستبداد بتونس والتي أصبحت تنظر للثورة ولآستحقاقات الكرامة والحرية بعد سقوط الديكتاتورية.quot;
وقال السمعلي: quot;إن من يستعرض أسماء الإعلاميين الفاسدين الواردة في الكتاب الأسود للصحافيين المتورطين في منظومة الدعاية الإعلامية للمخلوع يقف على حقيقة أنّ نفس هذه الأسماء هي التي انبرت بعد الثورة تعطي الدروس الثورية للرأي العام التونسي عبر البرامج الإذاعية والتلفزية وهي نفسها التي أطلقت حملات تشويهية على الرئيس المرزوقي لغاية استهدافه بالتهجم أحيانا وبالسخرية والاستهزاء منه أحيانا أخرىquot;.
دوافع سياسية وحزبية
واعتبرت روضة العبيدي رئيسة نقابة القضاة التونسيين الكتاب الأسود quot;اعتداء على القضاء والعدالة الإنتقاليةquot;، مشددة على هامش ندوة quot;مؤسسات الدولة على محك الثورةquot;، أنّ الكتاب جاء بناء على quot;دوافع سياسية وحزبيةquot;، ويمثل quot;ضربا لحق الدفاع ولضمانات المحاكمة العادلةquot;.
واستنكرت جمعية الصحفيين الشبان quot;انخراط رئاسة الجمهورية في سياسة التشهير وخرق القانون quot;بعيدا عن القضاء مشيرة في بيانها إلى أنّ الكتاب quot;يندرج ضمن مسار العدالة الانتقالية التي توفر كل الضمانات للمتهمين والمتضررينquot;.
ودعت جمعية الصحفيين الشبان رئاسة الجمهورية إلى quot;رفض هذا الأسلوب والرجوع إلى المسار القانوني والعادل بعيدا عن التشهيرquot;.
التعليقات