طالب يهود العراق السلطات الأميركية بعدم تسليم أرشيفهم إلى الحكومة العراقية، لأنه يضم جزءًا مهمًا من تراثهم وتاريخهم وحياتهم وشخصياتهم.


لندن: خلال تجمع ليهود العراق خلال اليومين الماضيين فى مقر الكنيسة الشرقية لأوهيل بلندن، تحدث اليهودي العراقي الاصل دافيد إدوين شكر عن الأرشيف اليهودي في العراق، الذي كانت القوات الأميركية نقلته إلى الولايات المتحدة بعد احتلالها العراق في العام 2003، وعرض عددًا من الوثائق التي نقلت من العراق إلى أميركا آنذاك، بعد أن وجدت في سرداب قبو تحت الأرض لمبنى المخابرات العراقية في بغداد، وقد تسربت إليها المياه وأوشكت على التلف لولا تداركها من قبل القوات الأميركية في اللحظات الأخيرة.

ترميم وصيانة

يضم الأرشيف عددًا هائلًا من النفائس والصور والمستندات والوثائق التي لم يحافظ عليها النظام العراقي السابق، وانما حفظها في قبو وعرضها للتلف بالمياه، لكن القوات الأميركية عثرت عليها صدفة خلال بحثها عن أسلحة الدمار الشامل في مقر المخابرات العراقية، ما دفعها إلى نقلها إلى واشنطن حيث عمل الأرشيف الوطني في الولايات المتحدة على إعادة ترميمها وصيانتها وحفظها.

وقد عرض إدوين شهادته المدرسية خلال دراسته في العراق، التي قال انه بحاجة اليها quot;كجزء من تاريخه وحياته وعلاقته الصميمية وحبه لبغداد المتحمس للرجوع إليها، حيث ما زال يذكر بيته في منطقة البتاوين ببغداد، وعشقه لها كما هو حال الكثيرين ممن عرفهم عن كثب، لاسيما المفكر الكبير مير بصري، كما قال.

تؤرخ ليهود العراق

اشار سامي شينا إلى أن الأرشيف يحتوي على الكثير من القضايا الشخصية جدًا كوثيقة فرح فتاة ذات شعر داكن، تظهر في صورة فوتوغرافية التقطت أثناء دراستها، quot;ويبدو أن هذه الصورة التقطت لعرس في فترة الخمسينات من القرن الماضي عندما كانت في الثالثة عشرة من عمرها، وتتابع دراستها في المدرسة المتوسطة اليهودية في بغدادquot;.

وقال إن فرح هي الأكبر بين سبعة أطفال، طالبة متفوقة وكانت نموذجًا يحتذى به، وفقًا لما قاله شقيقها الذي أشار إلى أنه لم يكن يعلم أن سجلاتها ظهرت مع هذا الأرشيف. وأضاف شينا أن شقيقته فرح توفيت بمرض السرطان في بريطانيا في العام 1968، وتركت وراءها زوجًا وطفلين صغيرين، ودفنت في أوكسفورد.

وقالت دوريس هامبورغ، مديرة البرامج في قسم صيانة المحفوظات، إن سجلات فرح كانت من بين ما يقرب 2700 كتاب وعشرات الآلاف من الوثائق، التي تم استردادها من الطبقة السفلية المهدمة للشرطة السرية في بغداد. واوضحت أنه تم العثور على كتاب مقدس باللغة العبرية عمره 400 سنة، وكتاب تلمود عمره 200 سنة من فيينا.

ومن ضمن الأرشيف اليهودي العراقي كتاب صغير لصلاة عيد الفصح، يعود إلى العام 1902، وكتاب صلاة باللغة الفرنسية يعود إلى العام 1930، ومجموعة من الخطب المطبوعة بشكل جميل من قبل حاخام في ألمانيا في العام 1962، وهناك سجلات مدرسية لطلاب من العام 1920 إلى العام 1975.

تاريخ حافل

لم يبقَ من يهود العراق اليوم سوى ستة أشخاص، بينما كانوا ثلث سكان بغداد، كما ذكر مير بصري في كتابه عن يهود العراق، الذي يضم أكثر من مائة شخصية لها دور في بناء العراق الحديث.

وكان معظم اليهود قد تم تهجيرهم بطريقة سيئة بعد مصادرة املاكهم، من القتل إلى السجن وسحب الجنسية، تاركين وراءهم آثارًا غنية عن تاريخهم الذي يعود إلى 2500 عام ، وقد ساهموا في بناء العراق وتكوين مؤسساته. وارشيفهم هذا يؤكد مكانة اليهود المتميزة في مختلف الجوانب السياسية والإجتماعية والإقتصادية للحياة العراقية آنذاك.

وفي التاريخ المعاصر، كان السير ساسون حسقيل أول وزير مالية يهودي في الحكومة العراقية، حيث خدم العراق وله مواقف مشهودة أمام بريطانيا وهو يفاوضها في العهد الملكي لدفع عائدات النفط، ويشترط الذهب بديلًا عن العملة النقدية، ليظهر جليًا نظرته الثاقبة وحدسه العلمي وقراءته المستقبلية، عندما نزلت قيمة العملة الورقية لاحقًا، وكان سعر الذهب مرتفعًا. وكان يعتبر أفضل وزير مالية للقرن العشرين في الشرق الأوسط.

ضمانات لصيانة الأرشيف

يأتي تجمع اليهود العراقيين في لندن في وقت يكثر الحديث اليوم عن إعادة الأرشيف اليهودي إلى وزارة الآثار العراقية في بغداد العام المقبل، على الرغم من أنه من غير الواضح أين سيتم حفظه أو عرضه.

ومن المقرر أن ينتقل قريبًا اثنان من الخبراء العراقيين إلى إدارة المحفوظات الأميركية لدراسة المواد وإجراءات الحفظ، ليتمكنوا من رعاية الأرشيف عندما يعود إلى العراق. أما الآن، فإن العمل يسير بسرعة في فرع المحفوظات في كوليدج بارك الاميركية، حيث يعمل فريق من الخبراء بوساطة معدات عالية التقنية لتنظيف ورقمنة وترميم السجلات والوثائق.

ومعروف أن كثيرًا من مزارات اليهود وأنبيائهم وشخصياتهمما زالت راقدة في العراق بآثارها ومعالمها، مثل النبي ناحوم في قرية القوش قرب الموصل، والنبي حزقيل في قرية الكفل قرب الحلة، وعزرا في ملتقى النهرين بالقرنة، ويوشع في الكرخ من بغداد، والنبي دانيال في كركوك قرب القلعة، وعزير في البصرة بمنطقة تدعى باسمه، وغيرها من شخصياتهم وعلمائهم وأحبارهم.

والسؤال الكبير حول الأرشيف الذي يطرحه يهود العراق اليوم هو كيف يمكن إرجاعه إلى العراق من دون ضمانات حقيقية لحفظه وصيانته وإمكانية الإستفادة منه، لذلك كتب اليهود العراقيون خلال تجمعهم هذا في لندن رسالة موجهة إلى الإدارة الأميركية طالبوا فيها بالحفاظ على أرشيفهم وعدم تسليمه إلى بغداد كحق طبيعي من حقوقهم.

واشنطن لا تمانع

يذكر أن وكيل وزارة الثقافة العراقية طاهر الحمود أعلن في الأسبوع الماضي أن العراق سيستعيد الارشيف اليهودي من الولايات المتحدة منتصف العام 2014.

وقال الحمود خلال احتفالية دار الكتب والوثائق العراقية بمناسبة الذكرى العاشرة لتأهيلها إن اتفاقًا مع الجانب الاميركي يقضي بإعادة الارشيف اليهودي الذي استولت عليه القوات الأميركية عقب دخولها العراق في العام 2003، خلال النصف الاول من العام المقبل.

وأضاف: quot;ان خبراء من وزارة الثقافة في مجال ترميم الوثائق سيتوجه إلى واشنطن قريبًا للتحضير لاعادة الوثائق الارشيفية العراقيةquot;. وأوضح أن الاتفاق بين وزارة الثقافة والجانب الأميركي يتضمن ايضًا اقامة معرضين للموروث الثقافي العراقي الاول في واشنطن والآخر في بغداد، وسيقام بعد تسلم الارشيف اليهودي.

وأوضح الحمود أن ملف الارشيف اليهودي سيغلق بالكامل منتصف العام المقبل، مشيرًا إلى أنّ الاتصالات مستمرة للاتفاق على جدول زمني لاستعادة كامل الوثائق العراقية التي بحوزة واشنطن وتقدر بمئات ملايين الوثائق.

وقال: quot;وزارة الخارجية الاميركية، على لسان وزيرها جون كيري، اكدت تعهدها بإعادة الارشيف اليهودي إلى العراق، وفق السقف الزمني المحددquot;، نافيًا تصريحات بعض المنظمات اليهودية التي تحدثت عن ممانعة واشنطن تسليم الارشيف اليهودي إلى الحكومة العراقية.