تطالب بريطانيا بتعديلات على الاتحاد الأوروبي لكي تحتفظ بحرية قرارها في مجالات عديدة، بينما تريد فرنسا تمتين الوحدة الأوروبية. ويبدو أن أنجيلا ميركل، المحكومة بائتلاف حكومي، تميل إلى الفرنسيين.

لندن: تشترك المستشارة الالمانية أنجيلا ميركل، المنتخبة لولاية ثالثة، مع رئيس الوزراء البريطاني في السياسة الاقتصادية التي ترفض تدخل الدولة، بوصفها ديمقراطية مسيحية وهو بوصفه محافظًا. ويصح هذا على الموقف من الاتحاد الاوروبي، الذي يطالب دايفيد كاميرون بإجراء تغييرات فيه لصالح مزيد من اللامركزية، واحتفاظ بريطانيا بحرية القرار في مجالات متعددة. لكن محللين سياسيين يرجحون أن يقف الديمقراطيون الاجتماعيون شركاء ميركل في الائتلاف الكبير ضد تقديم مثل هذه التنازلات لبريطانيا.
يدها مقيّدة
كانت ميركل فازت في انتخابات 22 ايلول (سبتمبر)، لكن فوزها لم يكن مطلقًا، فدخلت في ائتلاف كبير مع الحزب الديمقراطي الاجتماعي الذي يتولى ست وزارات في الحكومة الجديدة، بما في ذلك وزارة الخارجية التي تسلمها فرانك فالتر شتاينماير. ويؤيد الحزب الديمقراطي الاجتماعي القريب من الاشتراكيين الفرنسيين، بقيادة الرئيس فرانسوا هولاند، بناء وحدة اوروبية أمتن، وقد يطالب باعتماد حد أدنى أوروبي للأجور.
وقال سايمون تيلفورد، نائب مدير مركز الاصلاح الاوروبي للأبحاث: quot;قد تقرر ميركل أن اتخاذ جانب بريطانيا لا يستحق إضعاف علاقاتها بالحزب الديمقراطي الاجتماعي، الذي يعارض بشدة أي تنازل لبريطانياquot;. واضاف: quot;يد ميركل ستكون مقيّدة في ما يمكن فعله لبريطانياquot;.
وبمشاركة الحزب الديمقراطي الاجتماعي في الحكومة، من المتوقع أن تزداد مقاومة ميركل لإعادة النظرة بمعاهدات الاتحاد الاوروبي كما تطالب بريطانيا، التي تريد إعادة التفاوض بشأن شروط العضوية، قبل تصويت البريطانيين على البقاء في الاتحاد الاوروبي أو الانسحاب منه، باستفتاء من المقرر اجراؤه في العام 2017.
حسد أوروبي
في غضون ذلك، واجه الاتفاق على تشكيل ائتلاف كبير انتقادات فور التوقيع عليه في برلين يوم الاثنين، بسبب تجاهله قضية اصلاح القطاع الخدمي، الذي يقول صندوق النقد الدولي إنه مثقل بالضوابط المفرطة، ويعاني ضعف معدلات النمو في انتاجيته. وعلى النقيض من ذلك، تبقى الصناعة الالمانية التحويلية والتصديرية موضع حسد أوروبا.
واتفق الحزبان الكبيران على انفاق 23 مليار يورو إضافية خلال السنوات الأربع المقبلة، لتطوير البنى التحتية وفي مجال الأبحاث. وبضغط من الحزب الديمقراطي الاجتماعي، وقعت ميركل على زيادات سخية في المعاشات التقاعدية ومعونات الرعاية الاجتماعية، بل تراجعت عن بعض الاصلاحات التي كانت تريد اجراءها في سوق العمل. وسيُعتمد على مراحل حد أدنى للأجور قدره 8.50 يورو في الساعة.
ونقلت صحيفة ديلي تلغراف عن ديفيد فولكيرتس لانداو، كبير الاقتصاديين في دويتشة بنك، قوله إن هذه الاجراءات ستؤدي إلى تآكل مطَّرد للانجازات السياسية التي حولت المانيا من رجل اوروبا المريض إلى محرك نموها.
يحرقون أصابعهم
لكن اهتمام ميركل سينصب على السياسة الخارجية. وكان اصرارها على التقشف في منطقة اليورو حقق لها الفوز في الانتخابات، لأن الالمان اعترفوا لها بحماية بلدهم من تداعيات المديونية في دول منطقة اليورو المعتلة اقتصاديًا.
ورغم تولي الحزب الديمقراطي الاجتماعي ملف السياسة الخارجية، فإن ميركل ستحتفظ بقبضة محكمة على السياسة الاوروبية، لأسباب ليس أقلها أن حليفها فولفغانغ شويبلة السياسي المخضرم، حبيس الكرسي المتحرك، احتفظ بمنصب وزير المالية.
ويرى المحللون أن هذا يعني أن موقف المانيا من اوروبا لن يتغير، رغم مشاعر الكراهية التي استنزلتها ميركل على نفسها في بلدان عدة، كاليونان حيث تُحمَّل مسؤولية ارتفاع معدلات البطالة والاجراءات التقشفية والاستقطاعات القاسية.
وقالت سابين فون اوبيلن، المحللة السياسية في جامعة برلين الحرة، إن ميركل لن تكون أول مستشار يركز اهتمامه على السياسة الخارجية، quot;فالسياسيون يحرقون أصابعم في سياسات داخلية مثل المعاشات التقاعدية والصحة ومن الأسهل تحقيق انتصارات في الخارجquot;.
واضافت: quot;الفرنسيون يعلقون آمالًا عريضة على الحزب الديمقراطي الاجتماعي لتغيير السياسة الالمانية في اوروبا، لكن لن يكون هناك تغيير جذري، فالحزب الديمقراطي الاجتماعي وقف مع ميركل بشأن أوروبا في السابقquot;.

خياران أمام الائتلاف
سيتضح ما إذا كانت هذه الاستمرارية باقية هذا الاسبوع في قمة الاتحاد الاوروبي، حيث من المتوقع أن تصر ميركل على مطالبتها بأن تكون الدول الأعضاء وليس المفوضية الاوروبية صاحبة الكلمة الأخيرة في حزم الانقاذ اللاحقة، بموجب الاتحاد المصرفي المزمع اقامته. وستواصل ميركل مقاومتها الدعوات إلى تقاسم مخاطر المديونية في منطقة اليورو، وبذلك تحميل دافعي الضرائب الالمان قسطًا من المسؤولية عن قروض ايطاليا مثلًا.
لكن تيلفورد من مركز الاصلاح الاوروبي للأبحاث قال: quot;إذا واجهت ألمانيا خيارًا بين قبول درجة من تقاسم المسؤولية عن الديون أو المخاطرة بتفكيك منطقة اليورو جزئيًا، أرجح أن يقبل الائتلاف الخيار الأولquot;.
اما خارج اوروبا، فإن المحللين يتوقعون أن تصبح سياسة ألمانيا الخارجية أكثر اعتدالًا، لا سيما أن لدى الحزب الديمقراطي الاجتماعي نزعة مسالمة قوية. ومن المرجح أن يقاوم إرسال قوات عسكرية في مهمات دولية. وقالت وزيرة الدفاع الجديدة اورسولا فون دير لاين، وهي أم لسبعة اطفال، إن من اولوياتها تحسين رعاية الأطفال لأفراد القوات المسلحة.