سنحت الظروف التي نتجت عن الربيع العربي للسلفيين بالظهور للعلن، بل أنه باتت لهم كلمتهم في الكثير من الدول التي طالما سيطرت عليها انظمة ديكتاتورية لم تسمح لهذه الجماعات بالعمل.


الصراع على السلطة الذي استعر في دول الربيع العربي فى مرحلة ما بعد الثورات، وسقوط الأنظمة الديكتاتورية، ترك فراغاً في السلطة وجدت فيه الجماعات السلفية المتطرفة فرصة سانحة للصعود السياسي في الوقت الذي تحظى فيه بالقوة والأنصار، حتى بدأ هذا المد يهدد مستقبل هذه الدول ونتائج انتصار ثوراتها.

الرئيس التونسي منصف المرزوقي، قال في تصريحات سابقة عن الهجوم الذي تعرضت له السفارة الأميركية بتونس: quot;لم نكن ندرك مدى خطورة وعنف هذه الجماعات السلفية، ولا مدى الخطورة التي ستمثلها في المستقبل، فهم أقلية ضئيلة داخل أقليات أصغر، وهم جماعات لا تمثل المجتمع أو الدولة، وكنا نعتقد أنها لا يمكن أن تشكل خطراً حقيقياً على المجتمع أو الحكومة. لكنها أثبتت أنها يمكن أن تكون مؤذية للغايةquot;.

اغتيال بلعيد

قوة الجماعات السلفية المتطرفة ظهرت على حقيقتها من خلال عملية اغتيال زعيم المعارضة التونسية شكري بلعيد، التي أغرقت البلاد في أكبر أزمة تواجهها منذ اندلاع ثورة الياسمين 2011، إذ تتهم قوى اليسار التونسي هذه الجماعات، بما فيها حزب النهضة الإسلامي الحاكم، بأنها المسؤولة عن اغتيال بلعيد، وأن الحزب فشل في القضاء على العنف.

القلق من تصاعد مد الحركات السلفية المتطرفة لن يقتصر على تونس فقط، وإنما سوف يمتد إلى مصر وليبيا وسوريا، حيث يتزايد القلق من ظهور جماعات متطرفة عنيفة سيكون لها تأثيرها النسبي وسيشعر الجميع بقوتها، وهو ما عكسته الفتوى التي أصدرها رجل الدين المصري المتشدد محمود شعبان، والتي أباح فيها قتل كل من الدكتور محمد البرادعي، الحاصل على جائزة نوبل للسلام، والمرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي.

ونقلت صحيفة الـ quot;غارديانquot; البريطانية عن شادي حامد، مدير الأبحاث فى مركز بروكنغز، قوله: quot;لقد بدأنا بالفعل نرى تهديدات حقيقية، وهناك العديد من الحالات في مصر حيث استخدم السلفيون لغة التحريض ضد المعارضينquot;.

الجهاد في وجه المتظاهرين

وفي العام الماضي، دعا رجل الدين السلفي المصري، وجدى غنيم، إلى الجهاد في وجه المتظاهرين الذين يهتفون ضد الرئيس محمد مرسي، وهو مطلب تكرر هذا الشهر على لسان الشيخ ياسر برهامي الذي بدوره أصدر فتوى بمنع سائقي سيارات الأجرة المسلمين من أن ينقلوا المسيحيين إلى الكنائس.

وأشار المحلل في مجموعة الأزمات الدولية ياسر شرم الشيمي، إلى الفوضى والخطورة التي وصلت إليها هذه الفتاوي حتى أن quot;كل ما يتطلبه الأمر هو أن يأخذ، ولو شخص واحد، على عاتقه تنفيذ أي من تلك الفتاوى حتى نجد مصر في وضع أخطر وأكبر مما حدث في تونس، لا سيما وأن السلفيين في مصر اتجهوا بعمق إلى الانخراط في العملية السياسية بمجرد الإطاحة بنظام الرئيس السابق حسني مباركquot;.

لكن من يبحث عن بصيص أمل في ألا تنحدر مصر نحو المزيد من أعمال العنف المتطرفة، قد يجد في تصريحات بعض السياسيين المصريين ما يطمئنه، إذ يقول هؤلاء إن رجال الدين الذين يصدرون هذه لفتاوى ليس لديهم قاعدة شعبية واسعة في البلاد ولا يتمتعون بمصداقية في هذا المجال.

تونس ليست مصر

وقال نادر بكار، المتحدث باسم حزب النور إن ما يحدث في تونس لا يمكن أن ينتقل إلى مصر، والسبب هو أن quot;السلفيين في تونس غير منظمين بشكل جيد وليس لديهم العلماء الذين يمكنهم إرشادهم إلى الطريقة السلمية في التعامل مع القضايا التي لا تعجبهم في بلادهم. وهذا يعني ان ما رأيناه في تونس لن يتكرر في مصرquot;.

وأضاف ان شعبان، رجل الدين الذي أصدر فتوى ضد البرادعي وصباحي، لا يتمتع بالكثير من التأييد في الأوساط السلفية المصرية.

واعتبرت الصحيفة أن الأحزاب السياسية الرئيسية السلفية في مصر، والتي تحظى بتمثيل قوي في البرلمان، لديها الكثير لتخسره في التحول الديمقراطي مقارنة بتونس وليبيا.

التشابه بين السلفيين

في ليبيا، جاءت أعمال العنف الاسلامية في بعض الحالات مستوحاة من السلفية، وبمسارها الخاص. فبعد أكثر من عام من أعمال العنف التي اندلعت على خلفية المنافسة بين الجماعات التي قاتلت ضد الديكتاتور السابق معمر القذافي من أجل السلطة والنفوذ، اتخذت الأحداث الأخيرة تحولاً جهادياً بعد أن هاجمت الجماعات السلفية الأضرحة الصوفية وطالب بأن ترتدي جميع النساء الليبيات أغطية الرأس وغيرها من المبادئ التي تنص عليها الشريعة الإسلامية.

وعلى الرغم من وجود اختلافات بين فروع التطرف السلفي في بلدان شمال أفريقيا، إلا أن هناك بعض أوجه التشابه المذهلة.

ووفقاً لما كتبته آن وولف في تحقيق نشر في يناير/ كانون الثاني عن مشكلة السلفية الناشئة في تونس لمركز quot;ويست بوينتquot; لمكافحة الإرهاب، فإن هناك quot;بعض الأقاليم التي تعتبر تقليدياً أكثر تمرداً ومحافظة دينياً مقارنة بغيرها من المناطق الداخليةن وتحديداً جنوب تونسquot;.

وأضافت وولف: quot;لقد وجدت هذه الأقاليم صعوبة في التعامل مع سياسات التحديث التي أطلقتها الحكومات الاستعمارية والأخرى في مرحلة ما بعد الاستقلال، والتي أتى قادتها من المناطق الأكثر حظاً وغير المحرومةquot;.

وعلى الرغم من أن العنف - والتهديد بالعنف ndash; الذي يأتي من قبل quot;أقلية الأقليةquot; من السلفيين لديه القدرة على تعطيل حكومات ما بعد ثورات الربيع العربي، إلا انها تطرح مشاكل سياسية كبيرة للحكومات الاسلامية الجديدة والتي قد تؤدي إلى تداعيات سلبية وربما خطيرة.

500 مسجد في قبضة السلفيين بتونس

في تونس، تقدر الحكومة بأن رجال الدين المتشددين يسيطرون على 100 حتى 500 من المساجد في البلاد. وعلى الرغم من التزام غالبية السلفيين بمبدأ نبذ العنف، إلا أن هذا لا يمنع أن تضم صفوفهم تيارات جهادية لا تلتزم بهذا المبدأ.

هذا الحال تسبب ببروز مشاكل كثيرة يعاني منها حزب النهضة، الذي يتهمه الكثير من المعارضين العلمانيين بالتخطيط سراً مع السلفيين من أجل quot;إعادة أسلمةquot; تونس، وليس أقله بسبب عدم رغبة الحكومة أو عدم قدرتها على التحرك ضد الجماعات السلفية الأكثر تطرفاً.

في الواقع، عندما تم تفكيك خلية تابعة لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في تونس العام الماضي، وجدت الشرطة أن جميع أعضائها لديهم دور نشط في تجمعات سلفية أخرة، مثل جماعة أنصار الشريعة، التي أسسها ابو إياد.

وقالت سلمى مبروك، الطبيبة التي استقالت من حزب التكاتل الوسطي التونسي، احتجاجاً على موقفه من الدستور وتقاسم السلطة إن quot;المشكلة هي الموجة العنيفة من السلفية، وليس الفكر السلفي، لأن حرية التعبير تكفل للجميع حقهم في التعبير عن وجهات نظرهم إنما بطريقة سلميةquot;.