يدرك الأميركيون الآن، وبعد مرور عشر سنوات على الحرب، أن العراق لم يملك أسلحة دمار شامل، وأنّ الحرب لم تنتهِ بسرعة كما أوحى قادتهم وقتها. وعشية الحرب عام 2003 كانت هناك افتراضات خاطئة سائدة بين الأميركيين غذّتها خطابات البيت الأبيض.


لندن: عشية الغزو الأميركي للعراق قبل عشر سنوات كانت لدى كثير من الأميركيين افتراضات عن الحرب، تغذيها خطابية البيت الأبيض في عهد جورج بوش، ثم اتضح أنها افتراضات خاطئة بالكامل. ونعرف الآن انه لم تكن لدى العراق أسلحة دمار شامل وأن الحرب لم تنتهِ بسرعة كما أوحى القادة الأميركيون لشعبهم وأن ثمن الحرب بالأرواح والأموال فاق كل التوقعات. وثمة اليوم قناعات جديدة تحدد وجهة الكثير من السجالات حول الحرب وآثارها. وهي قد تكون قناعات خاطئة كالافتراضات التي كانت سائدة بين الأميركيين عشية الحرب.

قناعات خاطئة

أولى هذه القناعات الخاطئة أن قرار بوش إرسال قوات إضافية تكلل بالنجاح. وكان الهدف من ارسال 26 الف جندي إضافي إلى العراق عام 2007 الحد من الحرب الطائفية وإيجاد توافق سياسي بين مكونات الشعب العراقي الثلاثة الرئيسية، العرب الشيعة والعرب السنة والكرد، وبذلك وضع العراق على سكة الاستقرار.

وأسهمت دفقة القوات الإضافية في احتواء الحرب الطائفية ولكنها لم تكن السبب الوحيد في ذلك، بل إن قرار العشائر السنية التصدي لمقاتلي تنظيم القاعدة الذين تجاوزوا على تقاليدها وأخلوا بنمط حياتها، قام بدور رئيسي في خفض اعمال العنف، وكذلك موقف العراقيين أنفسهم. فعندما أصبحت الأحياء المختلطة في بغداد أكثر تجانسًا وتحصينًا ضد الغرباء تزايدت فرص الحد من العنف الطائفي، بحسب صحيفة واشنطن بوست.

فشل التوافق السياسي

ولكن دفقة القوات الإضافية باءت بفشل ذريع في هدفها الآخر المتمثل بتحقيق التوافق السياسي. فالقادة الشيعة كانوا لا يريدون اعطاء السنة والكرد دورًا أكبر في الحكم والأجهزة الأمنية وتبدد الأمل في تحقيق صيغة توافقية بين المكونات الثلاثة خلال الأيام الأخيرة من ولاية بوش الثانية.

ونتيجة لذلك ما زال العراق برميل بارود، على حد وصف صحيفة واشنطن بوست محذرة من أن الخلافات حول النفط والمناطق المتنازع عليها يمكن أن تشعل حربًا أخرى في شمال العراق. وأن السنة الذين يتظاهرون في احتجاجات مناوئة للحكومة منذ ثلاثة اشهر يتحدثون الآن بصراحة عن العصيان المدني. ويتهم قادة السنة اجهزة الأمن التي يسيطر عليها مسؤولون شيعة بملاحقتهم بذريعة مكافحة الارهاب واجتثاث البعث.

خرافة السلام والديمقراطية

الخرافة الثانية هي تلك التي تقول إن العراق بلد يعيش في سلام نسبي. فإن مستويات العنف أقل بكثير منها في ذروة العنف الطائفي عام 2006، عندما كان مئات يُقتلون كل اسبوع. ولكن العراق ما زال بعيدًا عن الاستقرار، كما أظهرت الأيام القليلة الماضية التي شهدت مقتل واصابة عشرات العراقيين في هجمات استهدفت افراد الأمن.

وبالنسبة للعراقيين الذين لا يستطيعون مغادرة البلد فإن الحياة ما زالت مسكونة بالخوف وسفك الدماء. ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن مواطن عراقي قوله quot;إن الحرب لم تنتهِ. فالقتل والتفجيرات ما زالا مستمرين ونحن ما زلنا خائفينquot;.

الخرافة الثالثة التي لا أساس لها هي أن في العراق حكمًا ديمقراطيًا. إذ أُجريت انتخابات وطنية متعاقبة ولدى البلد برلمان وقضاء. ولكن من الناحية العملية فإن رئيس الوزراء نوري المالكي يمارس الحكم ويركز السلطة في يده بأساليب تذكِّر الكثير من العراقيين بصدام حسين، كما ترى صحيفة واشنطن بوست مشيرة إلى أن الأجهزة الأمنية اعتقلت العديد من قادة السنة خلال الأشهر الماضية بتهمة دعم جماعات مسلحة. ونقلت الصحيفة عن مسؤولين سنة أن المالكي يستخدم الارهاب ذريعة لاستهداف خصومه السياسيين.

ومنذ تولي المالكي رئاسة الحكومة في عام 2006 عمل على تعزيز سيطرته على قوى الأمن واخذ على عاتقه تفكيك مجالس الصحوة التي قامت بدور حاسم في المعركة ضد تنظيم القاعدة. وكان الجيش الأميركي دعا المالكي إلى دمج رجال الصحوة بقوات الأمن والجيش. ورغم تعهده بذلك فإن نسبة ضئيلة فقط من عناصر الصحوة السنة مُنحت وظائف في الأجهزة الأمنية.

المالكي يدين لإيران

رابعًا، ثمة اعتقاد شائع بأن العراق في جيب ايران. والحق أن ايران أهم حليف استراتيجي لحكومة المالكي الذي يدين بولايته الثانية أساسًا إلى ضغوط طهران على أحزاب سياسية شيعية منافسة كان العديد منها يتلقى دعمًا ماليًا كبيرًا من الحكومة الايرانية. وهناك وفرة من الأدلة التي تشير إلى أنه يرد بعضًا من هذا الجميل.

ومن ذلك أن حكومة المالكي رغم اعتراضات واشنطن تسمح لطائرات شحن ايرانية يُعتقد أنها محملة بالذخيرة بالتوجه إلى سوريا عبر الأجواء العراقية، وبذلك تمكين طهران من دعم دكتاتور سوريا بشار الأسد.

الخوف من حكم سني في سوريا

ولكن من الخطأ أن يُفترض أن المالكي لا يسمح لهذه الطائرات إلا بسبب الضغط الايراني. ورغم أن الأسد يشاطر صدام حسين فكره البعثي فإنه وطائفته العلوية ينتميان إلى المذهب الشيعي. ولكن ما يدفع المالكي لدعم النظام القائم في سوريا أكثر من القرابة المذهبية. فإن المالكي وغيره من القادة الشيعة يخشون من قيام حكم سني راديكالي سيتعاون مع سنة العراق على اسقاط حكومة بغداد إذا تمكن الجيش السوري الحر من الاطاحة بالأسد، كما ترى صحيفة واشنطن بوست.

وكان المالكي حذّر بصراحة في مقابلة مع وكالة اسوشيتد برس من أن انتصار المعارضة في سوريا سيؤدي إلى حرب اهلية في لبنان وانقسامات في الاردن وحرب اهلية في العراق.

كما أن احتضان إيران شيعة العراق وأموالها لا يعني امتثالهم لمشيئتها. فإن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر أقام سنوات في ايران للدراسة بهدف نيل درجة دينية عليا واعادة بناء حركته السياسية، ولكنه سعى إلى تصوير نفسه وطنيًا عراقيًا يمد جسورًا مع السنة والكرد من خصوم المالكي. وعندما نزل السنة إلى الشوارع احتجاجًا على التطبيق الانتقائي لقوانين مكافحة الارهاب واجتثاث البعث خرج الصدر عن املاءات طهران بلقاء القادة السنة والدعوة إلى حل سياسي توافقي، بحسب صحيفة واشنطن بوست.

الأميركيون لم يرحلوا

الخرافة الخامسة هي تلك التي تذهب إلى أن جميع الأميركيين رحلوا عن العراق. إذ ما زال هناك 200 عسكري أميركي يعملون لمكتب التعاون الأمني مع العراق المسؤول عن بيع معدات عسكرية للجيش العراقي وتدريبه.

ويعمل هؤلاء العسكريون في ملحق بالسفارة الأميركية وسط بغداد، وهي اكبر بعثة دبلوماسية للولايات المتحدة في العالم. ويضم هذا المجمع العملاق مئات من موظفي وزارة الخارجية والخبراء الأميركيين وممثلي وكالات فيدرالية أميركية أخرى. وتحرس المجمع أفواج من منتسبي الشركات الأمنية الخاصة.

وكان الخوف من امتداد القتال في سوريا إلى العراق دفع وكالة المخابرات المركزية سي آي أي إلى زيادة دعمها لأجهزة مكافحة الارهاب العراقية، كما افاد تقرير في صحيفة وول ستريت جورنال مؤخرًا. ورغم أن السي آي أي تعتزم خفض وجودها في العراق إلى نحو 300 عنصر فإن محطتها ستبقى من أكبر المحطات في العالم، بحسب صحيفة واشنطن بوست.