الألمان مشهورون بعشقهم للعمل وبالدقة والتنظيم فيه، وكثيرون ممن يبلغون سن التقاعد يبحثون عن أعمال بسيطة يقضون فيها أوقاتًا تشعرهم بأنهم ما زالوا قادرين على العطاء.


صلاح سليمان: في ريف بافاريا، تعمل كاتي (86 عامًا) نادلة في مطعم بقرية فيلد كرشن في مقاطعة بافاريا جنوب ألمانيا. المطعم ممتلئ بالرواد كعادته في كل مساء، لكن السيدة العجوز تتحرك بين الزوار برشاقة امرأة خمسينية، فهي نحيفة القوام، ترتدي الزي الشعبي لأهالي بافاريا، تمسك الأطباق بأيد ثابتة، وتوزع الابتسامات على رواد المطعم، الذين يحسدونها على نشاطها وعمرها المديد، ويكاد لسان حالهم يقول يا لها من عجوز تتحدي الزمن بالحركة وبالعمل.

وكاتي تبعث الأمل في نفوس الحاضرين، يأتون خصيصًا من أجل تناول الطعام من يديها، إذ تذكرهم بالآباء والاجداد الذين خدمتهم على نفس الطاولات القديمة. فهي تعمل في هذا المطعم منذ كانت في السادسة عشرة ، وما زالت حتى الآن، لتشكل جزءًا من هوية وشهرة المطعم والقرية، لأنها تربط ماضي فيلد كرشن بحاضرها.

لم تشتكِ يومًا

كثيرون من أبناء القرية الذين رحلوا بعيدا وتفرقوا في دول ومدن أوروبية مختلفة نراهم اليوم يثابرون على زيارة مطعم القرية لرؤية كاتي، التي تذكرهم بطفولتهم وبالأوقات السعيدة التي تناولوا فيها الطعام بصحبة عائلاتهم. فقد خدمت كاتي أجيالًا، وأصبحت في هذه السن المتأخرة جزءًا من ذكريات الأجيال، فهذه 69 عامًا متواصلة قضتها في هذا المطعم تعمل بلا كلل ولا ملل.

يقول ماكس هوبر، اين كيلي ومدير المطعم والشاهد أيضا على قدراتها الكبيرة في حب العمل: quot;إنها سيدة فريدة تعشق العمل، فقد كنا خمسة أطفال تعمل لتقوم على تربيتنا، فتستيقظ في السادسة صباحًا ولتحضرنا للذهاب إلى المدارس، ثم تبدأ العمل في المطعم في المساء، لتنام في الثانية أو الثالثة صباحًا.

يضيف: quot;لم تشتكِ يومًا من كثرة العمل، فهي لا تحب الكسل والاعتماد على الآخرين، ولا تحب طلب المساعدة من أحد، كانت ولا زالت تفعل كل شئ بنفسها، حتى أصبحت مثار إعجاب الكثيرين ومحط أنظارهمquot;.

أمس واليوم

تتذكر كاتي الكثير من الماضي، كالهدوء الجميل في فيلد كيرشين، quot;وكان الناس اكثر اهتمامًا ببعضهم من الآنquot;. كما تتذكر أيضًا فروق الأسعار، وكيف ارتفعت كثيرًا.

تقول: quot;كان أهل القرية في الماضي لا يتركون المطعم ساعات الليل أو النهار، بل كانوا يلعبون الورق ويستغرقون في الأحاديث لساعات طويلة، ولم يكن العالم عرف بعد التليفزيون ولا التكنولوجيا الرقمية التي استولت على أوقات ىالناس الآنquot;.

وتتحدث أيضًا عن التقنيات التي دخلت عالم المطاعم، ولم تكن معروفة في الماضي. تقول: quot;يختلف زبائن هذه الأيام عن زبائن الماضي، إذ كانوا يأتون بانتظام لتناول الطعام والجلوس بالساعات للنقاش هنا، والآن لا يأتون إلا لفترة قصيرة وعلى فترات متباعدةquot;.

عاصرت الجميع

في دعابة جميلة، أهداها احد الزوار في العام 1977 عدادًا لقياس عدد الكيلومترات التي يمكن أن يقطعها الشخص سيرًا على الأقدام، وهي تحتفظ به منذ ذلك التاريخ حول معصمها. منذ ذلك الحين، قطعت كاتي 74 ألف كيلومتر، اي ما يكفي لقطع الكرة الأرضية سيرًا مرتين.

إلا أنها لا تستغرب ذلك أبدًا. تقول: quot;الحركة جزء من شخصيتي، وربما ساعدتني في أن أتمتع بالصحة في هذا العمرquot;. فهي فعلًا لا تتوقف، إذ تعمل أيضًا في أيام الإجازات، تجمع المفارش والأغطية وتشرف على غسلها وكيها في المطعم.

وكاتي عرفت الطريق إلى قلب الزبائن، فهي تعرفهم بالاسم، وعاصرتهم في مراحل سنية مختلفة مع آبائهم وأجدادهم، فتعرف ما يدخل السعادة إلى قلوبهم. على سبيل المثال، في الأعياد ترتدي الملابس التي تدخل البهجة إلى قلوب الجميع، فهي تمتلك 75 فستانًا للكرنفالات الشعبية.

وعند سؤالها متى تتوقف عن الضحك، تقول: quot;هذا غير وارد على الإطلاقquot;.