تحوّلت رمال صحراء شبه جزيرة سيناء أوكارًا لعصابات مجرمة تقوم بتعذيب وقتل الأفارقة، الذين يتسللون عبر مصر للهجرة بطريقة غير شرعية إلى إسرائيل وأوروبا بهدف تحسين أوضاعهم المعيشية.


منطقة سيناء أشبه بجزيرة خارجة عن سيطرة الحكومة المصرية، وهذا أمر ليس بجديد، فحتى في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، كانت هذه الصحراء مأوىً للقبائل والجماعات المسلحة.

يحزم المهاجرون الأفارقة حقائبهم وكلهم أمل في أن يهربوا من معاناتهم اليومية إلى واحة مريحة، تضمن حقوقهم وأبسط قيمهم الإنسانية، لكنهم يقعون فريسة الخطف والتعذيب، الذي لا ينقذهم منه سوى فدية لا قدرة لهم ولا لعائلاتهم على تأمينها.

همجية في غياب القانون
تحوّلت سيناء إلى ساحة لتعذيب وقتل المهاجرين الأفارقة، بعدما عجز القانون عن فرض هيبته عليها، وفقاً لصحيفة quot;لوس أنجلوس تايمزquot;، التي نقلت اعترافات أشخاص تعرّضوا للتعذيب والحرق والضرب بالعصي الكهربائية، فضلًا عن تقييدهم بالسلاسل الحديدية لأيام.

فرزغي جرمدهن، شاب من أريتريا، تعرّض لشتى أنواع التعذيب، الذي تظهر آثاره على جسده، بسبب الصعق بالكهرباء وتكبيل يديه بسلاسل حديدية، خلفت كدمات زرقاء، وآثار حروق بسبب تذويب الشمع الساخن على ظهره.

هدد خاطفو جرمدهن بدفنه في الرمال، كما فعلوا بغيره، واتصلوا بأسرته في أريتريا، طالبين فدية تقدر بثلاثين ألف دولار مقابل حريته. لكن العائلة، التي هاجر ابنها هرباً من الفقر، قالت إنها لا تحلم أساساً بهذا القدر من المال، فلو توافر لديها مبلغ كهذا لما هاجر ابنهم.

غادر جرمدهن قريته قبل 15 شهراً، بحثاً عن عمل لائق يقيه العوز، لكنه اختطف، وتم تهريبه لمصر عبر قناة السويس، وسلم للبدو في سيناء.

يسرحون ويمرحون
لطالما كانت جزيرة سيناء خارج السيطرة الأمنية، لكن بعد خلع مبارك، بهتت أكثر ملامح النظام، وصار للمسلحين والمهربين كامل الحرية للتجوّل فيها وممارسة تقاليدهم القبلية من دون وازع أو رقيب أو أي احترام للقانون.

الهجرة مهمّة محفوفة بالمخاطر بالنسبة إلى الأفارقة الذين، إما يقعون ضحية العصابات، أو يقتلهم حرس الحدود المصري وهم يحاولون التسلل لإسرائيل، بحثاً عن العمل، ومعظم هؤلاء المهاجرين يأتون من إثيوبيا، وأريتريا، والسودان ومدغشقر.

بعد أشهر طويلة من التعذيب تمكن جرمدهن من الفرار من خاطفيه بصحبه أريتري آخر، هو تسفليم زورو، وهو يقيم حالياً في منزل في سيناء.

التعذيب حتى الفدية
أبو عبدول، أحد مهرّبي المهاجرين، تحدث علناً عن أعمال الخطف والتعذيب، التي تمارس ضد المهاجرين غير الشرعيين، فقال: quot;نعذبهم، ونطلب فدية من ذويهم، ثم يستمر التعذيب للضغط على الأسر حتى تدفع الفديةquot;. وأضاف: quot;يموت منهم الكثيرون، وهناك العديد منهم مدفون في هذه الرمالquot;.

وقال أحد رجال القبائل إنه عثر في يوم واحد على ثلاث جثث في الصحراء، بسبب حركة الرمال الدائمة، مشيراً إلى أنه اتصل بالسلطات، لكن أحدًا لم يأت لتسلم الجثث، وأخبره المسؤول عن المشرحة أنه ليس لديه مكان لهم، فأخذ الرجل الجثث في سيارته ووضعها أمام أحد المستشفيات.

كان جرمدهن جندياً في الجيش الأريتري، لكنه قرر الهجرة إلى السودان بحثاً عن وظيفة أفضل لتحسين ظروفه المعيشية. غير أنه لم يحقق هدفه، إذ أمسكت به قبيلة quot;الرشيدةquot; المعروفة باتجارها بالبشر. ويقول: quot;وضعونا تحت شجرة لمدة خمسة أيام، لم نأكل فيها سوى فتات الخبز، وكنا نحو 13 فرداً، ثم عبرنا النيل بالمراكب وصولاً إلى مصر، حيث قسمونا إلى مجموعتين، وطلبوا منا فدية كبيرةquot;.

في البداية، كان جرمد مسجوناً مع مجموعة أخرى، وتم تكبيل يديهم بالسلاسل الحديدية وجرى تعليقهم في خطافات وضربوا بقسوة حتى تستمع عائلاتهم إلى صراخهم وتدفع المال. تمكن الجيران والأصدقاء من جمع 25 ألف دولار، وهو ما كان كافياً لمنع الخاطفين من قتله، إنما ليس للإفراج عنه.

محاصرون بين الفقر والموت
بدوره، قال عبدول، الذي بدأ العمل في تهريب المهاجرين إلى إسرائيل في 2009، إنه اضطر إلى تعذيب المخطوفين، لأنه لا يملك بديلاً، وأضاف: quot;لا يوجد عمل مربح هنا. يمكنك زراعة القمح أو الماريجوانا أو التجارة بالسلاح والعبيد. هنا لا وجود للحكومةquot;.

ويؤكد عبدول أنه أصبح أكثر عنفاً مع المهاجرين بعد الثورة المصرية، وعندما سادت الفوضى في شبه جزيرة سيناء. ويضيف: quot;قبل الثورة، كان يمكن الإبلاغ عن عمليات التعذيب، لكن الآن لا وجود للقانون. يمكنك ذبح أي أحد يعارضك. كما إنني أكسب الكثير من المالquot;.

وعلى الرغم من كل الأذى والعنف، الذي يتعرّض له الأفارقة في طريقهم إلى الهجرة، فإن من كانوا محظوظين بشكل كاف للبقاء على قيد الحياة يرفضون العودة إلى بلدانهم، لأنهم أيقنوا أن لا شيء ينتظرهم فيها سوى الفقر.