نقش فرعوني في إحدى المقابر السرية يصور شكلًا لما يعرف اليوم بالمصباح الكهربائي، دفع بعض العلماء بالحضارات القديمة إلى طرح إمكانية أن يكون المصريون القدماء عرفوا سر توليد التيار الكهربائي على بساط البحث.


ثمة اكتشافات أثرية قديمة في معابد ومقابر المصريين القدماء، تحمل ألغازًا ما زال العلماء يسعون الى فك رموزها، ومعرفة ما تحتويه. أحد تلك النقوش العجيبة هو الرسم الموجود داخل معبد دندرة، الذي بُني في عهد آخر ملوك الفراعنة الملك نخب انبو الثاني، والذي يقع على بعد أكثر من 600 كيلومتر من القاهرة.
عندما نتجول داخل المعبد القديم، نجده مبنياً على نفس الطراز الذي بُنيت على غراره كل المعابد الفرعونية القديمة، فهو مقسم إلى قاعات ضخمة تتوزع فيها العواميد الفرعونية الخلابة، ذات النقوش المميزة، وأسفل القاعات الضخمة حجرات الدفن السرية التي يمكن الوصول إليها عن طريق مجموعة من السراديب المعقدة في باطن الأرض. والمعبد هذا له خصوصية عند علماء الآثار، تميزه عن المعابد الفرعونية الآخرى. فهو آخر معبد فرعوني بناه حاكم مصري، اذ لم يتعاقب على حكم مصر من يومها حكّام مصريون، حتى جمال عبد الناصر.
نقش لمصباح كهربائي
كان المعبد مخصصًا لعبادة الآلهة حتحور، ربة الأمومة والحب الأنثوي لدى المصريين القدماء. ويتكون من عدة قاعات كبيرة مع بعض المزارات والمقامات المرفقة، وعدد من السراديب الصغيرة الموزعة أسفل البناء.
ولا يختلف البناء بشكل عام كثيرًا من حيث التصميم عن بقية الآثار الفرعونية التي تتميز بعظمة البناء وأبهته ونقوشه الجميلة، لكن في أحد السراديب الموجودة أسفل المعبد، هناك نقش استثنائي يسترعي الانتباه، هو عبارة عن رسم لرجل يحمل وعاء زجاجياً شفافاً، يعتقد بأنه زجاجي شفاف من طبيعة الرسم، حيث يوضح ما بداخله. والوعاء الزجاجي كمثري الشكل طويل، يحمله رجل فرعوني من رأسه الضخمة الكمثرية، بينما قاعدته محمولة على زهرة اللوتس المشهورة. وفي وسط الوعاء خط لولبي يشبه سلك التنجستين الموجود في المصابيح الكهربائية الحديثة. فهل عرف الفراعنة المصباح الكهربائي؟
إن تأمل رسم المصباح بشكل دقيق يظهر أن هناك ثلاثة أشخاص يجلسون تحت المصباح وهم يتابعونه. وفي الجانب نقش لقرد يحمل سكينتين متقاطعتين وكأنها علامة تحذيرية من خطورة هذا الشيء. وتبدو هذه العلامة شديدة الشبه بشعار القراصنة القديم، الجمجمة على عظمتين متقاطعتين، والذي بات يُستعمل في كل مكان وخصوصًا في شركات الكهرباء، للدلالة على خطر الكهرباء المميتة.
آراء مؤيدة وأخرى معارضة
يرى علماء الآثار أن هذه الأداة ربما تكون دالة على شيء ما، خاصة أن النقوش بأسفلها تحكي عن طقوس المصريين في عيد رأس السنة الفرعونية، فربما كانت هذه نقشة لاحتفال من نوع ما، وأن هذه الأداة التي تشبه المصباح الكهربائي ما هي إلا أداة لشيء ما ليس بالضرورة أن يكون معبرًا عن الكهرباء، وإن كان هناك تشابه.
للكاتب السويسري اريك فون دنكن كتاب عن براعة المصريين القدماء، وفيه يعتقد بالفعل أنه مصباح كهربائي أو تصور لإختراع المصباح الكهربائي، قام به أحد عباقرة الفراعنة. من جهة أخرى، ليس من المنطقي أن يتم النقش والرسم في المقابر تحت الأرض من دون الاستعانة بإضاءة نظيفة، حتى تظل جدران حجرات الدفن نظيفة ولا يلوثها الدخان الاسود المنبعث من الشموع، فاخترع الفراعنة المصباح المُغطى ليتلافوا هذا العيب، وربما كان المصباح يعمل بوسيلة أخرى غير وسيلة الكهرباء. فما مدى دقة ذلك؟
إن الإجابة عن هذا السؤال تستدعي الإجابة عن سؤال آخر، وهو كيف استطاع الفراعنة رسم حجرات الدفن الملكية المحفورة في باطن الأرض من دون مصدر للإضاءة؟ وإن كان هناك مصدر إضاءة معتاد مثل شعلة من النار، فكيف تم رسم هذه الرسومات الجميلة اللامعة من دون أن تؤثر هذه الشعلة بالسخام التقليدي المصاحب لشعلات النار في الأماكن الخالية من الهواء؟
يفسر البعض ذلك بقوله إن المصريين كانوا يقومون برسم هذه الرسوم في ضوء النهار، من دون أن يغطوا حجرة الدفن الملكية، ثم يقومون بتغطيتها في النهاية. لكن مع قبول هذه الفرضية، لماذا تبدو النقوش سليمة جميلة، ولا أثر للشمس عليها؟
الرسم بضوء الشمس
تذكر بعض الأبحاث أن المصريين كانوا يقومون بعكس ضوء الشمس عن طريق بعض المرايا حتى تصل إلى حجرة الدفن الملكية، ويقوم الرسامون برسم لوحاتهم. يرى بعض العلماء أن فرضية المصباح الكهربائي قد تكون صحيحة من منطلق أن هذا المعبد كان آخر معابد الفراعنة، فلم تعرف بعده نقوش فرعونية، إذ أن الرومان احتلوا مصر ودخلتها المسيحية التي لا تهتم بعمارة المقابر الفرعونية. فلو كان المصباح مكتشفًا في هذه الفترة، وتبدلت حضارة الفراعنة بعدها بالاحتلال الروماني، فإنه من الطبيعي ألا تجد لهذا النقش مثيلًا في أية معابد أخرى.
وبالرغم من أن آراء العلماء ما زالت متضاربة حول انجازات الحضارة الفرعونية القديمة، فإن احدًا لم يستطع أن يحدد كيف بنى الفراعنة الاهرام والمعابد العظيمة الأخرى، الا أن البعض يعتقد أن الفنان المصري القديم كان يستعمل زيت الزيتون كوقود لمصابيح العمل في المقابر، لأنه نظيف عند الاحتراق إلى درجة أنه لا يترك أي أثر، الا أن مشكلته الوحيدة هي أنه مثل وسائل الإنارة الأخرى المعتمدة على الاحتراق يحتاج إلى الهواء للاشتعال وهي مشكلة يمكننا أن نتخيل صعوبتها عندما نعلم أن المصريين كانوا يعلمون تحت مئات الأطنان من الصخر و في ممرات ضيقة من دون نوافذ.
ومن يزور الأهرام يرى آثار للسخام ما زالت داخل الأهرام والمعابد المصرية القديمة، لكن اغلب علماء مصر يجمعون على أنها تعود الى عصور لاحقة للفراعنة، للصوص المقابر ولسيّاح وزائرين ومنقبين.
بطارية بغداد
يتفق اغلب العلماء اليوم على أن النقش في سرداب معبد حتحور لا يصور مصباحًا كهربائيًا، وأنه مجرد رمز مصري قديم يصور الآلهة وبعض الرموز الفرعونية المقدسة، ولم يكتشف أي مصباح كهربائي قديم داخل الآثار الفرعونية ولا يوجد ابدًا ما يدل على أن الفراعنة عرفوا أي شيء عن الكهرباء و تطبيقاتها.
إلا أن هناك بعض المؤيدين لنظرية المصباح الذين ما زالوا يصرون على أن الحضارة الفرعونية لا تتشابه مع غيرها من الحضارات، وأن الإنسان القديم لم يكن متخلفًا إلى هذه الدرجة التي تصورها الكتب والمناهج المدرسية الحديثة. فهناك آثار تدل على معرفة القدماء بالكهرباء، مثل بطارية بغداد التي هي عبارة عن وعاء فخاري وجد قرب بغداد في العام 1936 يعود إلى القرن الأول بعد الميلاد، ويتشابه تكوينه مع البطاريات الجافة الحديثة. ويعتقد العلماء بأنه كان يستعمل لتوليد شحنة كهربائية بسيطة تستعمل لطلي المصوغات الفضية بطبقة رقيقة من الذهب.