جوهانسبرغ: اعلن الرئيس جاكوب زوما الاربعاء امام البرلمان ان رئيس جنوب افريقيا السابق نيلسون مانديلا quot;يتجاوب بشكل افضل مع العلاجquot; الذي يتلقاه منذ نقله السبت الى المستشفى لاصابته بالتهاب رئوي.
وقال زوما quot;يسرني أن اخبركم بان ماديبا يتجاوب بشكل افضل مع العلاج منذ هذا الصباحquot; واعطى بذلك لاول مرة منذ خمسة ايام اشارة ايجابية عن صحة مانديلا.
واضاف quot;اننا في غاية السرور للتقدم المحرز بعد أيام صعبة للغايةquot;.
وقال زوما quot;يصادف اليوم في 12 حزيران/يونيو الذكرى ال49 للحكم على الرئيس نيلسون مانديلا بالسجن المؤبد في 1964. في هذا اليوم المهم أن نفكر بالرئيس مانديلا وباسرتهquot;.
واضاف quot;ندعو شعب جنوب افريقيا والاسرة الدولية الى التفكير دائما بمانديلا والصلاة من اجلهquot;.
والسبت نقل مانديلا حائز جائزة نوبل السلام عام 1993 الى المستشفى في حالة خطرة. ومذذاك اكتفت السلطات بوصف حالته بquot;المستقرةquot;.
ونلسون مانديلا الذي يعتبره مواطنوه في جنوب افريقيا ابا الامة واتباع نهجا تصالحيا بيت مختلف المجموعات التي مزقها نظام الفصل العنصري، بدأ حياته السياسية قوميا افريقيا لا يريد البيض في البلاد قبل ان يشن حركة نضال مسلح.
وعند وصوله الى جوهانسبورغ في 1941 في الثانية والعشرين من العمر، واجه مانديلا الشاب تمييزا لم يعشه من قبل عندما كان يقيم في مسقط رأسه في ترانسكي (جنوب شرق).
كانت ثقافته السياسية الناشئة تجعل منه quot;قوميا افريقياquot; بحسب اقواله.
فبالرغم من تاثره بالثقافة الاوروبية كان ليسعده جدا برمي المستعمرين البيض في البحر!
لم يكن يريد ممثلين للاقليات الاخرى في المؤتمر الوطني الافريقي الذي كان حزبا حصريا للسود عندما انضم اليه. كما لم يكن يريد ان يسمع شيئا عن اي اتفاق مع الشيوعيين الذين كانوا كذلك في صدارة الكفاح ضد التمييز العرقي.
ويرى فيرن هاريس مسؤول برنامج الذاكرة في مؤسسة مانديلا ثلاثة تحولات كبرى في التطور السياسي للرجل.
واوضح ان quot;التحول الاول يعود الى مطلع الخمسينيات عندما انتقل من موقف قومي افريقي لا يلعب فيه البيض اي دور في صراع التحرير الى مقاربة متعددة الاعراق. وهذا نجم عن التجارب الصعبة في تحركات الاحتجاج في مطلع الخمسيناتquot; التي هدفت الى معارضة منهجة التمييز بعد انشاء نظام الفصل العنصري (الابارتايد) عام 1948.
وقتئذ اتفق المؤتمر الوطني مع المعارضين الوافدين من اوساط مختلفة بما فيهم الشيوعيون الذين بداوا يؤثرون على افكاره. عام 1955 اقر الجميع ميثاق الحرية وهو نص يقترح مستقبلا لجميع شعوب جنوب افريقيا كان مانديلا فخورا به جدا.
لكن النضال السلمي من اجل هذه المثل العليا لم يتمكن من مقاومة قمع نظام الابارتايد. عام 1960 تم حظر المؤتمر الوطني الافريقي فيما انتقل مانديلا الى العمل السري بعد توقيفه عدة مرات.
في تلك الفترة اطلق مانديلا النضال المسلح معتبرا انه وحده قادر على صد سلطات البيض. وهذا بحسب هاريس الانقطاع الثاني في مسيرته السياسية.
وكتب مانديلا الذي تولى رئاسة الجناح المسلح للمؤتمر الوطني في مذكراته quot;طوال 50 عاما اعتبر المؤتمر الوطني الافريقي اللاعنف مبدأ رئيسيا له. من الان وصاعدا سيكون المؤتمر الوطني منظمة ذات طابع مختلف. سننطلق في طريق جديدة واكثر خطورة، طريق العنف المنظمquot;.
هذا التحول اتى في الوقت الذي كان رئيس المؤتمر الوطني البرت لوثولي يتلقى جائزة نوبل للسلام لنضاله السلمي ضد نظام الفصل العنصري. وعلق هاريس مبتسما quot;من سخرية التاريخ ان مانديلا تلقى جائزة نوبل للسلام عند توقف النضال المسلحquot;.
على خلفية الحرب الباردة عندما قدمت جنوب افريقيا نفسها معقلا غربيا بمواجهة quot;الخطر الاحمرquot; بات نلسون مانديلا يعتبر quot;ارهابياquot; في تحول تبناه، ورسمت له سلطات بريتوريا صورة سلبية سعت الى الصاقها به.
بالتالي بقي اسمه على لائحة الارهاب في الولايات المتحدة حتى العام 2008.
بعد توقيفه عام 1962 كرر مانديلا في اثناء محاكمته ان اللجوء الى الارهاب لم يكن الا ردا على عنف نظام الابارتايد.
والقى مرافعة بدت فيها ملامح راعي المصالحة الذي سيصبحه للامة الجنوب افريقية وقال quot;كافحت ضد سيطرة البيض وضد سيطرة السود. مثالي الاعلى الاهم هو رؤية مجتمع حر وديموقراطي يعيش فيه الجميع بتناغم ويتمتعون بفرص متساويةquot;.
بعدئذ امضى مانديلا 27 عاما في السجن، حيث قرا الكثر من الكتب بالافريكان (لغة جنوب افريقيا) لتحسين فهمه لاعدائه اولا ثم للتمكن من تقديرهم والصفح عنهم.
وفيما بات في جميع انحاء العالم رمزا لقمع الابارتايد وبدات العقوبات تضغط على النظام بادر مانديلا عام 1986 الى فتح مفاوضات سرية مع سجانيه.
وكتب في مذكراته quot;لم اكن مستعدا للتخلي عن العنف على الفور لكنني اكدت لهم ان العنف لا يمكن ان يكون الحل النهائي لوضع جنوب افريقياquot;.
بعد الافراج عنه عام 1990 شهد انقطاعه الثالث بحسب هاريس الذي اكد انه تمثل في quot;التخلي عن الاطر والمرجعيات الماركسية او الشيوعية العميقة في فكره، فيما انبثق اطار شبه ليبرالي مكانهاquot;.
كان جدار برلين سقط لتوه وبدا البيض اكثر تقبلا لمانديلا الذي سيسلموه السلطة قريبا.
وانجزت اناقته الطبيعية والاهمية التي اولاها لمصلحة الدولة الباقي، ليصبح مانديلا ابا الامة ويجذب خصوم الامس الذين امتنع عن اهانتهم.
التعليقات